رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

أدهم إبراهيم يكتب: حالة العراق بعد الاحتلال البريطاني والاحتلال الأمريكي

نشر
الأمصار

نحن لسنا في معرض ترجيح الاحتلال البريطاني على الاحتلال الأمريكي للعراق أو العكس. حيث إن الأهداف الاستعمارية لكلا الدولتين واحدة. إنما نستعرض الأنموذجين عند احتلالهما للعراق وما تمخض عنهما .
بريطانيا عام 1917 . 
وامريكا عام 2003 .

الاستعمار البريطاني 
بالنظر لأهمية العراق بسبب موقعه الاستراتيجي ، ولرغبة بريطانيا التوغل في منطقة الشرق الاوسط
، فقد اقدمت على احتلال العراق بولاياته الثلاث . فاعتمدت على شخصيات بارزة محترمة عملت على ترسيخ مفهوم الوطنية العراقية ، والاعتزاز بالدولة الفتية وتحقيق الاستقلال الظاهري ، بالرغم من ربطه في وقت لاحق بمعاهدات مع بريطانيا لضمان مصالحها ، وارغمت السياسيين على رعاية هذه المصالح .
كما ضغطت على الحكومات المتعاقبة لقمع المظاهرات والاحتجاجات بالقوة .
 وقد كان البريطانيون بارعين في مشاريعهم الاستعمارية ولديهم تجارب في الهند وافريقيا وغيرها . 
وبذلك عملت القوات البريطانية على تأسيس دولة فتية في العراق للتخلص نهائيا من النفوذ العثماني، وليكون قاعدة لها في المنطقة.

في البداية، كانت الإدارة عسكرية يدريها ضباط بريطانيون، ثم بدأ التحول إلى الإدارة المدنية بإجراءات تدريجية ، وبالنظر لحاجة إدارة الاحتلال إلى تنظيم الإدارة المدنية والصحية والجهاز القضائي، فقد تم فتح عددا من المدارس وأعادوا فتح كلية الحقوق في بغداد، كما يفيد بذلك الخبير القانوني والمؤرخ طارق حرب.

وأنتج الغزو البريطاني للبلاد آثارا سياسية واجتماعية كبيرة، فضلا عن تحول جذري في حياة العراقيين من الناحية المعيشية والفكرية والثقافية.

ومن أبرز الآثار السياسية -حسب حرب- تحول الحكم إلى العراقيين، كما دمجت ولاية البصرة وبغداد، ولاحقا دمجت الموصل عام 1924، لتتشكل حدود العراق الكاملة .

وحسب رأي الباحث والخبير الأمني مؤيد سالم الجحيشي فإن الاحتلال البريطاني كان بناء" وليس احتلال هدم وتدمير، كما فعل الأميركان عام 2003، حيث أسهم البريطانيون في تأسيس الجيش والدولة العراقية الحديثة.

الاحتلال الأمريكي 
عملت امريكا ومنذ بداية احتلالها للعراق بحل الجيش العراقي  والقضاء على الروح الوطنية العراقية باعتمادها على عناصر متخلفة هزيلة وجوقة من المنتفعين بهدف احلال الهويات الطائفية تارة والقومية تارة اخرى محل الهوية الوطنية الواحدة ، في عملية هجينة طائفية قومية لغرض تفتيت النسيج الاجتماعي العراقي .

بعد وصول الحاكم الامريكي بول بريمر إلى بغداد في أيار (مايو) 2003 ، اتخذ قرارين جذريين .  الأول المسمى "اجتثاث البعث"  لعزل كل أعضاء حزب البعث وابعادهم عن الادارة والسلطة ، وكانت النتيجة انهيار ادارة الدولة بشكل تام بعد مغادرة المديرين التنفيذيين والموظفين الأكفاء تحت ذريعة انتمائهم لحزب البعث .

والقرار الثاني الذي أصدره بريمر حل الجيش العراقي وكل أجهزة أمن الدولة .

ثم أعاد تشكيل الجيش ، بدمج  مليشيات الأحزاب المعارضة لنظام صدام حسين، ممن لديهم ولاءات لأحزابهم ورعاتهم الخارجيين ، أكثر من ولائهم للوطن اوللدولة العراقية. هذا الوضع ادى إلى اندلاع حرب أهلية ، اعقبتها حملات إرهابية عصفت بالبلاد لعدة سنوات.

وبالاضافة إلى عدم الكفاءة الإدارية ودمج الميليشيات الحزبية في القوات المسلحة فان العراق شهد فسادًا هائلاً في النظام الذي وضعه بريمر .

