رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

الصراع العرقي في الكونغو الديمقراطية شرارة لصراع إقليمي

نشر
الأمصار

يعد الـنزاع في جمهورية الكونغو الديمقراطية من أهـم بـؤر توتر في القـارة الإفريقية، ومنذ استقلالها في بداية الستينات وهي تشهد حالات اللاستقرار وأعمال العنف والتي أخذت عدة أشكال انقلابات عسكرية، اغتيالات سياسية، تظهير عرقي.

وكانت أخطرها الحربين الأهليتين اللتين عرفتهما البلاد (1997 – 2003) و(2003 -2017)، فشهدت الدولة الكونغو الديمقراطية عمليات الصراع المسلح على نطاق واسع، إذ مارست الأطراف المتصارعة خلال الحربين عمليات واسعة النطاق.

الصراع العرقي يحصد 18 مدنيا وجنديا غرب الكونغو الديمقراطية

قتل 18 مدنيا وجندي على أيدي مجموعة مسلحة مطلع هذا الأسبوع في غرب جمهورية الكونغو الديمقراطية.

ويأتي الحادث في خضم صراع عرقي آخذ في التوسع، وفق ما أفاد اليوم الأحد بيان صادر عن مجلس الوزراء.

وخلال اجتماع مجلس الوزراء الجمعة في كينشاسا، أبلغ وزير الدفاع الوزراء بـ"التوغل" الذي نفذه أفراد من مجموعة "موبوندو" المسلّحة الإثنين 11 سبتمبر/ أيلول في قرية فينال في منطقة كيمفولا في مقاطعة كونغو الوسطى، على ما أفاد الناطق باسم الحكومة باتريك مويايا في البيان.

وأوضح المصدر نفسه أن الهجوم أسفر عن مقتل "18 مدنيا وجندي" في حين فقد جندي آخر و"أضرمت النار في القرية برمّتها"، مشيرا إلى أن "قوات الدفاع والأمن تواصل تعقب المهاجمين".

وتقع كيمفولا على مسافة نحو190 كيلومترا من العاصمة كينشاسا.

بداية الأزمة

واندلعت أعمال العنف العرقية في غرب الكونغو الديموقراطية في يونيو/ حزيران 2022 بين أفراد من التيكي الذين يعتبرون أنفسهم من السكان الأصليين وأصحاب القرى الواقعة على طول نهر الكونغو على مسافة تمتد نحو 200 كيلومتر، وآخرين من الياكا الذين استقروا فيها في وقت لاحق.

وبعدما بدأت في إقليم ماي-ندومبو، امتدت أعمال العنف هذه إلى أقاليم كوانغو وكويلو وكينشاسا الذي يضمّ عاصمة البلاد.

وتقدّر الأمم المتحدة أعداد ضحايا هذه الجولة من العنف العرقي بثلاثة آلاف قتيل بين يونيو/ حزيران 2022 ويوليو/ تموز 2023.

في المقابل، تتحدث الحكومة الكونغولية عن 180 قتيلا، في حصيلة لم تحدّث منذ أكتوبر/تشرين الأول 2022.

وابتليت شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية بالصراع بين مجموعة متنوعة من الفصائل المسلحة، تمثل الفصائل مجموعات عرقية ودينية مختلفة. وأدت الإبادة الجماعية في رواندا في الفترة 1993-1994 إلى زيادة اشتعال هذا الصراع، حيث فر مرتكبو الإبادة الجماعية والضحايا من رواندا، مما أدى إلى وجود أعداد كبيرة من اللاجئين واللاجئات الذين يسكنون شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية حتى يومنا هذا. كان رد فعل هؤلاء اللاجئين على الافتقار إلى الحكم القوي في هذا الجزء هو بناء الميليشيات. وأصبحت حكومة جمهورية الكونغو الديمقراطية غير قادرة على حل هذه القضية.

وتشمل الجماعات المسلحة حركة 23 مارس، والقوات الديمقراطية لتحرير رواندا، والقوات الديمقراطية المتحالفة. انضم اللاجئون إلى هذه الجماعات على أمل تحقيق مكاسب اقتصادية أو بسبب الحماس الأيديولوجي. 
اتهمت جمهورية الكونغو الديمقراطية رواندا بدعم حركة 23 مارس؛ واتهمت رواندا أوغندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وبوروندي بدعم القوات الديمقراطية لتحرير رواندا؛ واتهمت بوروندي رواندا بدعم منظمة ريد-تابارا؛ واتهمت أوغندا رواندا بدعم القوات الديمقراطية المتحالفة.

