رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

العلاقات الجزائرية الفرنسية.. من الخلافات إلى الثقة بين البلدين

نشر
الأمصار

أعلنت الجزائرعن زيارة الرئيس عبد المجيد تبون  إلى فرنسا ستكون في شهر مايو/أيار المقبل، ولذلك يسافر رئيس الأركان الجزائري الفريق أول السعيد شنقريحة إلى باريس نهاية يناير/كانون الثاني للقاء نظيره الفرنسي تييري بوركار والاعداد لزيارة تبون.

وقالت الرئاسة الجزائرية إن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون قد اتفقا في اتصال هاتفي على تحديد موعد زيارة الدولة التي سيقوم بها تبون لفرنسا في أيار/مايو.

وكان قد أشاد الرئيس الجزائري في نهاية كانون الأول/ديسمبر بـ"علاقة الثقة" الجديدة بين البلدين، بعد أربعة أشهر من زيارة ماكرون للجزائر، وأعلن عزمه على القيام بزيارة دولة لفرنسا عام 2023.

من جانبه، قال ماكرون في 11 كانون الثاني/يناير، إنه يأمل في استضافة تبون في فرنسا عام 2023 لمواصلة العمل على قضايا الذاكرة والمصالحة بين البلدين.

وكان الرئيسان قد أعادا إطلاق التعاون الثنائي في إعلان مشترك صدر في نهاية آب/أغسطس يمهد خصوصا لتخفيف نظام التأشيرات للجزائريين، مقابل زيادة التعاون من الجزائر في مكافحة الهجرة غير القانونية. 

كسر الجمود

ساهمت زيارة ماكرون للجزائر في كسر الجمود الذي ساد علاقات الجزائر وباريس، وتعهد الجانبان بمواصلة العمل على الذاكرة المشتركة وأرشيف فترة الاحتلال الفرنسي للجزائر والمصالحة بين البلدين.

وفي 2020 صدر تقريرا أعده المؤرخ الفرنسي بنجامان ستورا بناء على تكليف من ماكرون، دعا فيه إلى القيام بسلسلة مبادرات من أجل تحقيق المصالحة بين البلدين.

وتشهد العلاقات الجزائرية الفرنسية مستويات متذبذبة بين التوتر والتهدئة بسبب طبيعة العلاقات المتشابكة خاصة ما تعلق بملفات الذاكرة والأرشيف الجزائري والتجارب النووية.

ويفرض الوضع الدولي المتقلب وتغيّر التحالفات وتشابك المصالح على البلدين، إعادة ترتيب علاقاتهما بعد تجاوز ارتدادات الحملة الانتخابية الرئاسية في فرنسا وإعادة انتخاب ماكرون.

بعد أن ساهمت تقلبات علاقات الجزائر مع فرنسا ولاحقا مع إسبانيا إلى توسيع الشراكة أوروبيا مع كل من ألمانيا وإيطاليا إضافة إلى تركيا التي دخلت في السنوات الأخيرة كمنافس لفرنسا على النفوذ في المنطقة المغاربية، كما أصبحت الصين الشريك التجاري الأول للجزائر على حساب فرنسا. وحصلت إيطاليا على أكبر صفقة غاز لتصبح الشريك الأوروبي المفضل للجزائر.

وفيما تواجه فرنسا تحديا وجوديا لها في منطقة نفوذها التقليدي بغرب أفريقيا، توسّع روسيا نفوذها العسكري، وكان أبرزه انتشار قوات مرتزقة فاغنر الروسية في الوقت الذي أنهت فيه القوات الفرنسية وجودها في مالي بعد تسع سنوات من عملية "برخان" لمكافحة الإرهاب.

كما لا يخلو موقف البلدين في الأزمة الليبية من تقاطعات، إذ تؤيد الجزائر مثل تركيا حكومة طرابلس في صراعها مع الجنرال خليفة حفتر قائد "الجيش الليبي" في شرق البلاد، والذي حظى في السنوات الأخيرة بدعم فرنسي.

