رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

د. عبدالحفيظ محبوب يكتب: السعودية ومصر وقفتا أمام مشروع تركيا (حروب الغاز)

نشر
الأمصار

أعتقد أن الرياض وموسكو جمعتهما المصالح المستقرة، فالسعودية وقفت لمشروع الشرق الأوسط الجديد بعدما وقفت لمشروع الشرق الأوسط الكبير وأفشلته مركز المشروعين هي تركيا، ووقوف السعودية لهذين المشروعين ليس فقط لأهدافه الملتوية بل التدميرية الواضحة.
لا تود أمريكا وكذلك أوربا أن تكون روسيا دولة محتكرة للغاز، وكذلك أمريكا خاصة التي لا تود روسيا أن تراها قوة متعاظمة اقتصاديا وعسكريا، خصوصا وانها كانت القوة المناظرة لها في زمن الحرب الباردة، رغم أن تركيز أمريكا على قوة الصين الصاعدة، لكن يزعج أمريكا تتحكم روسيا والسعودية في أسواق الطاقة، خصوصا بعدما فشلت أمريكا في فك هذا التحالف بحجة أن روسيا غزت أوكرانيا ووضعت عليها عقوبات، وارادت أن تشترك السعودية معها ضمن هذه العقوبات، لكن أمريكا واجهت رفضا قاطعا باعتبار أن العالم دخل مرحلة جديدة من تنافس القوى ولم يعد عالم أحادي القوة.
حاول الغرب منذ 2009 ضمن مشروع الشرق الأوسط الكبير إنهاء سيطرة موسكو على أوروبا من خلال إيجاد مصدر آخر للغاز الروسي، فجاء بحر قزوين كخيار أول باعتبار أنه يمتلك احتياطيات نفطية تقدر بنحو 100 مليار برميل ونحو 12 تريليون متر مكعب من الغاز، وبحر قزوين ثالث مخزن احتياطي بعد منطقة الخليج وسيبيريا.
لكن احتياطيات روسيا من الغاز نحو 48 تريليون متر مكعب أي أربعة أضعاف احتياطيات بحر قزوين، لذلك كان خط ستريم الروسي إلى أوربا عبر بحر البلطيق بعيدا عن أوكرانيا الذي ينقل 70 في المائة من الغاز الروسي إلى أوروبا ينافس خط نابوكو الذي أعاقته روسيا، لكن نجحت أوروبا في مد خط أنابيب من أذربيجان العابر للبحر الأدرياتيكي المعروف اختصارا باسم تاب لنقل الغاز من باكو إلى أوربا عبر تركيا والذي سيمر بإيطاليا بطول 870 كيلو مترا لكنه ينقل فقط ما يقرب من 10.5 مليار متر مكعب من الغاز الأذربيجاني سنويا.
كان الغاز سلاحا روسيا كافيا للضغط على أوروبا بأن تترك أوكرانيا وحدها في مواجهة روسيا لتضم شبه جزيرة القرم في عهد أوباما عام 2014 بعد الإطاحة بالرئيس الأوكراني الموالي لروسيا فيكتور يانوكوفيتش في مارس 2014، ما جعل تركيا تدخل على الخط بعد هذه الأزمة لشغل الدور الأوكراني بين روسيا وأوروبا في تنفيذ ممر جنوبي عبر سلسلة طويلة من الأنابيب من حقول بحر قزوين وأذربيجان حتى الاتحاد الأوروبي، وتحالفت تركيا مع إسرائيل وساندتها أميركا ودعمت تركيا أيضا في ليبيا في محاولة مطالبة أمريكا تفريغ الهلال النفطي من السلاح والمليشيات، وهو ما أزعج مصر والسعودية، وبدأت الأزمة عندما وضعت مصر خط أحمر على سرت والجفرة وتعرضت قاعدة الوطية لضربة قاصفة لمنع تركيا استخدامها كقاعدة عسكرية ثابتة لها في ليبيا من أجل الحصول على النفط والغاز وتصديره إلى أوربا، أعطى حلفاء حفتر درسا لتركيا أوقف زحف حكومة الوفاق إلى سرت والجفرة.
