رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

جيب كالينينعراد الروسي.. هل يقرع طبول حرب علنية جديدة؟

نشر
الأمصار

بات اسم جيب كالينينعراد الروسي يتردد كثيرا في الآونة الأخيرة، وذلك بعد إعلان ليتوانيا حظر نقل بعض البضائع بالسكك الحديدية إلى الإقليم ذي الأهمية الاستراتيجية البالغة.

وقد حذرت روسيا ليتوانيا من تبعات خطيرة لهذه الخطوة، لكن ليتوانيا أكدت أنها تأتي في سياق التزامها بعقوبات الاتحاد الأوروبي على روسيا بسبب غزوها لأوكرانيا.

يقع جيب كالينينغراد الروسي على بحر البلطيق بين بولندا في الجنوب وليتوانيا في الشمال والشرق، وتقدر مساحته بنحو 223 كيلومتر مربع.

كانت كالينينغراد تعرف بمدينة كونيغسبرغ، وقد أسسها في القرن الثالث عشر الفرسان التيوتونيون (الذين لعبوا دورا رئيسيا في الحملات الصليبية التي استهدفت مناطق في شرق أوروبا في أواخر العصور الوسطى).

وأصبح جيب  كالينينعراد الروسي بعدها واحدة من مدن الرابطة الهانزية (رابطة ضمت العديد من المدن التجارية في منطقة بحر الشمال (شمال ألمانيا) والبلطيق، استمرت من القرن الثاني عشر حتى القرن السابع عشر)، وكانت ذات يوم عاصمة بروسيا.

كاتدرائية كالينينغراد

 

وقضى الفيلسوف الشهير إيمانويل كانت كل حياته في المدينة وتوفي هناك عام 1804.

كانت المنطقة جزءً من ألمانيا حتى ضمها الاتحاد السوفيتي بعد الحرب العالمية الثانية، عندما شهدت قتالا مريرا وعانت من دمار واسع النطاق، وقد قتل عدد كبير من سكانها خلال الحرب كما طُرد منها السكان الألمان أو فروا بعد انتهاء الحرب.

وفي عام 1944 قبل انتهاء الحرب العالمية الثانية تعرضت المدينة للقصف الجوي البريطاني أثناء عملية «الانتقام»، حيث وجهت الضربات الرئيسية كالينينغراد 1939 و 1949 للطيران البريطاني نحو مركز كينسبيرغ، وقتل الكثير من السكان المدنيين واحترقت المدينة القديمة، ودمرت آثار تاريخية كثيرة فيها، بما في ذلك قلعتها الشهيرة. ثم سقطت المدينة بايدي القوات السوفيتية بعد فرض الحصار عليها واقتحامها لاحقا.

وأحيل القسم الشمالي من إقليم بروسيا الشرقية الألمانية مؤقتا إلى الاتحاد السوفيتي وذلك بموجب القرارات التي اتخذتها مؤتمر بوتسدام في صيف عام 1945 في ختام الحرب العالمية الثانية، وشارك فيه زعماء كل من الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة وبريطانيا. وبعد توقيع معاهدة الحدود تم الاعتراف بمحافظة كالينينغراد بكونها إقليم من أقاليم جمهورية روسيا الفيدرالية السوفيتية الاشتراكية ضمن الاتحاد السوفيتي.

خلال الحقبة السوفيتية، تم فصل جيب  كالينينعراد الروسي، التي كانت جزءا إداريا من الاتحاد الروسي، عن بقية روسيا، والتي تقع على بعد أكثر من 300 كيلومتر إلى الشرق، من قبل جمهوريات الاتحاد السوفيتي آنذاك، ليتوانيا ولاتفيا وبيلاروسيا.

منذ انضمام ليتوانيا إلى الاتحاد الأوروبي، بات من المستحيل السفر بين إقليم كالينينغراد وبقية روسيا برا من دون عبور أراضي دولة واحدة على الأقل في الاتحاد الأوروبي. وكانت هناك مناوشات، خاصة مع ليتوانيا، بشأن لوائح العبور.

