رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

أدهم إبراهيم يكتب: الأزمة السياسية في العراق.. تداركوا الأمر قبل فوات الأوان

نشر
الأمصار

يمر العراق بأزمة سياسية خطيرة، بعد ثمانية أشهر من الانتخابات التشريعية، والأزمة ليست عابرة وإنما أزمة بنيوية للنظام القائم على الطائفية والمحاصصة والفساد، وما زالت البلاد واقعة تحت مأزق لا نهاية له. 

وقد برز السيد مقتدى الصدر كعنصر فعال في محاولة تصحيح النظام الحالي لما يملكه من قاعدة شعبية عريضة لا يمكن الاستهانة بها او التقليل من شأنها.

في صلاة الجمعة الموحدة في بغداد التي جاءت تلبيةً لدعوة أطلقها السيد الصدر، وجّه خلالها رسائل سياسية خطيرة إلى خصومه في الإطار، وقدم مايشبه برنامج عمل متكامل للمرحلة القادمة المرجوة .

ففي خطبة ألقاها بالنيابة عنه الشيخ محمود الجياشي، قال الصدر "إننا أمام مفترق طريق صعب ووعر إبان تشكيل الحكومة من قبل بعض من لا نحسن الظن بهم والذين جربناهم سابقاً ولم يفلحوا"، في إشارة إلى خصومه السياسيين من الإطار التنسيقي .ودعا الصدر خصومه، "إذا ما أرادوا تشكيل الحكومة" الالتزام بعشر نقاط، أبرزها اعادة تنظيم الحشد والقضاء على الفصائل المسلحة الموالية لإيران .

وبعد حشد انصار السيد الصدر في الصلاة الجماعية والتي يقدر عدد الحضور بمئات الالاف ،تسربت تصريحات منسوبة لرئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي المقرب من ايران ، والتي هاجم فيها بعنف السيد مقتدى الصدر .وقد رد الصدر على ذلك ، داعيا خصمه المالكي إلى "الانسحاب من العمل السياسي". وتسليم نفسه إلى القضاء، كما دعا حلفاء السيد المالكي وشخصيات عشيرته إلى نشر "إدانة مشتركة لوضع حد للخلافات".واضاف أيضا أن نوري المالكي "لا يحق له بأفكاره الهدامة أن يقود العراق".

إن هذه التوترات بين الطرفين قد فاقمت الأزمة المستعصية أساسا وأحدثت شرخا لا يمكن تداركه في النظام السياسي القائم في العراق.

وهكذا أصبح العراق على وشك نظام سياسي جديد يتمحور حول الصراع بين القوى الشيعية الصاعدة (الصدريين) والقوى الشيعية التقليدية (الإطار التنسيقي) . وبذلك فان الانتخابات المبكرة في تشرين اول/ أكتوبر 2021 قد تكون آخر انتخابات تجري في ظل النظام السياسي الحالي، حيث إن النظام القائم على المحاصصة والفساد لم يعد قادرًا على حل أزماته السياسية داخليًا . علاوة على ذلك فان القوى السياسية أصبحت عاجزة عن استمرار العمل لانكشاف أوراقها بعد تعريتها بانتفاضة تشرين المجيدة، وكل المعطيات تشير إلى درجة كبيرة من التخبط للأحزاب والكتل المشاركة في العملية السياسية.

لقد ظهر الانقسام واضحا في الإطار التنسيقي بين الاستمرار بنفس النهج القديم القائم على المحاصصة تحت شعارات كاذبة، أو تمديد حكومة السيد مصطفى الكاظمي لسنة أو أكثر، وخلال هذه الفترة، يعمل الإطار على تعديل قانون الانتخابات والمفوضية المشرفة عليها بما يخدم مصالحها، بعد ذلك يمكن حل البرلمان ووضع جدول زمني لإجراء انتخابات مبكرة . وبهذه الطريقة يتصور الإطار أنه سيحرم الصدر من عنصر المفاجأة ويضعفه بشكل يمنعه من تهديد خيارات الإطار، ولكن يبدو أن قرارات السيد الصدر وحدها هي التي ستحدد في النهاية الاتجاه الذي قد يسلكه إلاطار التنسيقي مستقبلا وليس العكس.

إن الإطار التنسيقي لن يفلح في تشكيل حكومة بمعزل عن التيار الصدري الذي سيقلب الطاولة وينهي العملية السياسية برمتها . 

كما أن نجاح الإطار التنسيقي في تشكيل حكومة جديدة في العراق ربما سيصبح عقبة أمام الجهود الأمريكية لاحتواء النشاط الإيراني في المنطقة، خصوصا فيما يتعلق بدول الخليج وإسرائيل.

ويبدو إن إيران أصبحت عاجزة عن إعطاء الأوامر في العراق ، وأجبرت على تقبل واقع جديد . رغم محاولتها تصحيح الخلل الذي تواجهه في العراق من خلال تعيين سفير جديد ، إلا أنها لا تزال غير قادرة على تغيير قواعد اللعبة بشكل شامل .

إن المراقبين للوضع القائم في العراق يدركون خطورة الانقسام الحاد بين حلفاء الأمس ، والذي قد يؤدي إلى الاقتتال الداخلي ، حيث لكل حزب سياسي ميليشيا عسكرية، وأنهم ليسوا فقط لاعبين سياسيين يعملون على تسوية النزاعات والخلافات بالوسائل السلمية ، ولكن أيضًا بالوسائل العسكرية. إن مقترح تشكيل حكومة انتقالية برئاسة السيد مصطفى الكاظمي أو من أحد المقربين من التيار الصدري يتم خلالها إعداد انتخابات جديدة يمكن ان ينهي الانسداد السياسي هذا . وبعكسه فان الشارع على فوهة بركان ولا نعلم في أية لحظة سوف ينفجر ليطيح بكل رموز العملية السياسية وإلى الأبد.