أرادت تركيا لإنشاء خط أنابيب يصل لأوروبا لنقل الغاز الإسرائيلي من حقل ليفيان شرق المتوسط، وعقدت تركيا مع إسرائيل في يوليو 2017 اتفاقا، لنقل 10 مليارات متر مكعب من الغاز سنويا إلى أوروبا باعتباره أقل من نصف تكلفة إيست ميد بين قبرص مع إسرائيل، وهو ما سيعيد رسم الخريطة السياسية لشرق المتوسط، لكن الحرب السورية أعاقت المشروع، والخيار الثاني مد انابيب عبر قبرص يتطلب إذنا من الحكومة القبرصية، فهو أيضا بعيد المنال، خصوصا وان قبرص لديها خطط أخرى لتصدير الغاز الإسرائيلي عبر إيست ميد الذي لم يتحقق أيضا.
الاتحاد الأوربي يعتمد على ثلاثة مصادر رئيسية لإمدادات الغاز هي روسيا والنرويج ودولتين من شمال افريقيا هما الجزائر وليبيا، لكن من روسيا يأتيها الغاز عبر خطين مباشرين خط أنابيب يا مال يمر عبر بيلاروسيا وبولندا وألمانيا بطول ألفين كيلو متر وينقل 32.5 مليار متر مكعب سنويا، والثاني خط أنابيب نورد ستريم بطول 1227 كيلو متر ويمر عبر بحر البلطيق ويحمل نحو 55 مليار متر مكعب سنويا، وقد ارتفعت نسبة الغاز الروسي لأوروبا من 23 في المائة عام 2010 إلى 31 في المائة عام 2016 إلى 40 في المائة عام 2021.
لكن حلت مصر محل تركيا عندما اتجهت بخطوات متسارعة نحو التحول إلى مركز إقليمي للطاقة، خاصة بعد تحويل منتدى غاز شرق المتوسط إلى منظمة رسمية مقرها القاهرة لتراهن بذلك على موقعها الجغرافي وعلى اكتشافات الغاز الأخيرة في البحر المتوسط، وتصبح لاعبا أساسيا في سوق الغاز، وجاءت مبادرة مصر بتأسيس منظمة غاز شرق المتوسط مع 6 دول أخرى منها الأردن واليونان وقبرص وإسرائيل وإيطاليا، لتكون بمثابة سوق إقليمية تعمل على استغلال ثروات الغاز وتأمين احتياجات الدول الأعضاء في 2019.
وهي رسالة لتركيا لمن يحاول وضع يده على حقوق الدول الأعضاء بها، وقطع الطريق أمام محاولات تركية للتنقيب غير الشرعي من موارد الطاقة في المياه الاقتصادية في شرق المتوسط، خصوصا وأن مصر وصلت إلى تجمع يضم في طياته دول مثل إسرائيل وإيطاليا والولايات المتحدة أيضا بصفة مراقب، وهو ما أضفى قوة ردع للمنظمة، ويمكن أن تنضم دول مثل ليبيا والجزائر والمغرب إضافة إلى لبنان وسوريا، وهو ما اجهض أطماع تركيا بشرق المتوسط.
