رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

عبدالرحمن جعفر الكناني يكتب : الاحتواء الدبلوماسي

نشر
الأمصار

الأعلام لا يكشف الحقيقة، الرأي العام لا يقرأ إلا شكلها الظاهر، يبقى جوهرها في خزائن سرية، لا يعلم بمحتواها إلا القليل من صناع القرار في دهاليز الدولة العميقة.
الرأي العام لم يأخذ حقه في معرفة حقيقة الحدث، مركز القرار السياسي يرى فيما يراه ضرورة حجب الحقيقة باستثناء شكلها ضرورة يضعها في حساباته الدقيقة.
هذا مضمون الواقع الراهن ونحن نتلقى أنباء عودة العلاقات الدبلوماسية السعودية - الإيرانية برعاية الرئيس الصيني وسط ترحيب عالمي وإقليمي توجته الولايات المتحدة الأمريكية قي ظل إدارة جو بايدن، ترحيب منقطع النظير لم تحظى به عودة علاقات دبلوماسية بين بلدين من قبل، حتى أضحى الاتفاق السعودي الإيراني وكأنه حدث سيغير خارطة الشرق الأوسط ويعيد لها توازنها المفقود أصلا .
المملكة العربية السعودية كانت تطالب إيران دوما بالعودة إلى العيش كدولة طبيعية في محيطها الإقليمي وتتخلى عن أطماعها التوسعية وتدخلاتها في شؤون الدول عبر ميليشياتها المسلحة كشرط لعودة العلاقات الثنائية.
ما الذي تغير ؟ هل تخلت إيران عن سياستها التوسعية التي أضرت بقواعد الأمن القومي العربي ؟ هل ستغلق قواعد نفوذها في العراق ولبنان وسوريا واليمن، وتكف عن استفزاز مملكة البحرين ؟
إيران فتحت جبهة مواجهة مسلحة مع السعودية عبر العاصمة صنعاء وذراعها الانفصالي التخريبي الممثل في ميليشيا الحوثي الذي جعلها مرمى لمدافعه وصواريخه ومسيراته المصنعة في طهران.
جبهة مازالت تهدد الأمن السعودي والأمن العربي على حد سواء، عبر التحكم بمضيق باب المندب الممر البحري الوحيد في البحر الأحمر.
المفاوضات السعودية-الإيرانية التي استمرت لسنوات ما بين بغداد ومسقط قبل أن تحسم في بكين برعاية صينية، طريقها لم تكن سالكة دون عراقيل، في غياب قواسم لقاء مشترك يفضي إلى اتفاق ثنائي يتكامل فيها السياسي والاقتصادي والأمني.
المشروع الإيراني التوسعي بقواعد نفوذه المنتشرة في أربع دول عربية، خطة إستراتيجية لن توقف "ولاية الفقيه" محركات دورانها فهي ضامنة لاستمرارية وجودها.
والمملكة العربية السعودية تقود الموقف العربي بوقوفها في الخطوط الأمامية بمواجهة المخطط الإيراني وتعطيل مسارات تقدمه وضمان أمن دول الخليج العربي مستندة على دور المجتمع الدولي في الحفاظ على استقرار الجزء الأهم في قواعد الأمن العالمي من أية تهديدات إقليمية.
لا شيء تغير في قواعد المواجهة في الشرق الأوسط مع قرب إعادة فتح السفارتين في الرياض وطهران، نقاط الخلاف الكبرى مازالت ملفاتها مفتوحة على كل الاحتمالات، فالأمر أشبه باختبار نوايا "ولاية الفقيه" وصدق تعهداتها، في اتفاق وقعته قيادات أمنية وليست دبلوماسية هدفه خفض التوتر بين البلدين، لم يرتق إلى شراكة اقتصادية أو سياسية، اتفاق الضامن فيه دولة كبرى لها مصالحها الاقتصادية في بيئة تشترط استقرارها الأمني.
في ظل واقع الشرق الأوسط المفتوح على كل الاحتمالات خرجت المملكة العربية السعودية ومعها دول الخليج العربي بذكاء دبلوماسي حكيم من دائرة المواجهة المنفردة مع تهديدات إقليمية واجهتها باقتدار سياسي، انطلاقا من دورها الفاعل في حماية الأمن العالمي، ووضعت إيران أمام مسؤولية الالتزام بتعهداتها أمام المجتمع الدولي المسؤول عن احتواء مخاطر مخططاتها.