رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

د. عبد الحفيظ محبوب يكتب: السعودية تقود إحياء العملية السياسية في اليمن

نشر
الأمصار

السعودية الدولة الوحيدة التي ضحت كثيرًا من أجل نمو أشقائها العرب، بل قدمت لهم دعمًا سخيًا في أشكال متعددة، لأنها كانت تعتبره يصب في تقوية الاقتصاد الخليجي، وتحملت أعباء بمفردها أكثر بعد ثورة 2011 التي ضربت المنطقة العربية، حتى أصبح العرب وضع كما في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ( يوشك الأمم أن تداعى عليكم، كما تداعى الأكلة إلى قصعتها.. الحديث) مشاريع هدفها محاصرة بلاد الحرمين وكسر شوكته، باستخدام العرب أنفسهم أدوات يتبعون لدول إسلامية إيران وتركيا كمشاريع نسجتها الولايات المتحدة.

لكن وقفت السعودية بمفردها في مواجهة المشروعين حتى تمكنت من حماية حدودها أولا من خلال إرسال جيشها إلى البحرين، ثم دعمت الجيش والشعب المصري في استعادة دولتهم من تلك المشاريع، ثم اتجهت إلى تشكيل تحالف والدخول إلى اليمن بدعوة من الحكومة الشرعية لمواجهة إيران في اليمن التي دعمت الحوثي كوكيل لها في اليمن لتصبح صنعاء العاصمة الرابعة التي تستولي عليها طهران.

كان استئناف العلاقات السعودية الإيرانية الذي تم برعاية صينية مما انعكس على المعادلة الإقليمية، وانعكاسه كان على مجمل الملفات والقضايا في المنطقة، فكان لها الأثر في العديد من أزمات المنطقة في كل من اليمن وسوريا ولبنان والعراق، كما وجدت امتدادها في السياقات الدولية من خلال تعزيز وترسيخ تأثير علاقة السعودية بالفاعلين الدوليين، حيث ترى الولايات المتحدة أن الصين كسرت الطوق الذي تحاول الولايات المتحدة إحكامه بالنزول إلى بيئة إقليمية صعبة ومتقلبة مثل الشرق الأوسط.

لكن بعدما أبرمت الصين إعادة العلاقات بين السعودية وإيران التي تعاني عزلة دولية منذ الاحتجاجات في 8 سبتمبر، وكانت تخوض مفاوضات مع السعودية منذ 2019، كذلك راقبت إيران محاولات الولايات المتحدة وإسرائيل في تشكيل ناتو عربي لضرب إيران كما حدث في العراق عام 2003، لكن كانت السعودية في كل مرة ترفض رغم عداءها مع إيران، لأنها ترى إضافة أزمة جديدة إلى المنطقة، لتصبح منطقة تتعثر فيها الصين التي تود أن تتكامل مع السعودية، وكذلك يهدد رؤية السعودية التي هي رؤية إقليمية، وليست فقط محلية.

ما يعني أن إيران تعترف بفشل مشروعها العدائي التوسعي ومد نفوذها عبر أذرعها تحت مسمى محور المقاومة والقائم على تشكيل حزام مسلح ظاهريا يطوق إسرائيل لكنه في الحقيقة هو يطوق السعودية.

هذه الصلح كسر هذا الطوق، ويمكن الصين من وضع جداول زمنية على رأسها المواءمة بين مبادرة الحزام والطريق الصينية مع رؤية المملكة 2030، وكذلك الحال بالنسبة لإيران حيث ترتبط مع الصين بالشراكة الاستراتيجية الشاملة والتي تبلغ مدتها 25 عاما والموقعة في 2021.

مستثمرة الصين إعادة السعودية والولايات المتحدة ترتيب الأولويات في عهد إدارة بايدن في ظل التوتر بين البلدين غير منفصل عن جملة من التحولات في السياسة الخارجية السعودية، خصوصا أن السعودية اختبرت الموقف الأمريكي إبان تعرض منشآتها النفطية في 14 سبتمبر 2019 في عهد إدارة ترمب لم تتخذ أمريكا موقفا جادا يجاري خطورتها، لكنها عززت قواتها في المنطقة وأرسلت صواريخ باترويت، لكن سحبتها أمريكا في عهد إدارة بايدن في يونيو 2021 رغم الهجمات التي تضرب السعودية والإمارات، وعليه اختارت السعودية عدم الرهان على قدرات الآخرين، في ظل تركيزها على تنويع خياراتها الاستراتيجية في ظل بيئة تسير فيما يبدو نحو التعددية القطبية، وتود أن تكون شريكا في هذا التحول، خصوصا بعد اندلاع الأزمة الأوكرانية التي غيرت كثيرا من الاستراتيجيات الدولية لصالح السعودية.