إذا كانت يمتلك العالم نحو 187 تريليون متر مكعب من الغاز، فإن روسيا تمتلك اكبر احتياطيات من الغاز بنحو 48 تريليون متر مكعب وإيران نحو 33 وقطر ،24 ليس أمام الغرب بقيادة أميركا سوى إيران وقطر كبديل لنقل الغاز إلى أوربا، عبر الأراضي السعودية إلى تركيا عبر سوريا، لكن الأزمة السياسية بين إيران والسعودية تمنع مثل هذا المشروع، وهو ما يجعل دولة قطر تميل نحو إيران كثيرا بسبب الغاز المشترك بينهما، وأيضا يأتي الاتفاق النووي بين إيران ودول 5+1 في 2015 ضمن مشروع الغاز الذي ينقل من إيران إلى أوربا عبر تركيا، فمنذ حكومة رفسنجاني وخاتمي كانتا تقدمتا خطوات جبارة في سبيل تنفيذ المشاريع التي خطط لها أبان النظام البهلوي، منها مشروع نقل الغاز من منطقة عسلوية جنوب إيران إلى أوربا عبر الأراضي التركية، توقف المشروع في عهد أحمدي نجاد على الرغم من أنه لم يتبق سوى 400 كيلو متر يسمى مشروع تطوير المرحلة ال11 من حقل بارس الغازي خلال أقل من 3 أعوام في حالة عودة توتال الفرنسية إلى إيران، وهو ما نجد أن أوربا أكثر حرصا على توقيع الاتفاق النووي مع إيران  من أمريكا لتوفير حصة كبيرة مما تحتاجه الدول الأوربية من الغاز، وهناك أنبوب خط يمر بالعراق وسوريا عبر البحر المتوسط إلى أوربا تم الاتفاق عليه في 2011 قبل ثورات الربيع العربي، وبسبب قلة الاستثمارات لم تعد إيران مستعدة حاليا لمثل تلك المشاريع وهي تكتف بتصدير غازها إلى باكستان والكويت وسلطنة عمان.
بعدما كانت أوربا تضع عقوبات على مصر عام 2013، وتدخلت السعودية لرفع مثل تلك العقوبات، اليوم نجد أن غاز إسرائيل يصل أوربا عبر محطة التسييل في مصر بعد توقيع اتفاق ثلاثي بين مصر وإسرائيل والإتحاد الأوربي بشأن تصدير الغاز المسال إلى الاتحاد الأوربي، حيث يستورد الاتحاد الأوربي 155 مليار متر مكعب من الغاز الروسي في 2021 أي ما يمثل 40 في المائة من استهلاكه، لكن الحرب الروسية في أوكرانيا أربك المشهد، وقد صدرت مصر إلى الاتحاد الأوربي 8.9 مليار متر مكعب في 2021، رغم ذلك صعوبة منافسة الغاز المصري الغاز الروسي بل هو أحد مصادر الطاقة البديلة إلى أوروبا خلال السنوات المقبلة، وقد يستغرق زيادة تصدير الغاز إلى أوربا من الغاز الإسرائيلي والمصري في السنتين المقبلتين ليبلغ 40 مليار متر مكعب سنويا بتوسعة مشروعات وبدء تشغيل حقول جديدة، ولن تستطيع أوروبا الاستغناء عن الغاز الروسي، وهذا ما جعل روسيا هي التي تفرض على الدول المستوردة لقاء وضعها عقوبات على موسكو بعد 24 يناير 2022 نتيجة الحرب في أوكرانيا الدفع بالروبل والدول التي امتنعت أوقفت عنها الغاز وهي بولندا وبلغاريا وفنلندا وهولندا وقد تقبل بلغاريا بالآلية الروسية حيث ثبت على مدار عقود طويلة موثوقيتها كمورد مضمون للغاز، وفي 2020 صدرت نحو 155 مليار متر مكعب من الغاز إلى الدول الأوربية.
كانت أوكرانيا في التسعينات هي الممر الضيق لجميع صادرات الغاز الروسي إلى أوربا عبر أنابيب سويوز، برذرهوود، برغريس، لكن روسيا نوعت منذئذ معابر غازها عبر إنشاء يمال أوروبا، ونورد ستريم1 ، وبلو ستريم، وترك استريم، قبل أن تضيف نورد ستريم2 الذي ما تزال موافقاته التنظيمية معلقة، لكن أوربا لم تتمكن من تنويع بدائل للغاز الروسي، فهل أزمة 2022 تغير من تلك المعادلة وكيف؟ وهل هناك مصادر بديلة تحل محل الغاز الروسي؟ خصوصا وأن الوصول إلى الطاقة المتجددة لا زالت في بداياتها.