رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

د. عبد الحفيظ محبوب يكتب: أبعاد زيارة ولي العهد السعودي لفرنسا؟

نشر
الأمصار

تأتي زيارة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى فرنسا الرابعة والثانية في أقل من سنة، حيث هناك قواسم مشتركة بين السعودية وفرنسا، فكما السعودية تنفتح على الشرق ليس نكاية بالغرب، لكن هناك قوة الصين القادمة لا يمكن تجاهلها، وكما تقيم السعودية علاقات وثيقة مع الصين، كذلك فرنسا تقيم علاقات وثيقة مع الصين، كما مرت السعودية بأزمة مع الولايات المتحدة التي ترفض أن تسير في فلك الولايات المتحدة ضد تحقيق مصالحها، كذلك فرنسا عانت من استبدال الغواصات الفرنسية بغواصات أميركية نووية سميت باتفاقية أوكس، واعتبرت فرنسا أن بايدن يتصرف مثل ترمب.
هناك مشاورات دورية ودائمة بين البلدين حول العديد من القضايا الإقليمية، والملفات الجيوسياسية، حيث تجد فرنسا نفسها ضمن هذا السباق لتعزيز هذه الشراكة بين البلدين، وهناك أكثر من ملف على جدول زيارة ولي العهد السعودي لفرنسا، وسيكون من أبرز الملفات ملف الطاقة والنووي الإيراني وحرب أوكرانيا إلى جانب الملف اللبناني، ودعم ترشيح السعودية لملف قيام معرض أكسبو 2030 في الرياض الذي يتوافق مع رؤية المملكة 2030.
يرتكز الحوار الفرنسي السعودي حول كيفية انقاذ لبنان، إذ أعلنت فرنسا عن ولادة لبنان عام 1920، فيما بعد دعمت السعودية لبنان، وهما يستعجلان تسوية للشغور الرئاسي في لبنان، خصوصا بعد المصالحة بين الرياض وطهران في مارس 2023، فإن السعودية يمكن أن تلعب دورا مع إيران حول دور حزب الله في لبنان للتوصل إلى حل وسطي بشأن الرئاسة في لبنان، وقبل زيارة سمو ولي العهد كان هناك اتصال بين ماكرون وإبراهيم رئيسي لمدة 90 دقيقة من اجل أن تساهم هذه الجهود المشتركة في تهدئة الساحة السياسية اللبنانية بعد شغور رئاسي لمدة ثمانية أشهر لمعالجة الأزمة الاجتماعية والاقتصادية الحادة التي يعاني منها لبنان.
فالسعودية وفرنسا يتمسكان بالأمن والاستقرار في الشرقين الأوسط والأدنى من أجل تهدئة دائمة للتوترات، وأيضا على تطوير وتعميق الشراكة بين البلدين، وكما تشارك السعودية في عالم متعدد الأقطاب، كذلك يدعم ماكرون أوروبا قطبا مستقلا عن الولايات المتحدة.
لذلك يعتبر الملف الأوكراني الأبرز في ضرورة إيجاد مخرج لهذا الصراع وتخفيف حدة آثار هذا الملف على الشرق الأوسط والمنطقة الأوروبية، وأوروبا منفتحة على خطة سلام من أبرز الدول الأوروبية فرنسا وألمانيا وحتى بريطانيا، والبحث عن وساطات جديدة بين الغرب وروسيا والصين، حيث تحظى السعودية بعلاقات جيدة مع جميع الأطراف، خصوصا بعدما فشل الهجوم الأوكراني المضاد بعدما قدم الغرب أكثر من 100 مليار دولار بسبب اصطدام هذا الهجوم بالألغام والكمائن والتعرض للمسيرات من أجل الوصول إلى الخط الأمامي فقط، مما أزعج الولايات المتحدة، وترفض أميركا والناتو إرسال جنود إلى أوكرانيا، أي أن أوكرانيا لن تنضم إلى الناتو، ففرنسا تود من السعودية وحتى الصين التي تعرضت وساطتها في فبراير إلى استهزاء من الغرب، يمكن إحياؤها مرة أخرى خصوصا وأن هناك زيارة مرتقبة لوزير خارجية أميركا بلينكن إلى بكين لإصلاح توتر العلاقات بين الجانبين.
يعيش الشرق الأوسط بقيادة السعودية حالة من التغير المستمر، خاصة فيما يتعلق بالعلاقات ومقاييس القوة، وعقب توقيع الاتفاق بين السعودية وإيران في 10 مارس 2023 وجه كبير مستشاري الصين للشؤون الخارجية وانغ بي انتقادات واضحة للولايات المتحدة قائلا أن العالم لا يقتصر على قضية أوكرانيا، بل جددت بكين وساطتها في القضية الفلسطينية، وهي مستعدة للوساطة الداخلية في فلسطين، وكذلك محادثات السلام من أجل حل دائم للنزاع مع إسرائيل.
هناك فرق بين بكين وواشنطن، حيث تعتبر بكين المشتري الرئيسي للطاقة من دول مجلس التعاون الخليجي، فهي تريد أن يكون الشرق الأوسط مستقرا سياسيا، بينما واشنطن تحولت من عميل للطاقة إلى منافس رئيسي لدول الشرق الأوسط، ما يجري بين واشنطن وبكين في الشرق الأوسط لعبة شطرنج هائلة بين قوتين كبيرتين، بعدما كانت واشنطن تحاول احتواء الصين في مجالي التكنولوجيا والدبلوماسية إلى جانب بحر الصين الجنوبي وتايوان، ونجاح الصين يرتكز على حقيقة أن كلا من إيران والسعودية لديهما رغبة قوية في تحقيق الانفراج، وسيتوليان حماية الممرات الملاحية في منطقة الخليج دون الحاجة للولايات المتحدة، ما يعني أن هناك اختلافا كبيرا بين الصين والنهج الدبلوماسي الأمريكي في المنطقة.