رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

الذكرى الـ53 لافتتاح السد العالي بأسوان.. إنجاز مصري عالمي لا يُقارن

نشر
الأمصار

يصادف اليوم 15 يناير 2024 الذكرى الـ53 لافتتاح السد العالي في محافظة أسوان في مصر، أحد أهم الإنجازات الهندسية في القرن العشرين، والذي كان له دورًا كبيرًا في نهضة مصر وتنمية اقتصادها.

وتعود فكرة تدشين السد العالي إلى المهندس المصري اليوناني الأصل، أدريان دانينوس، الذي اقترح على مجلس قيادة ثورة 1952 إقامة سد ضخم عند أسوان؛ لحجز فيضان النيل وتخزين مياهه وتوليد طاقة كهربائية منه.

وبقرار من مجلس قيادة الثورة بدأت وزارة الأشغال العمومية دراسات مشروع السد في 18 أكتوبر 1952، بمشاركة سلاح المهندسين بالقوات المسلحة، ومجموعة منتقاة من أساتذة الجامعات، وانتهت إلى أن المشروع "قادر على توفير احتياجات مصر المائية".

وفي أوائل 1954، قدمت شركتان ألمانيتان تصميم للمشروع، الذي راجعته لجنة دولية، وأقرّته في ديسمبر 1954 ووضعت كذلك مواصفات وشروط التنفيذ، بحسب الموقع الإلكتروني لوزارة الري.

قدّمت مصر طلبا إلى البنك الدولي لتمويل المشروع، وبعد دراسات مستفيضة أقرّ الأخير جدوى المشروع فنيًا واقتصاديا، وأعلن في ديسمبر 1955 تقديم "معونة" تساوي قيمتها ربع تكاليف إنشاء السد.

وفي يوليو 1956، سحب البنك الدولي عرضه؛ بضغوط من الولايات المتحدة وبريطانيا، بعدما رفضت مصر طلبهما الإشراف الخارجي على اقتصادها، لترد مصر في الشهر نفسه بالإعلان عن تأميم قناة السويس واستخدام عائداتها في تمويل بناء السد العالي، وفق مشروع ذاكرة مصر المعاصرة، التابع لمكتبة الإسكندرية.

وبعد عامين، وتحديدًا في 27 ديسمبر 1958، وقعت مصر اتفاقا مع روسيا (الاتحاد السوفيتي سابقًا)، لتمويل المرحلة الأولى من السد بقرض بلغت قيمته 400 مليون روبل (320 مليون دولار).

وفي مايو 1959، راجع الخبراء السوفييت تصميمات السد، واقترحوا بعض "التعديلات الطفيفة"، بحسب الموقع الإلكتروني لوزارة الموارد المائية والري.

وبدأ العمل في تنفيذ المرحلة الأولى من السد العالي في 9 يناير 1960، وشملت هذه المرحلة: حفر قناة التحويل والأنفاق وتبطينها بالخرسانة المسلحة وصب أساسات محطة الكهرباء والوصول بجسم السد حتى منسوب 130 مترا .

وفي 27 أغسطس 1960، وقعت مصر وروسيا اتفاقية قرض جديد بقيمة 500 مليون روبل إضافية لتمويل المرحلة الثانية بالمشروع.

وفي 14 مايو 1964، حوّل القائمون على السد العالي مجرى نهر النيل، لأول مرة؛ ليبدأ تخزين المياه جزئيا في البحيرة.

وفي المرحلة الثانية، تواصل تشييد جسم السد العالي حتى نهايته، واكتمل بناء محطة الكهرباء وتركيب التوربينات وتشغيلها مع إقامة محطات المحولات وخطوط نقل الكهرباء.

وانطلقت الشرارة الأولى من محطة كهرباء السد العالي في أكتوبر 1967، وبدأ تخزين المياه بكامل سعة بحيرة ناصر في عام 1968، وبحلول يوليو 1970 اكتمل مشروع السد العالي، وأخيرًا في 15 يناير 1971 افتتاح الرئيس الراحل محمد أنور السادات المشروع رسميا.

ويرتفع السد العالي 111 مترا فوق مستوى منسوب قاع النيل، ويصل طول السد إلى 3830 مترًا، منها 520 مترًا بين ضفتي النهر فيما يمتد الباقي على هيئة جناحين على جانبي النهر، ويبلغ عرض السد عند القمة 40 مترا.

وتكوّنت أمام السد العالي بحيرة صناعية ضخمة "بحيرة ناصر"، تمتد بطول 500 كيلومتر ومتوسط عرض 12 كيلومترا، ويبلغ أقصى منسوب للمياه في البحيرة 183 مليار متر مكعب، منها 31.6 مليار متر مكعب سعة "التخزين الميت"، دون مستوى فتحات السد.

وبلغت تكلفة مشروع السد العالي حوالي 450 مليون جنيه أو ما يعادل مليار دولار حينها، فيما قدرت تكاليف إنشاء مفيض توشكى بنحو 42 مليون جنيه.

