رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

وزير خارجية السعودية يزور دمشق.. مرحلة جديدة لاستعادة العلاقات بين المملكة وسوريا

نشر
الأمصار

يصل وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، الثلاثاء، إلى دمشق، وفق ما أعلنت وزارة الإعلام السورية، في أول زيارة رسمية سعودية إلى سوريا منذ القطيعة بين الدولتين مع بدء النزاع في سوريا قبل 12 عاماً.

تستكمل الزيارة عملية استئناف العلاقات السورية السعودية وتأتي بعد أيام قليلة من زيارة وزير الخارجية السوري فيصل المقداد إلى جدّة، وفي وقت تبحث دول عربية إمكانية عودة دمشق إلى جامعة الدول العربية.

ويأتي الانفتاح السعودي على سوريا في خضمّ تحرّكات دبلوماسية إقليمية يتغيّر معها المشهد السياسي في المنطقة منذ اتفاق الرياض وطهران، حليفة دمشق، على استئناف علاقاتهما الشهر الماضي.

وإثر اندلاع الاحتجاجات في سوريا التي ما لبثت أن تحولت إلى نزاع دام في 2011، قطعت دول عربية عدة على رأسها السعودية علاقاتها الدبلوماسية مع دمشق.

قدّمت السعودية، التي أغلقت سفارتها في دمشق في مارس آذار 2012، خلال سنوات النزاع الأولى خصوصاً دعماً للمعارضة السورية، واستقبلت شخصيات منها على أراضيها.

لكن خلال السنوات القليلة الماضية برزت مؤشرات انفتاح عربي تجاه سوريا بدأت مع إعادة فتح الإمارات سفارتها في دمشق العام 2018.

وظهر الانفتاح السعودي تجاه دمشق للمرة الأولى بعد الزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا في شباط/فبراير، مع هبوط طائرات مساعدات سعودية في مناطق سيطرة الحكومة، كانت الأولى منذ قطع الرياض علاقاتها مع دمشق.

وما هي سوى أسابيع قليلة حتى أعلنت الرياض الشهر الماضي أنها تجري مباحثات مع دمشق حول استئناف الخدمات القنصلية.

وفي 12 نيسان/أبريل، وفي أول زيارة رسمية إلى السعودية منذ القطيعة، زار المقداد جدّة حيث بحث مع بن فرحان "الخطوات اللازمة لتحقيق تسوية سياسية شاملة للأزمة السورية تنهي كافة تداعياتها وتساهم في عودة سوريا إلى محيطها العربي". وبعد السعودية، زار المقداد كلا من الجزائر، إحدى الدول العربية القليلة التي حافظت على علاقاتها مع دمشق، كما تونس التي أعلنت الشهر الحالي استئناف علاقاتها مع سوريا.

كيف كانت العلاقات السعودية السورية تاريخياً؟

على مدار سنوات طويلة، لم يكن هناك خط ثابت للعلاقات بين السعودية وسوريا، فقد مر البلدان بمحطات اتفاق واختلاف تاريخية يحركها أساساً المواقف من قضايا الشرق الأوسط، وصولاً إلى الثورة السورية.

وأصيبت العلاقات السعودية السورية حيناً بالفتور واختلاف سياسات البلدين في المنطقة، وحيناً آخر بالتدهور، كما حدث عقب مقتل رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، وصولاً إلى القطيعة التامة عقب الثورة السورية.

وتواجهت السياستان في ثلاثة ملفات أساسية في الماضي تمثلت في: الملف اللبناني، والملف الفلسطيني، والملف العراقي.

لكن مؤخراً بدا أن سوريا تشهد تطوراتٍ على مستوى إعادة تفعيل علاقاتها السياسية والدبلوماسية مع السعودية، ومحاولات احتضانها، بعد قطيعة استمرت أكثر من 12 عاماً، فكيف مرت علاقات البلدين على مدار الزمن.

القرن العشرون

اتسمت العلاقة بين الرياض ودمشق، منذ وصول حافظ الأسد إلى السلطة، بالتفاهم على العديد من الملفات الإقليمية، وتمكن الطرفان من نسج تحالف على وقع التضامن العربي والقضايا القومية، وبقيت المصالح الاستراتيجية وثيقة وقوية حتى في بعض المراحل التي تميزت بالخلاف السياسي الواضح.

لكن التباين اتضح بشكل ملحوظ بفعل الحرب اللبنانية وتداعياتها، حيث سعت السعودية خلال مرحلة الحرب الأهلية إلى إخماد نار الفتنة التي نشبت بين العامين 1975 و1976، والتي سميت "حرب السنتين"، لتثمر مساعيها في "قمة الرياض" إضفاء الشرعية على التدخل العسكري السوري في لبنان، فمنحته مظلة عربية، عبر تشكيل قوات الردع العربية".