إعادة العلاقات السعودية الإيرانية سينعكس على الملف اليمني، باعتبار الأزمة اليمنية لها تأثير على المجال الحيوي والاستراتيجي السعودي، وكما أعلن وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان في في المنتدى العالمي دافوس في يناير 2023 حين صرح أن إنهاء الحرب في اليمن يجب أن يتم عبر حل توافقي، وهو ما نعمل عليه حاليا، وتشديده على أن الصراع في اليمن لن ينتهي إلا من خلال تسوية سياسية، كما أن الموقف الأمريكي تحول من دعم أحد الأطراف على مر السنوات الماضية إلى تأدية دور الوسيط في الأزمة، ففي فبراير 2021 أعلن الرئيس بايدن تعيين مبعوث أمريكي خاص لليمن وهو تيم ليندركينغ.

لكن يبدو هناك جهات وأطراف كانت مستفيدة من مشهد الحرب في اليمن والتوتر بين السعودية والحوثي، ترى أنها ستكون خاسرة من وقف التوتر خصوصا وأن السعودية كانت تدير المشهد اليمني بشئ من الحكمة والصبر، لأن أولويتها كانت هي مواجهة الحوثي كوكيل لإيران، بينما اليوم انتهى كوكيل لإيران بعد عودة العلاقات السعودية الإيرانية، وأصبحت المسؤولية مسؤولية يمنية، ولكن برعاية سعودية. 

فمثلا تم تشكيل المجلس الانتقالي في عام 2017 بدعم دولة الإمارات باعتبارها دولة شريكة في التحالف لمواجهة الحوثي، لكن أضمر المجلس قيادة انفصال الجنوب عن الشمال ليس فقط لمحاربة الحوثي، واستولى على عدن وشبوة وأبين في 2019 فتم دعوته إلى الرياض بحضور الشيخ محمد بن زايد عندما كان وليا لعهد أبو ظبي، وتم التوقيع على اتفاق الرياض في نوفمبر 2019، لكنه عاد واستولى المجلس الانتقالي في أبريل 2020 على مواقع تجارية ومن ضمنها زنجبار الساحلية في أبين، واستولى على حقول النفط في شبوة، وفي يونيو من 2020 استولى على أرخبيل سقطري وطردوا المحافظ، لكن بضغط سعودي تخلى المجلس الانتقالي عن إعلان الحكم الذاتي في يوليو 2020. 

حيث ترى السعودية أن تشكيل قوات النخبة الحضرمية وقوات النخبة الشبوانية وقوات الحزام الأمني ومجاميع مسلحة من أنصار ما يسمى المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات تضعف هذه المجاميع الانفصالية التي تدعي محاربة الحوثي وفي نفس الوقت تستخدم ورقة الإخوان ذريعة أيضا من أجل تحقيق عمليات انفصالية وهو ما يضعف حليفها الحكومة الشرعية التي تحظى باعتراف دولي، وهي بذلك تساهم في تفكيك التحالف المناهض للحوثي، وأصبحت السعودية منفردة في مواجهة الحوثي، ولن تحارب السعودية الحوثي نيابة عن اليمنيين، ولم يعد الحوثي وكيلا عن إيران، حيث تحاول السعودية إبعاد حضرموت وشبوة ومأرب عن سيطرة الحوثي عليها من أجل ان يفقد زخمه لاحقا ويضطر للجلوس إلى طاولة المفاوضات.