وبعد رحيله عام 2005 ، كشف تقرير للمفتش العام لإعادة إعمار العراق ، اختفاء 9 مليارات دولار من خزائن إعادة الإعمار. ثم مئات المليارات الأخرى تم تهريبها على مدى السنوات التالية في الفساد المستشري على جميع مستويات الدولة العراقية.

كلا الاحتلالين البريطاني والامريكي اراد فرض إنموذجهما
على العراق . فعملت بريطانيا على فتح المدارس والكليات والمراكز الصحية وربطها بالدولة . وبقي هذا الأنموذج سائدا حتى الاحتلال الأمريكي للعراق عام2003 .
في حين عمل الأمريكان على نزع  الأنشطة التعليمية والصحية من مسؤولية الدولة تدريجيا . فتم تأسيس مدارس خاصة مدفوعة الثمن . بعد هدم المدارس الحكومية تحت ذريعة إعادة البناء كذبا، وكذلك انشأت جامعات وكليات اهلية منافسة للجامعات الحكومية فتخرج الآلاف من الطلبة دون إيجاد وظائف أو أعمال لهم .

وكذلك تم إضعاف مؤسسات الدولة الصحية إلى درجة كبيرة . فانشأت مستشفيات خاصة تقوم بمعالجة المرضى بعد تسديد قيمة الرعاية الصحية سلفا . في وقت كانت الرعاية الصحية والمستشفيات مجانية للمواطن العراقي في زمن الأنظمة السابقة .
كان الإنكليز أكثر دهاء من الأمريكان في حكم العراق، ولم يؤسسوا الدولة العراقية لخاطر عيون الشعب، ولكنهم كانوا بحاجة الى دولة مدنية منظمة تحت إشراف بريطاني . وقد عملوا على التوفيق بين المصالح البريطانية في المنطقة وتطلعات العراق الوطنية. 
في حين عمد الأمريكان على تخريب البنية الأساسية للدولة العراقية بهدف تشكيلها على وفق النظام الرأسمالي الأمريكي بواجهة ديموقراطية مزيفة . وبالنتيجة ضيع العراق دولته الناهضة ولم يستطع سياسيو اليوم من إنشاء دولة مستقلة محترمة تتسم بالاحترام والمصداقية. لابل شوهوا الوطنية العراقية بالدجل والشعوذة والفساد، من خلال عملية سياسية عرجاء لاقى الشعب فيها إشكالات عديدة من الاضطهاد والظلم والاقتتال الداخلي إضافة إلى الفقر والعوز والبطالة في وضع مزر لم يشهد له العراق مثيلا . وعاثت الأحزاب وميليشياتها فسادا في مناطق ومحافظات العراق كافة وتسيد حثالات الطوائف على نخب العراق وشعبه المغلوب على أمره , فتم تجهيله , وسلب إرادته , فأصبح العراق في خبر كان بعد أن انتهكت سيادته وتدخل من هب ودب من دول عديدة في شؤونه الداخلية. وهكذا يبدو أن هناك خطة معدة سلفا للتخريب بدلا من إحلال نظام دولة حديثة محل نظم الدولة السابقة.

إذا ماقارنا بين نظام الحكم الحالي مع أنظمة الحكم السابقة، تتضح لنا الصورة بكثير من الوضوح لما يعانيه المواطن العراقي في هذا الزمن الأغبر من غبن وظلم , نتيجة سيادة الفساد والجهل وتكريس المحاصصة الطائفية والقومية وسقوط الشعب في متاهات التخلف الديني والحضاري نتيجة
تسيير الدولة بهذه الطريقة الفوضوية القائمة على الصراعات الحزبية الأخذة بالازدياد يوما بعد يوم ، مع فقدان الأمن والخدمات المقدمة إلى المواطنين.
لقد فقد المواطن الثقة في تحسين الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي القائم .
وأصبح من الضرورات الملحة إعادة بناء الدولة على أسس جديدة تضمن سيادة العراق وأمن مواطنيه
من خلال التغيير الجذري للعملية السياسية وإعادة سلطة وهيبة الدولة ومايرافقها من سيادة الأمن وتقديم الخدمات اللازمة للمواطنين.
وبالتالي إعادة اللحمة الوطنية لهذا الشعب المغلوب على أمره ليصبح العراق في مصاف الدول المتحضرة كما يليق به وبتاريخه المجيد.