لكن هذه القوات ما لبثت أن ارتدت عباءة سوريا فقط، ثم تم تجديد التكليف المطلق لسوريا في لبنان عبر "اتفاق الطائف".

ولاحقاً برز خلاف نتج بسبب مواقف الجانبين من الحرب العراقية الإيرانية 1980-1988، حيث ساندت دمشق طهران، في حين ساندت الرياض بغداد.

لكن خلال غزو الكويت 1991، وقفت دمشق إلى جانب محور دول الخليج، كما أرسلت وحدات عسكرية إلى السعودية.

ما بعد 2000


عقب الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، برز تباين في الموقفين السوري والسعودي، حيث سجلت دمشق موقفها الرافض للغزو، بعكس الموقف السعودي.

وفي عام 2004، اختارت دمشق خيار التمديد للرئيس اللبناني إميل لحود عندما قاربت ولايته على الانتهاء، وذلك في مواجهة معارضة أطراف لبنانية وعربية ودولية. ولم تعلن الرياض حينها موقفاً من هذه المسألة، غير أن السياق اللاحق للأحداث أبرز أن الموقف السعودي كان أميل إلى رفض فكرة التمديد.

عام 2005 كان بداية أزمة جديدة بين الجانبين، حين اغتيل رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، في فبراير من ذلك العام، وانسحبت سوريا عسكرياً من لبنان، ونشأ ظرف سياسي فرض تباعداً جديداً بين دمشق والرياض.

في 2006، قام الرئيس السوري بشار الأسد بزيارة إلى جدة بالسعودية، في يناير للتخفيف من التوتر، ووقتها أكد خلالها الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز حرص المملكة على تعزيز العلاقات بين دمشق وبيروت بما يحفظ أمن المنطقة، وذلك في سياق التحقيق الدولي في اغتيال الحريري.

وصرح بعدها مباشرة وزير الخارجية السعودي الراحل سعود الفيصل في باريس، بأن اللقاء بين الملك عبد الله والأسد كان فقط لحث دمشق على التعاون أكثر مع التحقيق الدولي بشأن اغتيال الحريري، وتهدئة الوضع في لبنان.

وفي العام نفسه ألقى الأسد خطاباً وصف فيه زعماء الدول العربية بأنهم "أنصاف رجال"، وأن مواقفهم أنصاف مواقف، وهو ما أغضب السعودية.

وأدلى فاروق الشرع نائب الرئيس السوري، عام 2007، بتصريحات تحدث فيها عن "الشلل" في سياسة السعودية، وانتقد ما اعتبره رفضها التنسيق الثلاثي بين دمشق والرياض والقاهرة.

وردت الرياض على ذلك معتبرة أن جوهر المشكلة يكمن في التنكر للوحدة وبث الفوضى بالمنطقة، متهمة الشرع بكونه أحد المسؤولين عن الخلل بعلاقات البلدين.

وفي أغسطس من ذلك العام، استضافت العاصمة السورية اجتماعاً مشتركاً للجنة التعاون والتنسيق الأمني بين دول الجوار العراقي، شارك فيه بالإضافة إلى دمشق كل من إيران وتركيا والأردن والكويت، وتغيبت عن حضور الاجتماع السعودية.

وفي نفس السياق اختلفت سوريا والسعودية حول جدوى المفاوضات الإسرائيلية - الفلسطينية المباشرة، وحول كيفية إدارة المصالحة الفلسطينية - الفلسطينية.

تقارب وفتور قبل الثورة

عادت العلاقات بين البلدين لتتخذ مساراً إيجابياً بعد انعقاد اتفاق الدوحة (2008)، الذي نظم الوضع اللبناني وأوقف مسلسل الاغتيالات، وأخرج لبنان من الفراغ الدستوري بانتخاب رئيس جديد للجمهورية، الرئيس ميشال سليمان.

وتوج هذا المسار بمبادرة الملك السعودي في قمة الكويت عام 2009 تجاه سورية ولقائه الأسد، وأعقب ذلك تطورات عدة على المسار اللبناني تمثلت بزيارة سعد الحريري لدمشق وإعلانه تبرئتها من "الاتهام السياسي" الذي كاله لها.

بعدها بعامٍ واحد، وفي الثلاثين من يوليو 2010، وصل الملك السعودي السابق عبد الله بن عبد العزيز إلى دمشق، واصطحب معه في اليوم التالي الأسد عبر طائرة واحدة إلى بيروت، وهو ما اعتبر صفحة جديدة في العلاقات السعودية –السورية.

ولكن هذا التقدم المتسارع لم يستمر بنفس الوتيرة؛ حيث شهد بعضاً من المراوحة في مكانه، ودخلت العلاقات مرحلة من الغموض، وذلك رغم استمرار الحوار على أعلى المستويات بين الطرفين.