أعلنت دولة الإمارات إنهاء تدخلها في اليمن في أكتوبر 2019 وسلمت ميناء المخا وميناء الخوخة للسعودية، ولم تترك فراغا أمنيا لأنها قد دربت نحو 90 ألف يمني لمواجهة الحوثي، وفي عام سبتمبر 2021 نفذ الحوثيون هجوما نجحوا في السيطرة على البيضاء وأجزاء من محافظة مأرب شجعهم على التوسع جنوبا في شبوة الغنية بالنفط، كما نجحت قوات العمالقة وقوات النخبة الشبوانية المدعومة المسلحة إماراتيا من طرد الحوثي في أقل من عشرة أيام، ما جعل الحوثي يشن بطائرة مسيرة في يناير 2022 على منشآت حيوية في دولة الإمارات.

مشكلة البعض ينظر إلى اليمن في زمن الحرب غنيمة أو فرصة لتحقيق طموحاته الاقتصادية أو تحقيق مشاريع وهو ما ترفضه السعودية تماما، بل قامت السعودية بمفردها بنزع نحو نصف مليون لغم زرعه الحوثي منذ عام 2018، ووقف صراعات محلية بغطاء إقليمي، ووقف صراع القوى التي كانت تتحرك لتعزيز نفوذها في محافظات استراتيجية، أي وقف الصراع الإقليمي بأدوات محلية للسيطرة على محافظة حضرموت.

بالطبع تود الإمارات أن تصبح مركزا اقتصاديا يربط شرق أفريقيا بجنوب آسيا، فسعت إلى إبرام اتفاقيات للتجارة في سلسلة من الموانئ الواقعة في جنوب شبه الجزيرة التي ترتبط بموانئ القرن الأفريقي وتشغيلها، ودخلت في مشروع مشترك مع مؤسسة موانئ عدن عام 2006 لإدارة الميناء، وأبرمت اتفاقية في جيبوتي عام 2006 ومع ميناء بربرة في أرخبيل الصومال في 2010، لكنها عانت من سلسلة نكسات، إذ ألغت حكومة هادي المشروع المشترك في عدن بعد الإطاحة بالرئيس علي عبد الله صالح في 2012، واستولت حكومة جيبوتي على محطة حاويات من شركة موانئ دبي في 2011، فأرادت تعويض هذه الخسائر خصوصا وأنها ترى أن التركيز على موانئ اليمن في مواجهة التنافس الصيني السعودي المتزايد على موانئ القرن الأفريقي، خصوصا بعدما نشطت السعودية في إحياء دورها من خلال تطبيق رؤيتها واستثمار موقعها اللوجستي ومركزها المتوسط بين الشرق والغرب، ما جعل الإمارات تسيطر على عدن خصوصا وأنه يمتلك أعمق مياه عالميا وحضرموت وشبوة بالإضافة إلى أرخبيل سقطري وجزيرة ميون في مضيق باب المندب مما أزعج الشعب اليمني، وبشكل خاص جبهة الإصلاح التي تحاربهم المليشيات الجنوبية تحت ذريعة الإسلام السياسي، وترفض السعودية أن يتحول الشعب اليمني من مواجهة الحوثي إلى القتال الداخلي الذي يصب في صالح الحوثي.

أرادت السعودية إحياء العملية السياسية واستكمال استحقاقات المرحلة الانتقالية بموجب المرجعيات المتفق عليها محليا وإقليميا ودوليا وأهمية تكامل الجهود بما يضمن استعادة مسار السلام والاستقرار والتنمية في اليمن، فأشرفت على تشكيل مجلس حضرمي في 20 يونيو 2023 برئاسة محافظ حضرموت مبحوح بن ماضي.

ما جعل مجلس القيادة برئاسة العليمي يمنح محافظة حضرموت الإدارة الذاتية إداريا وأمنيا واقتصاديا توطئة لإقامة دولة اتحادية مقبولة من كافة أبناء الشعب اليمني، لاحتواء قيمة العملة اليمنية التي انخفضت من 215 ريال لكل دولار عام 2014 إلى أكثر من 1500 ريال لكل دولار حاليا، ويبلغ متوسط راتب الموظف نحو مائة دولار شهريا، بعدما فشل المجلس الانتقالي الانفصالي في تعزيز حضوره كممثل وحيد لجميع محافظات جنوب اليمن بما فيها حضرموت كبرى تلك المحافظات، فهو في صدمة منذ تأسيسه بعدما فشلت السعودية في احتوائه وجعلته أحد قيادات المجلس الرئاسي.