رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

الحدود البحرية اللبنانية الإسرائيلية.. هل تغير قواعد اللعبة في بلاد الأرز

نشر
الأمصار

ظهر إلى العلن نص الاتفاق حول الحدود البحرية اللبنانية الإسرائيلية الذى بلوره، آموس هوكشتاين، الوسيط الأمريكى فى ملف ترسيم الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان، والذي يطرح التساؤل حول تأثير الملف على الداخل اللبناني.

نص الإتفاق

نص الاتفاق الذى بلوره الوسيط الأمريكي فى ملف ترسيم الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان، آموس هوكشتاين، والمبنى على تنسيق مع قادة البلدين، ينص على مبدأ بئر قانا للبنان وحده، وبئر كاريش لإسرائيل وحدها"، لافتة إلى أن "غالبية القادة السياسيين فى لبنان يؤيدون هذا الاتفاق، باستثناء "حزب الله" و"حركة أمل"، وإنه لذلك جاء إطلاق الطائرات المسيرة الأربع نحو المنطقة الاقتصادية الإسرائيلية، والتى تم تدميرها فى الجو".

جاء فى مسودة الاتفاق حول الحدود البحرية اللبنانية الإسرائيلية الذى توصل إليه هوكشتاين أن الخلاف يقتصر على مساحة 860 كيلومترا مربعا، وليس 2350 كيلومترا، كما يطلب لبنان، حيث أن الأمريكيين اقتنعوا بما تقوله إسرائيل فى هذا الشأن، وهو أن لبنان نفسه قدم وثيقة رسمية إلى الأمم المتحدة حدد فيها هذا الرقم، فى حين كانت إسرائيل قد وافقت على منح لبنان 58% من هذه المساحة، فاقترح الوسيط الأمريكى زيادتها أكثر قليلا، إذ وافق لبنان، حسب المصادر الإسرائيلية"، وبقى إعطاء الموقف الإسرائيلى "الذى يتأخر لأن تل أبيب تطلب ضمانات أن يكون موقف لبنان ملزما لحزب الله وأمل، فلا يطلقون طائرات مسيرة على الآبار الإسرائيلية".

وتعززت هذه المخاوف الإسرائيلية  حول الحدود البحرية اللبنانية الإسرائيلية إثر قيام حزب الله بإطلاق ثلاث طائرات باتجاه المياه الاقتصادية الإسرائيلية بعد ظهر يوم السبت الماضى (2 يوليو)، والتى دمرتها إسرائيل وهى فى الجو بعيدا عن الآبار"، كما كشف الجيش الإسرائيلى مساء يوم الأربعاء عن قيام القبة الحديدية باعتراض طائرة مسيرة إضافية تابعة لحزب الله اللبناني.

وقال الجيش الإسرائيلى إنه اعترض الطائرة المسيرة يوم الثلاثاء، مؤكدا أنها كانت متوجهة إلى منصة الغاز الإسرائيلية كاريش، وتم اعتراضها وإسقاطها فى المياه اللبنانية، بعيدا عن الحدود البحرية مع إسرائيل، دون أن تشكل أى تهديد أو خطر.

وفى تقريرها، لفتت صحيفة "الشرق الأوسط" إلى أنه "مع أن غالبية المسؤولين الإسرائيليين يؤيدون صيغة الاتفاق التى توصل إليها الوسيط الأمريكى، وهم مقتنعون بأن غالبية المسؤولين فى لبنان معنيون بالمضى قدما فى المفاوضات والتوصل إلى اتفاق حول المناطق المتنازع عليها، إلا أن بعض الأوساط فى تل أبيب تحذر من اتفاق لا يوافق عليه "حزب الله" وتقول إن محاولات التصعيد ضد إسرائيل فى حقل كاريش للغاز، لم تأت صدفة بل هى إعلان نوايا بأن "حزب الله" سيظل معارضا وسيستغل المعارضة لإبقاء آبار الغاز حلبة صراع حربى مفتوح، وهذا ما لا تستطيع إسرائيل الموافقة عليه، وإنه يجب توجيه ضربة عسكرية تهز الحزب وتجعله يتراجع".

هدايا مجانية لحزب الله

لا يحتاج "حزب الله" الى أكثر من مقابلة الوسيط الأميركي لمفاوضات ترسيم الحدود البحرية الجنوبية مع اسرائيل، آموس هوكشتاين، على قناة "الحرة"، كي يثبت نظريته، ويطلق حملة سياسية داخلية مضادة ضد الولايات المتحدة. أسدى هوكشتاين، في مقابلته، خدمة كبيرة للحزب الذي شرعت جماهيره بتكرار خطاب الحزب: "أميركا تريد تجويعنا لنهب ثرواتنا". 


