رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

ادهم ابراهيم يكتب: النظام الرئاسي هل هو الاصلح للعراق ؟

نشر
الأمصار

ان مشروع التحول الديمقراطي الذي قادته الولايات المتحدة في العراق بعد غزوه عسكريا عام 2003 , ظل إلى حد كبير حبرا على ورق .
 حيث ان المفاهيم والاسس التي استندت عليها هذه التجربة ، والقائمة على تقسيم الشعب الى طوائف وقوميات هو اول بوادر فشل المسار الديموقراطي. وقد تم تعزيز ذلك بالدستور ليصبح لغما دائما يتفجر في وجه كل بادرة اصلاح . ومن ذلك جاءت المحاصصة الطائفية وما رافقها من فساد لامثيل له قد افشلت العملية السياسية برمتها . 
ان الاحزاب والنخب السياسية تتحمل المسؤولية في افشال العملية الديموقراطية، من خلال تبنيها للتقسيم الطائفي والقومي بين ابناء الشعب،  وهكذا تكرست دكتاتورية الاحزاب الدينية فاصبحت سلطة فوق سلطة الدولة خصوصا وان اغلبها تمتلك مكاتب اقتصادية وميليشيات مسلحة باسلحة ثقيلة توازي اسلحة الدولة بل وتتفوق عليها احيانا. اضافةالى تغول بعض العشائر نتيجة ضعف الدولة ومؤسساتها الامنية. وانتشار المافيات وعصابات الجريمة المنظمة ، التي تساندها الدولة العميقة وتقف امام اي محاولة اصلاح او تقويم للتجربة الديموقراطية التي ولدت مشوهة وذات ارتباطات خارجية . وكان الغرض منها التعطيل الممنهج للوطنية العراقية واضعاف قدرات الشعب الذاتية لاحلال مناهج طائفية واثنية متخلفة محلها .

ان الاحزاب الدينية سارت باتجاه خلق الدولة الفاشية، وهي لاتؤمن حقا بالديموقراطية ، حيث تشرع القوانين التي تتيح لها الاستمرار بالحكم باي وسيلة كانت، والتركيبة البنيوية لنظام الحكم الحالي تعتمد على الاقتصاد الريعي ومارافقه من نهب موارد الدولة بالاضافة الى الفساد السياسي والاداري ، وعملت الاحزاب الحاكمة على حماية نفسها وترسيخ نفوذها بالميليشيات والمافيات المسلحة .
ان العملية السياسية في العراق لايمكن اصلاحها باي شكل من الاشكال لان الخلل كامن في البنية الاساسية لهذا النظام الطفيلي والوصولي، والذي اصبح معاديا لطموحات الشعب ، فزادت الهوة بين الحاكم الفاسد والمحكوم المحروم من ابسط اساسيات الحياة .

ان فشل النظام الطائفي الكليبتوقراطي، قد تسبب في انتفاضات عديدة للشعب العراقي ، كان آخرها انتفاضة تشرين 2019 التي فرضت الانتخابات المبكرة عام 2021 والتي هزت بنتائجها اركان العملية السياسية وجعلت الاحزاب الخاسرة تخرج عن طورها وتتوسل بشتى الوسائل لاعادة المحاصصة لضمان بقاءها في السلطة بوجوه جديدة من الخط الثاني .

ان رفض الجماهير لهذه الاحزاب والنخب السياسية قد ادى الى انشقاقات داخل العملية السياسية ودفع بعض السياسيين الى الدعوة للنظام الرئاسي، كبديل عن النظام البرلماني .

    ان الدعوة للنظام الرئاسي قد تؤدي الى اعادة انتاج الديكتاتورية في العراق تحت لافتة الديموقراطية . وهذا التوجه نابع من طبيعة التفكير القبلي المتخلف للاحزاب والكتل الحاكمة، هذا التفكير الذي يركز على ضرورة وجود قائد واحد لادارة الحكم، دون التفكير بمخاطر هذا الاتجاه على مستقبل العراق وجعله دولة متحضرة مستقلة، وخصوصا في ظل تحكم احزاب دينية تحاول البقاء في السلطة، ولاتتورع في تزوير وتشويه ارادة الشعب من اجل هذه الغاية .
 ان هناك خللا بنيويا في تركيبة السلطة الحاكمة في العراق، ولايمكن معالجته الا من خلال التغيير الشامل لمجمل العملية السياسية. واذا ماتم ذلك فيمكن اعتماد نظام حكم ديموقراطي تشاركي توزع السلطات والصلاحيات بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء،  مع ضمان استقلال القضاء وفصل السلطات وترسيخ حكم المؤسسات . 
ويتم ذلك بتغيير نظام الحكم من البرلماني المشوه حاليا الى النظام الرئاسي البرلماني المختلط ، كما هو متبع في كثير من البلدان ومنها فرنسا. .  حيث يتشارك رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء في السلطةالتنفيذية،  وينتخب رئيس الجمهورية كل خمس سنوات بالاقتراع العام المباشر، في حين يتم اختيار رئيس الوزراء من قبل البرلمان . 
ومنصب رئيس الجمهورية يعلو على منصب رئيس الوزراء، فهو القائد العام للقوات المسلحة، ويتولى السلطة السياسية العليا في البلد . اما رئيس الوزراء فيمارس السلطة الادارية وتقديم الخدمات الى المواطنين من خلال الوزارات المرتبطة به .

ولنجاح مثل هذا النظام في العراق يتوجب الاستعانة بالنخب الاجتماعية والاقتصادية والعلمية المرموقة ، لتجنب فوز عناصر شبه امية او وصولية كما هو جار الان .

ان عيوب النظام الرئاسي ظاهرة للعيان ، وقد حاولت دول كثيرة تجنب حصر السلطة بيد فرد واحد ذو صبغة حزبية او اثنية ، ولذلك تم التوصل الى صيغ المشاركة في الحكم بدل النظام الرئاسي المطلق ، وهذا ما يتوجب العمل به في العراق لتصحيح النظام السياسي الحالي القائم على المحاصصة المقيتة .