ملفات شائكة

منذ سنوات، يتفاوض البلدان بشأن 4 ملفات تاريخية عالقة، أولها الأرشيف الجزائري الذي ترفض السلطات الفرنسية تسليمه، بينما يتعلق الملف الثاني باسترجاع جماجم قادة الثورات الشعبية (موجودة بمتحف الإنسان بالعاصمة باريس).

ويتعلق الملف الثالث بتعويض ضحايا التجارب النووية التي أجرتها فرنسا في الصحراء الجزائرية بين عامي 1960 و1966، والرابع يخص استجلاء مصير المفقودين خلال ثورة التحرير (1954-1962) وعددهم ألفان و200 مفقود، حسب السلطات الجزائرية.

ولم تتجاوب فرنسا مع أي من المطالب الجزائرية، ما عدا تسليم أول دفعة من جماجم ورفات رموز المقاومة الشعبية ضد الاستعمار عام 2020.

 

محاولات تهدئة الأزمة

اجتهد وزير الخارجية الفرنسي جون إيف لودريان في تهدئة الأزمة الناشبة بين البلدين، عندما توجه إلى الجزائر في 29 ديسمبر 2021، للقاء الرئيس تبون، في زيارة لم يعلن عنها مسبقا، أعرب خلالها عن رغبة باريس في "إذابة الجليد وسوء التفاهم" الحاصل مع الجزائر.

وسمحت هذه الزيارة بعودة السفير الجزائري إلى باريس، في 5 يناير/ كانون الثاني 2022، بعد ثلاثة أشهر من استدعائه، ما شكل أول خطوة من الجزائر للقبول بالتهدئة التي سعت إليها باريس.

وفي 29 يناير جرى أول اتصال هاتفي بين ماكرون وتبون، بعد أشهر من الأزمة، استغل فيه الرئيس الفرنسي ترؤسه لمجلس الاتحاد الأوروبي، لتجديد دعوة نظيره الجزائري بحضور "القمة الإفريقية الأوروبية" ببروكسل، وبحثا آفاق انعقاد "اللجنة العليا المشتركة".

لم يحضر الرئيس تبون، القمة الإفريقية الأوروبية، لكن مبادرة ماكرون بالاتصال به أذابت بعض الجليد بين الرجلين، بدليل أنه عقب شهر من تلك المكالمة سمحت الجزائر للطائرات العسكرية الفرنسية بعبور أجوائها نحو مالي مجددا بعد إغلاق للأجواء الجزائرية في وجهها لأكثر من 4 أشهر.

وهكذا، فرض الوضع الدولي المتقلب وتغيّر التحالفات وتشابك المصالح على كل من الجزائر وباريس، إعادة ترتيب علاقاتهما بعدما تم تجاوز ارتدادات الحملة الانتخابية الرئاسية في فرنسا.

صفحة جديدة

بدأ البلدان فتح صفحة جديدة من العلاقات عشية الدورة الثانية للانتخابات البرلمانية الفرنسية التي فاز فيها ماكرون، حيث أجرى الرئيس تبون في 18 يونيو/ حزيران الماضي، اتصالا هاتفيا مع ماكرون، أعربا فيها عن رغبتهما في "تعميق" العلاقات بين البلدين.

ومواصلة في الطريق الجديد، قام ماكرون في 5 يوليو/ تموز الماضي، بتهنئة تبون بمناسبة مرور 60 عاما على استقلال الجزائر عن فرنسا.

وأوضحت الرئاسة الفرنسية، في بيان، أن "الذكرى الستين لاستقلال الجزائر تشكل فرصة لرئيس الجمهورية لكي يرسل إلى الرئيس تبون رسالة يعبر فيها عن تمنياته للشعب الجزائري ويبدي أمله بمواصلة تعزيز العلاقات القوية أصلا بين فرنسا والجزائر".

ونقل البيان عن ماكرون تأكيده مجددا في رسالة بعثها إلى تبون: "التزامه بمواصلة عملية الاعتراف بالحقيقة والمصالحة لذاكرتي الشعبين الجزائري والفرنسي".