ويُعد السد العالي أحد أهم المشروعات القومية في مصر، حيث ساهم في تحقيق العديد من الإنجازات الاقتصادية والاجتماعية للوطن، ومن أهمها:

  • توفير المياه اللازمة للزراعة والري: يُعد السد العالي مصدرًا أساسيًا للمياه اللازمة للزراعة والري في مصر، حيث يوفر حوالي 55 مليار متر مكعب من المياه سنويًا، مما ساهم في زيادة الإنتاج الزراعي ورفع مستوى الأمن الغذائي في البلاد.
  • توليد الطاقة الكهربائية: يُعد السد العالي أحد أكبر محطات توليد الطاقة الكهربائية في العالم، حيث ينتج حوالي 26 مليار كيلووات ساعة من الكهرباء سنويًا، مما ساهم في سد احتياجات مصر من الطاقة الكهربائية وتوفيرها للصناعة والتجارة.
  • حماية مصر من الفيضانات: يحمي السد العالي مصر من الفيضانات التي كانت تتعرض لها بشكل سنوي، حيث يتحكم في تدفق المياه في نهر النيل.
  • زيادة النشاط السياحي: ساهم السد العالي في زيادة النشاط السياحي في مصر، حيث أصبح أحد أهم المعالم السياحية في البلاد.

بناء السد العالي

بدأت أعمال بناء السد العالي في عام 1960، واستمرت لمدة 10 سنوات، شارك فيها أكثر من 30 ألف عامل مصري وسوفييتي.

وكانت عملية بناء السد صعبة للغاية، حيث تطلبت إزالة أكثر من 40 مليون متر مكعب من الصخور، واستخدام أكثر من 4 ملايين متر مكعب من الخرسانة.

وقد تم بناء السد وفقًا لتصميم المهندس السوفييتي الدكتور بوريس إيلتشيف، والذي تضمن إنشاء سد خرساني على جانبي النهر، بالإضافة إلى قناة تصل بين السدين.

وبلغت تكلفة بناء السد حوالي 1.2 مليار دولار، وهو ما يعادل حوالي 10 مليارات دولار في الوقت الحالي.

وقد تم افتتاح السد العالي رسميًا في 15 يناير 1971، في عهد الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات.

التحديات التي واجهت بناء السد

واجهت عملية بناء السد العالي العديد من التحديات، من أهمها:

  • صعوبة الموقع الجغرافي: يقع السد العالي على بعد حوالي 100 كيلومتر من مدينة أسوان، في منطقة جبلية وعرة.
  • المشاكل الفنية: واجهت عملية البناء العديد من المشاكل الفنية، مثل صعوبة إزالة الصخور، ومقاومة التربة للزلازل.
  • الضغوط السياسية: واجهت عملية البناء أيضًا ضغوطًا سياسية من بعض الدول الغربية، التي كانت تعارض بناء السد.

الإنجازات الهندسية للسد العالي

يُعد السد العالي أحد أهم الإنجازات الهندسية في القرن العشرين، حيث يتميز بالعديد من المزايا الهندسية، من أهمها:

  • ضخامة حجمه: يبلغ طول السد العالي حوالي 3.6 كيلومتر، وارتفاعه حوالي 111 مترًا، مما يجعله أحد أكبر السدود في العالم.
  • قوة بنائه: يتميز السد العالي بالقوة والمتانة، حيث يمكنه تحمل ضغط المياه يصل إلى 100 مليون طن.
  • كفاءته في توليد الكهرباء: يتميز السد العالي بكفاءته العالية في توليد الكهرباء، حيث يولد حوالي 26 مليار كيلووات ساعة من الكهرباء سنويًا.

إنجازات السد العالي خلال 53 عامًا:

خلال 53 عامًا من تشغيل السد العالي، حقق العديد من الإنجازات، ومن أهمها:

  • زيادة مساحة الأراضي الزراعية: زادت مساحة الأراضي الزراعية في مصر من 4 ملايين فدان إلى 7 ملايين فدان، مما ساهم في زيادة الإنتاج الزراعي ورفع مستوى الأمن الغذائي في البلاد.
  • زيادة الإنتاج الصناعي: زاد الإنتاج الصناعي في مصر بنسبة 150%، مما ساهم في تحسين مستوى المعيشة للمواطنين.
  • زيادة النشاط السياحي: زاد عدد السياح الوافدين إلى مصر من 100 ألف سائح إلى 10 ملايين سائح، مما ساهم في تنشيط الاقتصاد الوطني.

مستقبل السد العالي:

يُعد السد العالي أحد أهم الأصول القومية في مصر، ويحتاج إلى الصيانة والتطوير بشكل مستمر، وذلك لضمان استمراره في أداء دوره الحيوي في تنمية البلاد.

ومؤخرًا، أعلنت الحكومة المصرية عن خطة لتطوير السد العالي، والتي تشمل إعادة تأهيله ورفع كفاءته، وإنشاء محطة توليد كهرباء جديدة، وذلك بهدف زيادة الطاقة الكهربائية التي يولدها السد، وتحسين كفاءته في مقاومة الزلازل.

ويُعد السد العالي أحد أهم المشروعات القومية في مصر، حيث ساهم في تحقيق العديد من الإنجازات الاقتصادية والاجتماعية للوطن، وهو إنجاز مصري عالمي يُفتخر به المصريون.