كان جيب  كالينينعراد الروسي واحد من أكثر أجزاء الاتحاد السوفيتي عسكرة وانغلاقا، وكان الجيش هو الدعامة الاقتصادية الرئيسية للمنطقة خلال الحقبة السوفيتية. وعندما انهار الاتحاد السوفيتي، تم القضاء على هذا الوجود العسكري، وبطبيعة الحال، على الفوائد الاقتصادية التي قدمها.

لا يزال جيب  كالينينعراد الروسي ذات أهمية استراتيجية كبيرة لموسكو، إذ تضم أسطول البلطيق الروسي في ميناء بالتييسك، وهو الميناء الأوروبي الوحيد الخالي من الجليد في البلاد.

كاتدرائية كانتا

 

تطور متباين

خلال الحقبة السوفيتية، كانت الزراعة ركيزة رئيسية في اقتصاد البلاد، وقد فقد سوق منتجات كالينينغراد أهميته إلى حد كبير مع انهيار الاتحاد السوفيتي، مما تسبب في انهيار الاقتصاد في أوائل التسعينيات من القرن الماضي.

ارتفعت معدلات البطالة وانتشر الفقر بشكل كبير، لا سيما في المناطق الريفية. وأصبحت الجريمة المنظمة والمخدرات مشاكل متنامية في الإقليم.

وفي محاولة لمعالجة مشاكل المنطقة، منحتها السلطات الروسية في عام 1996 وضعا اقتصاديا خاصا ومزايا ضريبية تهدف إلى جذب المستثمرين. وبالفعل استفاد اقتصاد المنطقة بشكل كبير.

وقد شهدت كالينينغراد طفرة غير مسبوقة، وفي عام 2007 تم افتتاح مبنى مطار جديد بقيمة 45 مليون دولار.

بدأت المنطقة تشهد ازديادا في النشاط التجاري مع دول الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى زيادة النمو الاقتصادي وزيادة الإنتاج الصناعي.

ولكن على الرغم من ذلك، فقد أثرت الأزمة المالية العالمية في عامي 2008-2009 على المنطقة بشكل كبير، وبحلول بداية عام 2010، قفزت معدلات البطالة إلى أكثر من 10 في المئة، وهو معدل أعلى بكثير من متوسط معدل البطالة ​​الروسي.

وفي عام 2013، نشرت روسيا صواريخ إسكندر الباليستية قصيرة المدى، القادرة على حمل رؤوس حربية نووية في الإقليم، وقالت حينها إن خطوتها جاءت ردا على خطط الولايات المتحدة لنشر نظام دفاع صاروخي باليستي في أوروبا.

Map showing Kaliningrad

ما زال الغزو الروسي لأوكرنيا والتحركات الأوروبية للتعامل مع موسكو تتصدر اهتمامات الصحافة البريطانية، فنقرأ في صحيفة التايمز تحليلا عن ممر سوفالكي وأهميته لروسيا.

واليوم يعد ممر سوفالكي، الذي يمتد على مدى 60 ميلا بطول الحدود البولندية الليتوانية ويصل بين بيلاروسيا وإقليم كاليننغراد (التابع لروسيا) نقطة الضغط الأكبر.

في الجانب البولندي من ممر سوفالكي، يطالب المواطنون حكومتهم ببناء ملاجىء حامية من القنابل، في حال ما إذا هاجمهم الروس، ويقول دانيل دومارازكي: "اعتقدنا أننا عشنا في مكان آمن في أوروبا، وأن ما حدث في أوكرانيا كان من المستحيل حدوثه".