وكانت نتيجة هذه التوترات والاضطرابات أن وفر النزاع لجميع الأطراف المعنية، بوروندي ورواندا وأوغندا، وسيلة للاستغلال الاقتصادي، منتهزين عدم سيطرة السلطات الكونغولية على المنطقة. وهذا يطرح سؤالا: لماذا لم تقم الدولة الكونغولية بقمع مثل هذا العنف؟ الإجابة هي أنه بالرغم من محاولات الرئيس فيليكس تشيسيكيدي الأخيرة للقضاء على الفساد في الجيش، فإن جيش جمهورية الكونغو الديمقراطية يعاني من تدني الأجور وعدم الاهتمام بفك الاشتباك. بكلمات أخرى، يكسب الجنرالات الغالبية العظمى من رواتبهم من خلال الامتيازات الاقتصادية المربحة والرشوة وعقود الأمن غير الرسمية في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، مما يعني أنه لا يوجد حافز كبير لتغيير السلوك ولا مصلحة عسكرية في إنهاء هذا الصراع.

وفي أواخر عام 2021، دخلت القوات الأوغندية جمهورية الكونغو الديمقراطية لمحاربة جماعة مسلحة، وهي جماعة القوات الديمقراطية المتحالفة المتمركزة في شمال شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية على الحدود مع رواندا، مما أدى إلى تجدد الاشتباكات الحدودية بين القوات الكونغولية والرواندية.

ويمكن أن تتصاعد حدة التوترات إذا استمرت المناوشات الحدودية بين جمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا، فقد يتبع ذلك إعلان رسمي للحرب. يمكن أن يحدث هذا أيضًا إذا شوهدت أسلحة ثقيلة أو معدات أو ضباط يرتدون الزي الرسمي يعبرون إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية. علاوة على ذلك، يمكن أن تنغمس القوات الرواندية والأوغندية وبوروندي في معارك نارية داخل جمهورية الكونغو الديمقراطية، مما يؤدي إلى مزيد من التوترات السياسية في حالة مقتل جنود من أي من هذه الدول، خاصة بعد أن عبر جندي من جمهورية الكونغو الديمقراطية الحدود إلى رواندا في يونيو الماضي وقُتل بعد إطلاق النار على الروانديين. ولاشك أن مثل هذه الأحداث هي شرارة لعمل عسكري أكبر.

إجمالا، يعد الالتزام الدولي بعملية سلام طويلة الأمد وتقنين العلاقات الاقتصادية والسياسية والقانونية في جمهورية الكونغو الديمقراطية عناصر أساسية لمنع عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي على المدى الطويل في منطقة البحيرات العظمى.

ويجب على كينيا وفرنسا والولايات المتحدة والأطراف المعنية الأخرى العمل على نزع فتيل هذه التوترات، لأنه يمكن أن يحدث تورط صيني أو روسي أو متطرف (الدولة الإسلامية) إذا استمر الوضع الراهن كما هو عليه.

كما أصبح لكينيا الآن، الزعيمة الإقليمية على أساس الحجم الاقتصادي والسكان، مصلحة سياسية في نتيجة مثل هذه النزاعات ومصلحة في الحد من الحرب بين أعضاء مجموعة دول شرق إفريقيا (منظمة تضم سبع دول؛ بوروندي وكينيا ورواندا وجنوب السودان وتنزانيا وأوغندا وجمهورية الكونغو). بدأت الحكومة الكينية بالفعل في استضافة المحادثات بين الأطراف المعنية، لكنها اعترضت على ضم حركة 23 مارس، وهي فاعل رئيسي في الصراع، مما يضر بفعالية هذه الدبلوماسية. كما وافقت مجموعة شرق إفريقيا على نشر قوة حفظ سلام بقيادة كينيا في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، لكن القوات البوروندية فقط هي التي تم نشرها حتى الآن. والنتائج الأولية أقل من واعدة، حيث يبدو أن القوات البوروندية تعمل بشكل أساسي على تعزيز مصالح بلادهم في المنطقة

.

الأطراف الدولية

وتعد منطقة شرق الكونغو موطنا لمجموعة متنوعة من الموارد الطبيعية، بما في ذلك الذهب والماس والنفط والمعادن الثمينة الأخرى، ونظرًا لمواردها الوفيرة وحكمها الضعيف، فقد شهدت صراعًا ومنافسة خارجية على مواردها لعقود.

على سبيل المثال، زادت أنشطة الصين والجماعات المتطرفة في منطقة البحيرات العظمى الإفريقية. وقد يحاول الوكلاء الروس ترسيخ أنفسهم في جمهورية الكونغو الديمقراطية، فكما رأينا في جمهورية إفريقيا الوسطى ومالي، تفضل مجموعة فاجنر والمتعاقدون العسكريون الروس الآخرون مقايضة الامتيازات المعدنية بالعمل الأمني؛ ما يؤدي في كثير من الأحيان إلى تسريع العلاقة العسكرية المباشرة بين الدولة الروسية والدولة المضيفة لفاجنر.

ويمكن أن يتكشف مثل هذا السيناريو في جمهورية الكونغو الديمقراطية، إما لدعم جمهورية الكونغو الديمقراطية أو رواندا أو أوغندا أو بوروندي في سياق عمليات كل دولة ضد الجهات المسلحة.