مؤشرات عديدة في المقابلة، أشعلت غضب جمهور "حزب الله"، إشارته الأولى إلى التنازل، حديثه عن أن معرفة الحق لا تكفي للحصول عليه، إشارته إلى أن الحصول على شيء أفضل من لا شيء في واقع لبنان الحالي، وسخريته من طرح النائب جبران باسيل حول معادلة "قانا مقابل كاريش".


أطاحت تلك التصريحات الأجواء الإيجابية التي أشاعها المسؤولون اللبنانيون إثر الزيارة. بدت المساعي أكثر تعقيداً: لبنان يطلب، وإسرائيل لن تلبي. لبنان يريد وإسرائيل لا تريد!

ثمة مساعٍ للعب على الوقت، مرة بانتظار الرد الاسرائيلي، ومرة أخرى بتوقعات ردود الأفعال الإسرائيلية. تلك المؤشرات، عززت شعور الحزب بأن الوسيط "غير نزيه"، كما عززت قناعة جمهوره بأن الحلول مع اسرائيل لا يمكن أن تكون دبلوماسية، بل تُعالج الملفات معها بالقوة، وهو ما تكرره قيادات "حزب الله" على الدوام، وبات شعاراً يردده جمهوره.

بذلك، أعطى هوكشتاين، نصر الله، موثوقية، حين تحدث مراراً عن أن اسرائيل طامعة في الثروات والولايات المتحدة تؤازرها للحصول عليها وتوفر لها الغطاء.. كما أعطى تصريحات نصر الله مصداقية حول خطة يقول أمين عام الحزب إن واشنطن تنتهجها لتجويع اللبنانيين لقاء تنازلهم عن ثرواتهم، وأنها المسؤولة عن تجويعهم!

والحال إن تصريحات هوكشتاين، التي وجد فيها جمهور الحزب "استعلاءً"، بما يتخطها كونها "واقعية سياسية"، مثلت ضربة قاسية لطرفين، أولهما خصوم الحزب الذين يقولون إن التفاوض والدبلوماسية هي الحل الوحيد للخلافات مع اسرائيل. 

أما الطرف الثاني فهو السلطة اللبنانية، سواء المتحالفة مع الحزب أو المتعارضة معه التي تمضي في مسار محدد لمنع أي مواجهة مع اسرائيل. صحيح أن ملف الخط 29 تم سحبه من التداول، الى حد بعيد... إلا أن السلوك الإسرائيلي في مواجهة المطالب اللبنانية، يلغي الى حد كبير معارضة خصوم حزب الله له بالتدخل على خط المفاوضات، أو التأثير فيه، كما يلغي تحويل المنطقة المتنازع عليها الى "مزارع شبعا بحرية".

سخر هوكشتاين من مطالب باسيل، وواجه سقف توقعات لبنان. يدرك هوكشتاين أن لبنان المفلس، الغارق في أزماته، سيسد جوعه للكهرباء، بـ"فتافيت" الغاز المصري أو الكهرباء الأردنية.. وسيهبط الى ما دون حقوقه، عندما يلامس الأمر "فتفوتة" متصلة بالمفاوضات مع صندوق النقد. يعني ذلك حكماً أن كل التقديرات حول الحرب، هي مجرد تهويلات لا تُصرف في مكان، لارتباطها بملفات إقليمية تمنع ذلك، ولحسابات لبنانية لا يستطيع حزب الله تخطيها.

اهتمام علني من حزب الله

اهتم بعض الأوساط السياسية في لبنان التي تترقب نتائج الزيارة الأخيرة للوسيط الأميركي بين لبنان وإسرائيل في ملف ترسيم الحدود البحرية، آموس هوكشتاين إلى اهتمام "حزب الله" العلني هذه المرة بهذا الملف، ليس فقط من باب توجيهه الإنذارات لإسرائيل بوجوب وقف استخراج الغاز من منطقتها الاقتصادة الخالصة، بل أيضاً من زاوية اهتمامه المباشر بالمفاوضات الجارية.

ومع أن زيارة هوكشتاين في 13 و14 يونيو (حزيران) إلى بيروت جاءت بعد تصاعد التهديدات المتبادلة بين إسرائيل و"حزب الله" حين لوح أمينه العام حسن نصر الله بمنع السفينة التي وصلت إلى المياه الإقليمية من استخراج الغاز من حقل "كاريش"، ورد عليه الجانب الإسرائيلي مهدداً بقصف آلاف الأهداف في لبنان، فإن وقائع لقاءات الوسيط الأميركي كشفت بعض المظاهر التي تؤشر إلى أن الحزب ليس بعيداً من المفاوضات الجارية.