وأضاف دومارازكي، وهو رئيس منظمة محلية: "لا أشعر بالخوف حاليا، نعيش حياتنا بصورة طبيعية، ولكننا نتعامل مع رجل مجنون. لا نعلم ماذا سيفعل بوتين، لم يتوقع الإعلام غزوه لأوكرانيا. وفي عام 1939 لم يتوقع ستالين هجوم هتلر".

وبينما يجتمع زعماء الناتو في مدريد لحضور قمة الحلف الأكثر أهمية منذ أكثر من عقد، فإن التوتر حول ممر سوفالكي هو تنبيه بالمخاطر المتعددة والنادرة منذ نهاية الحرب الباردة.

وتمضي الصحيفة في شرحها لمخطط بوتين المحتمل بالقول إن روسيا يمكنها فصل إستونيا ولاتفيا وليتوانيا عن حلفائها في وسط وغرب أوروبا، وقطع خطوط الإمداد والتعزيزات وإنشاء جبهة مستمرة تمتد من بحر البلطيق إلى البحر الأسود، بسيطرتها على هذا الممر.

ويقول بيرند شوت، قائد القوات الألمانية في ليتوانيا، :"إذا ما أرادت روسيا السيطرة على هذا الممر فإنها ستفعل ذلك في فترة وجيزة".

ومع منع ليتوانيا لمرور بضائع روسية إلى كاليننغراد، تنفيذا للعقوبات الأوروبية، فإن المسؤولين الروس توعدوا فيلنيوس بالرد القاسي.

وفي الواقع، تلاشى نفوذ بوتين على ليتوانيا تقريبًا، وتقلصت التجارة البينية بين البلدين، بما في ذلك النفط والغاز الروسيين، لدرجة أن روسيا تشكل الآن بالكاد اثنين في المئة من صادرات الدولة المطلة على بحر البلطيق.

ولا تزال ليتوانيا تستمد القليل من طاقتها الكهربائية من شبكة الكهرباء التي تعود إلى الحقبة السوفيتية التي تشترك فيها مع روسيا وبيلاروسيا وجارتيها في البلطيق، لكنها مستعدة لانقطاع التيار الكهربائي.

وينتشر التخوف من عدوان روسي جديد في دول البلطيق الثلاث، استونيا وليتوانيا ولاتفيا، والأسبوع الماضي، استشهدت كايا كالاس، رئيسة الوزراء الاستونية، بمحاكاة عسكرية تظهر أن دول البلطيق يمكن أن تجتاحها روسيا بالكامل قبل أن يصبح الناتو في وضع يسمح له باستعادتها.

 

وتذهب التايمز إلى أنه مع انخفاض قدر كبير من القوة العسكرية الروسية في شرقي وجنوبي أوكرانيا، فإن احتمال فتح بوتين لمسرح آخر للحرب، والمخاطرة بصراع مباشر مع القوى النووية لحلف شمال الأطلسي، يبدو بعيدًا.

أنابيب نفط

 

ويزداد حجم السلع المشحونة بالسكة الحديد إلى كالينينغراد وميناءها البحري التجاري والسمكي. وتؤمن المجمعات النفطية الواقعة في مرسى القناة البحري للمدينة تصدير ما يزيد عن مليوني طن من النفط ومشتقاته سنويا. ويعتبر الكهرمان أهم ثروة في المحافظة.

 وتطلق على محافظة كالينينغراد تسمية أقليم الكهرمان، إذ ان أراضيها تحتوي على نسبة تزيد عن 90 % من الموارد العالمية لهذا المعدن النفيس. 

ويبلغ إنتاج الكهرمان الخام السنوي في الوقت الحاضر عدة مئات من الأطنان. غير أن الجزء الطفيف منه فقط يستخدم في صناعة الحلى المحلية. ويقع في المحافظة حقل النفط الصغير «كرافتسوفسكوي»، وذلك في الجرف القاري لبحر البلطيق. وقد تم في عام 2004 تشغيل القاعدة الثابتة المقاومة للجليد التي يجري من خلالها حفر آبار البترول في الحقل.