رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

محاولات ليبية لوقف تهريب النفط من بوابة "رفع الدعم"

نشر
الأمصار

تعتزم حكومة «الوحدة» الليبية المؤقتة، برئاسة عبدالحميد الدبيبة، «رفع الدعم» عن الوقود وتعويض المواطنين بدعم عيني، للحد من تهريبه إلى خارج البلاد بواسطة العصابات، نظراً لانخفاض السعر مقارنة بما يباع به في دول الجوار المتاخمة للبلاد.

ارتفاع الأسعار


وكعادة كل طرح جديد للتعاطي مع أي أزمة في البلاد ينقسم حولها المختصون، إذ رأى البعض أن هذا المقترح قد يؤدي «لارتفاع غير محدود في الأسعار لأغلب السلع والخدمات»، وبين من يتحفظ على توقيت طرح الفكرة ويعتبرها مغامرة في ظل الانقسام السياسي حول السلطة في البلاد.
غير أن الحكومة التي أطلقت هذه الفكرة، قد تدفعها الاحتجاجات التي سادت مناطق ليبية عدة إلى إرجاء تنفيذها إلى وقت لاحق ريثما تهدأ الأمور.
من جانبه، دعا عضو مجلس النواب، صلاح أبو شلبي، لإجراء دراسات عديدة حول الأمر، وطرحه للنقاش تحت قبة البرلمان، ورأى أن «ما يقرب من 20 إلى 25 في المائة من الوقود الليبي المدعم يتم تهريبه خارجياً؛ وبالطبع لا بد من معالجة الوضع كي تستفيد ليبيا من هذه المبالغ الطائلة في إصلاح عديد المدن.
وذهب أبو شبلي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «الإصلاح لا يجب أن يكون على حساب المواطن»، متابعاً: «يظل الوقود هو ملاذ كثير من المواطنين بالاعتماد عليه خلال انقطاع الكهرباء في تشغيل المولدات الكهربائية».

وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الفكرة مطروحة منذ سنوات، ولكن كونها تؤثر في  كل مناحي الحياة ونظراً لظروف البلاد يتم تأجيلها»، ونوه إلى أن «الجميع يدرك أن أسعار سلع وخدمات عدة ستتضاعف فور رفع الدعم عن الوقود، كما أن سعره في السوق السوداء سيتضاعف وهو ما سيتضرر منه سكان الجنوب الذين يشترونه لسد حاجاتهم».
واقترح النائب، الذي ينتمي للجنوب الليبي، دراسة بدائل أخرى لإيقاف الهدر وضبط الكميات لمنع التهريب، مثل استصدار «بطاقة ذكية» تضمن لكل مواطن طبقا لنمط حياته المرتبط بالموقع الجغرافي لإقامته حجما معينا من الوقود المدعم في حدود 200 لتر شهريا.
ورأى أنه إذا تم تجاوز هذه الكمية فبات عليه الشراء بسعر السوق، لافتاً إلى ضرورة فرض السيطرة على الحدود، من خلال سلطة قادرة على فرض الأمن في كل ربوع البلاد كي نستطيع التصدي للمهربين وكذلك تجار السوق السوداء».
وطبقا لتقرير ديوان المحاسبة الليبي لعام 2020 بلغت نفقات دعم الدولة للمحروقات خلال الفترة من 2018 إلى 2020 ما يقارب 12 مليار دينار ليبي.
في السياق ذاته، رأى نائب رئيس اللجنة الاقتصادية عضو اللجنة المالية بمجلس النواب الليبي، مهدي الأعور، أن قرار رفع الدعم عن الوقود حال تطبيقه «لن يؤدي إلى وقف التهريب بدرجة كبيرة»، وأرجع ذلك «لارتفاع عائد بيع سعر لتر الوقود – حتى بعد رفع الدعم – مقارنة بسعره في الدول التي يتم التهريب إليها؛ وبالتالي لن تتوقف شهية المهربين عن حصد الأرباح».

وقال الأعور لـ«الشرق الأوسط» إن «رفع سعر الوقود بعد رفض الدعم عنه باعتباره سلعة حيوية سيؤدي لمشاكل كثيرة، حيث ستعجز شرائح عدة خاصة أهل الجنوب، الذين يقطعون مسافات طويلة، عن امتلاك ما يكفيهم من وقود»، ورأى أن «الأمر سيزداد صعوبة في ظل عدم وجود شبكات للسكك الحديدية أو مشاريع نقل جماعي، ولن يكفيهم حينها ما يصرف لهم من الدعم النقدي لتعويض الفارق في السعر».
وتوقع ارتفاعا كبيرا في أسعار أغلب الخدمات، وفي مقدمتها الكهرباء إذا ما طبق هذا المقترح. ويقترح بعض الخبراء أن يتم توجيه رفع الدعم لصالح إنشاء شبكات نقل جماعي بالبلاد لتقليل النفقات على المواطن.

الدعم النقدي


وأشار الأعور إلى التجربة السلبية التي عايشها الليبيون عندما استبدل النظام السابق دعم بعض المواد الغذائية بالدعم النقدي، وتم صرفه لشهور قليلة ثم توقف، وهو السيناريو الذي يتخوفون من تكراره مجددا خاصة في ظل الأوضاع التي تسود البلاد.
وتابع: «نحن ضد الدعم الذي تستفيد منه شرائح وفئات لا تستحقه، وأيضا تستفيد منه الشركات الأجنبية العاملة بالبلاد، ولكن رفعه يتطلب وجود سلطة مستقرة قادرة على فرض القانون بأنحاء البلاد».

مبرزا «الحل الرئيسي لإيقاف التهريب بالوقت الراهن هو ضبط الحدود على غرار ما كان يحدث بدرجة ما في عهد النظام السابق حيث كانت نسبة ما يهرب بسيطة جدا رغم انخفاض سعره».
ولم يبتعد الخبير الاقتصادي الليبي سليمان الشحومي، عن الآراء السابقة بأن رفع الدعم لن يؤدي لتقليل حجم التهريب، خاصة أننا نتحدث عن شبكات تهريب دولية تقوم بشحنه عبر قاطرات وسفن أمام أعين الجميع.
وحول طرح هذه الفكرة في الوقت الراهن، خاصة مع انتهاء المدة الزمنية لخريطة الطريق الأممية وبالتبعية شرعية حكومة «الوحدة»، رجح أن يكون الهدف «كسب ود المواطن بزيادة دخله النقدي».
ويرى الشحومي، أن «مكافحة التهريب والقضاء عليه تتطلب حتى قبل التعاون الدولي سيطرة أمنية للدولة الليبية على الحدود والمنافذ وعمليات توزيع الوقود»، وقال: «الجميع يعلم أن مصفاة الزاوية واقعة تحت سيطرة تشكيلات عسكرية ويتم تهريب الوقود منها».
وانتهى إلى أن الوقود يباع في السوق السوداء بالجنوب الليبي «تحت حماية تشكيلات عسكرية»، لافتاً إلى أن رفع الدعم «يتطلب أجواء استقرار سياسي وإعادة النظر في السياسات الاقتصادية كافة، ليتم إيصال الدعم لمستحقيه، ودون ذلك مغامرات».