رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

د. دريد عبد الله يكتب: الديون السيادية للعراق.. هل هي القشة التي ستقصم ظهر البعير؟

نشر
الأمصار

طالما كانت الديون السيادية للدول (وخصوصاُ دول العالم الثالث) عندما تتضخم وتتغول لتأكل الأخضر واليابس من وارداتها ولتفرغ خزائنها ولتجعل الفقر فيها يزداد مما يولد عدم استقرار سياسي، أمني، اقتصادي والذي بدوره قد يفضي الى تفكك تلك الدول كما حدث عام 1991 مع الاتحاد السوفييتي وقد يحدث هذا مع لبنان قريباً.

في الدول النفطية الوضع يأخذ منحى آخر، إذ ان وارداتها المستمرة من النفط (مع عدد سكان مناسب) سيؤمن لها وضع مستقر من الرفاهية وكذلك يجعل احتياطاتها النقدية الضخمة عامل استقرار يمكن ان تلجأ اليه تلك الدول في حالة الازمات الاقتصادية لتفادي الاستدانة من الخارج.

لنأخذ العراق مثلاً،اول استدانة سيادية في تاريخ الجمهورية العراقية الحديثة (بعد عام1968) كانت بالضبط في أواسط سنة 1982 بقيمة 6 مليارات دولار دفعة واحد لسد متطلبات حربه القائمة وقتها وليخرج من الحرب بعدها بست سنوات بديون خارجية وصلت عام 1988 الى 86مليار والتي مثلت 278%من ناتجه المحلي السنوي(GDP)وقتها والغريب ان العراق استمر بعد وقف حربه مع ايران بالاستدانة لتصل بعدها بسنتين الى 91 حوالي مليار دولار مع فوائد ديون ناهزت 25% من وارداته مما وضع غزو الكويت ومن ثم تدميره لتحريرها امراً واقعاً

تضاعفت ديون العراق السيادية خلال فترة الحصار الاقتصادي حتى احتلاله عام 2003 الى 160مليار دولار من بينها  التعويضات الأممية جراء غزوه الكويت

اجمالاً،خلال الفترة من 2003 حتى 2023، استدان العراق (داخلياً وخارجياً) حوالي 200مليار دولار (منها 51% منها داخلية) ودفع أقساط ديونه الخارجية والداخلية بحوالي(147مليار دولار)

قبل عدة أسابيع نشر البنك الدولي تقريره النصف سنوي حول اقتصاد العراق بشكل عام وديونه الداخلية والخارجية السيادية بشكل خاص حيث أوضح البنك ان ديون العراق حتى نهاية عام 2023 ستصل الى 152مليار دولار وتمثل (58.3%) من ناتجه المحلي بزيادة 5% عن السنة السابقة حيث سيصبح الناتج المحلي العراقي هذه السنة (سلبي)بنسبة -1.1% وهذا مما سيفرض على الحكومة الحالية الاستدانة بمقدار 10مليار دولار لسد عجز الموازنة لهذه السنة فقط

غيّرت الحكومة العراقية (متمثلة بوزارة المالية) استراتيجية الإقراض من الإقراض الخارجي الى الداخلي بعد سن البرلمان العراقي (قانون الاقتراض) بنهاية عام 2020 مما جعل الباب مفتوحاً للحكومة للإقتراض الداخلي الحر وهذا ما حدث بالضبط فمنذ 2020 وحتى 2023 اقترضت الحكومة داخلياً حوالي 60مليار دولار بفائدة تصل الى 16% بينما القروض الخارجية لم تزد عن 10مليار دولار خلال نفس الفترة بحيث استدان العراق داخلياً سنة 2022 فقط 28مليار دولار وهو رقم مهول يعكس العجز في إدارة الدولة و وضع الحلول الناجعة لانعاش اقتصاده ولتفادي ديون إضافية. وما زاد الطين بلة استعمال البنك المركزي لاستراتيجية(كرة الثلج)في أسلوب دفع خدمات او فوائد الديون فهي لكي تسد ديونها الخارجية بدأت تستدين داخلياً وتدفع للدائنين الدوليين ديونهم ،هذا بالإضافة الى الأموال التي هي اصلاً بحاجة لها لسد التكاليف التشغيلية والاستثمارية للميزانية لذلك نلاحظ انخفاض الدين الخارجي مقابل تضاعف غريب للداخلي

لسنة 2023، على العراق أن يدفع فوائد ديون (خارجية وداخلية) بحوالي 23مليار دولار و هي تمثل حوالي25% من الواردات النفطية السنوية له وهي نفس النسبة التي أوصلت العراق لدخول الكويت

لتقليل تسارع كرة الثلج المالية و تضخم ديوننا السيادية ،على الحكومة فوراً مصارحة الشعب بالحال الحقيقي لوضعنا المالي و كذلك البدء بالتعويم (المحدد) للعملة العراقية بشكل تدريجي ولفترة سنتين الى اربع ومحاولة تخصيص الشركات العامة الخاسرة وتحويل قطاع الطاقة الى قطاع رابح (هو اليوم خاسر) مع انشاء نظام ضرائبي حقيقي يتعامل بشكل مرن لتطوير واردات الحكومة من الضرائب مع وضع استراتيجية وقوانين لتحديد ماهية نوع النظام المالي في العراق هل هو (اشتراكي ام رأسمالي ام اجتماعي ام هجين)

وختاماً فالاستمرار بأسلوبي (إبقاء الأوضاع على حالها)و(إطفاء الحرائق) مع التضليل المتعمد للرأي العام سوف لن يؤدي إلا للإضعاف النظام المالي العراقي واضعاف ثقة المواطن ةالدوائر المالية الدولية به و تكبيل العراق واجياله اللاحقة بديون لن يستطيع أي نظام لاحق ان يوفيها ولا أي هيكلية اقتصادية مهما كان تعافيها ان تتعايش معها لهذا فالدولة العراقبة في مفترق طرق تحتاج لعملية جراحية مؤلمة وطويلة لكي تقلل اثار المشاكل المالية الحالية.