كان "حزب الله" يكتفي في السابق بترك عملية التفاوض لحليفه الأقرب في "الثنائي الشيعي" رئيس البرلمان نبيه بري، فيطلع منه على أدق التفاصيل التي تتخللها، فضلاً عن تلقيه تقارير عنها من رئيس الجمهورية ميشال عون الذي قال عنه نصر الله، إنه موثوق وصلب... لكن زيارة هوكشتاين الأخيرة رافقتها وقائع عن موقع الحزب في هذه المفاوضات.

وفضلاً عما تسرب بأن هوكشتاين نفسه طرح أسئلة حول موقف "حزب الله" من المفاوضات والعرض اللبناني الذي قدمه رئيس الجمهورية باقتراح خط للترسيم هو "أكثر من الخط 23" المتفق منذ أكثر من سنة على أنه الذي يضمن حق لبنان، و"أقل من الخط 29 " كما قال مصدر رسمي، فإن إشارات عدة أفادت بأن الحزب واكب كافة التفاصيل. وكرر مسؤول لبناني لـ"اندبندنت عربية" القول، إنه حين "نسأل قادة الحزب عن بعض التصريحات النارية التي يدلون بها في شأن ترسيم الحدود يردون بأن على السلطة ألا تتوقف كثيراً أمام هذه التصريحات، وينصحون بمتابعة التفاوض بجدية".

كما أن هوكشتاين الذي التقى في بيروت السفيرة الفرنسية آن غريو، التي كانت التقت قبل أسبوعين من قدومه قياديين من "حزب الله" في إطار اللقاءات الدورية التي يجريها الجانب الفرنسي معهم، أطلعته على ما توفر لديها من معلومات في هذا الصدد، خصوصاً أن دبلوماسيين من السفارة عادوا فالتقوا هؤلاء القياديين مجدداً بعد تصريحات نصرالله في 9 يونيو، التي لوح فيها بمنع السفينة "إينرجين باور" من بدء استخراج الغاز بالوسائل العسكرية، قبل معالجة الخلاف على المنطقة البحرية المتنازع عليها. 

وإذ تكتمت مصادر السفارة الفرنسية على ما نقلته السفيرة غريو إلى هوكشتاين، فإن مصدراً دبلوماسياً فرنسياً أوضح "أن لقاءاتنا ليست سرية بل دائمة كما نلتقي سائر الفرقاء في هذه المرحلة، لا سيما بعد حصول الانتخابات النيابية لنناقش الاستحقاقات التي تليها والاتفاق مع صندوق النقد الدولي وضرورة تسريع تأليف الحكومة المقبلة، وكذلك أهمية إجراء الانتخابات الرئاسية المقبلة في موعدها الدستوري، وكذلك موضوع التفاوض على ترسيم الحدود البحرية، الذي بحثناه معهم، باعتباره واحداً من عناصر حفظ الاستقرار في المنطقة الذي يجب الحرص عليه وعدم القيام بما يؤدي إلى تقويضه أو تصعيد التوتر، بل السعي إلى توحيد الموقف لتحديد ما يريده سائر اللاعبين اللبنانيين والتعاطي بجدية ووضوح. وقد عبر هوكشتاين عن ذلك بقوله، إنه وجد جدية لدى الجانب اللبناني أكثر.

وعما إذا كان الحزب منخرطاً بالمفاوضات بشكل أو بآخر قال المصدر الدبلوماسي الفرنسي، "هم حاضرون في المفاوضات حول الترسيم". 

المعارضة اللبنانية واتفاق الحدود البحرية

ويفهم تأثير ملف رسم الحدود البحرية على الداخل اللبناني، من تصريحات سمير جعجع رئيس حزب القوات ورئيس المعارضة، حيث شدد على وجوب عدم استخدام ملف ترسيم الحدود في سوق عكاظ، داعيا الدولة الى تحديد موقف واضح تفاوض على أساسه من دون أن تفرط بحقوق لبنان.

وفي ملف ترسيم الحدود البحرية، يعتبر أن ما يحصل فيه لا يمكن توصيفه الا بالفوضى العارمة والظلام الذي يخيم على الكثير من وقائعه، فالدولة اللبنانية أرسلت سابقا وثيقة رسمية حددت فيها الخط 23 حدودا بحرية للبنان، وستبقى كذلك حتى اثبات العكس. لا يجوز هنا ان يتحول اللبنانيون كلهم الى خبراء في الجغرافيا وترسيم الخرائط، الملف يفترض أن يعالج عبر القنوات الرسمية فتحدد الدولة موقفا يحفظ حقوق لبنان بالحد الاقصى.

وأكد جعجع قائلاً: "أنا أقف خلف الحكومة اللبنانية بموضوع ملف التفاوض على الحدود البحرية مع العدو الاسرائيلي إن كانت مع الخط 23 أو مع الخط 29 فأنا لا املك المعطيات التي تملكها الحكومة".