رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

د. عبدالحفيظ محبوب يكتب: بايدن يعيد التقارب مع الرياض بمعطيات جديدة

نشر
الأمصار

وسط الارتفاع الصاروخي في أسعار النفط والتضخم القياسي في الداخل الأمريكي، خصوصا بعدما انخفضت شعبية بايدن إلى حدها الأدنى عند نحو 35 في المائة لسبب أنه لم يتمكن من التعامل مع التضخم، وهو مقبل على انتخابات في نوفمبر 2022، وكما حدث بين السعودية والولايات المتحدة أيضا حدث مع تركيا التي استقبلت الإخوان المسلمين الهاربين من مصر بعد هزيمتهم في 2013، ووافقت تركيا على فتح منصات إعلامية لهم ضد مصر.
لكن هذا لم يرق للسعودية خصوصا عندما تدخلت تركيا بين السعودية وقطر، على إثر هذه العلاقات المتوترة تضرر الاقتصاد التركي، وارتفعت نسب التضخم إلى 73 في المائة، وانخفضت الليرة التركية إلى 16.5 مقابل الدولار في نهاية مايو 2022 بعدما كانت 1.5 ليرة مقابل الدولار في عام 2015، ثم انخفضت إلى 7.5 ليرة مقابل الدولار نهاية عام 2020، مما اضطر أردوغان إلى التراجع عن موقفه من أجل استعادة الاقتصاد التركي حيويته لأنه أيضا هو مقبل على انتخابات قادمة.
كذلك الولايات المتحدة تسجل أعلى تضخم منذ 40 عاما مع ارتفاع أسعار الوقود، حيث ارتفعت أسعار السلع بنسبة 8.5 في المائة، وهي أكبر زيادة سنوية منذ ديسمبر 1981، وبعد الحرب الروسية في أوكرانيا في 24 فبراير 2022 أوقفت أمريكا جميع واردات النفط والغاز من روسيا، رغم تواضع كمياته، إلا أن أسعار الوقود ارتفعت في الولايات المتحدة إلى مستويات قياسية جديدة، وكذلك في المواد الغذائية وبقية السلع التي تسببت في تفاقم مشاكل سلسلة التوريد.
ما حدث أن بعث بايدن مستشارية للأمير محمد بن سلمان ولي العهد، وكذلك عدد من رؤساء دول أوربية فرنسا وبريطانيا من أجل الضغط على السعودية للمشاركة في العقوبات على روسيا، لكن السعودية رفضت تلك الضغوط والتزمت الحياد، كذلك أرسل الرئيس روزفلت أحد مستشاريه إلى الملك عبد العزيز في 1944 قبل أن يلتقيا الزعيمان على متن الطراد كوينسي في 14 فبراير 1945.
أرادت السعودية استحضار اللقاء التاريخي بين الملك عبد العزيز آل سعود والرئيس الأمريكي روزفلت، إذ حضر وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان حفلا أقيم في واشنطن بمناسبة الذكرى ال75 للقاء التاريخي الذي جمع الزعيمان وشارك في هذا الحفل الذي رعته ريما بنت بندر سفيرة السعودية في واشنطن، حضره حفيد روزفلت ديلنو روزفلت، ونوه وزير الخارجية السعودي بأهمية هذا اللقاء التاريخي وما حققه من شراكة راسخة بين البلدين، كان لها تأثير كبير في المنطقة والعالم أجمع، كما يذكرنا في 1974 عندما خاطب نيكسون الملك فيصل بقوله لم نأت للسعودية كما يأتي الآخرون من أجل النفط بل أتينا من أجل أن ننهل من الحكمة السعودية.
السعودية لن تنحاز إلى طرف ضد الطرف الآخر، بل هي شريكة الجميع، وترفض أن يروضها أحد فهي دولة راسخة منذ عام 1727، فحاولت أمريكا مواجهة تحالف أوبك بقانون نابكو، لكن السعودية ردت على هذا القانون ببيع نفطها باليوان الصيني، وإذا ما حاولت أمريكا أيضا تطبيق قانون 11 سبتمبر على السعودية فهي يمكن أن تتجه نحو الصين، خصوصا وأن الصين اليوم تعرض عليها الحصول على الجيل الخامس من الطائرات، ونقل تقنيتها وتصنيعها محليا، وبناء أول مصنع لمقاتلات F-31 J-20 الشبحتين، فقد اتخذت السعودية قرارات شجاعة منذ عهد الملك عبدالعزيز، وعهد الملك فهد رحمه الله الذي اتخذ قرار تحرير الكويت، وقرار الملك عبد الله الذي اتخذ قرار إرسال الجيش السعودي إلى البحرين، ودعم الجيش المصري والشعب في استعادة مصر من تنظم الإخوان، وكذلك في عهد الملك سلمان الذي اتخذ قرارا شجاعا في عاصفة الحزم لوقف النفوذ الإيراني في اليمن. 
والسعودية ترفض غزو دولة دولة أخرى، لكنها لا تشارك في الصراع بين روسيا والغرب، وهي كما أوضحت لروسيا من أنها ملتزمة بالقانون الدولي، ونصحت روسيا بعدم استخدام الغذاء ورقة سياسية فوافقت روسيا على أن تنقل القمح الأوكراني في سفن تركية، وعلى أوكرانيا أن تزيح الألغام من البحر الأسود لتتمكن السفن التركية من نقل الحبوب، حيث تؤمن روسيا وأوكرانيا 30 في المائة من حاجة العالم للحبوب بعدما كانت روسيا تستورد الحبوب.
كشفت شبكة إن بي سي نيوز الأميركية أن البيت الأبيض قرر تأجيل جولة الرئيس جو بايدن في الشرق الأوسط إلى يوليو لتشمل السعودية، التي تمثل نقطة تحول مهمة في سياسة بايدن وتأتي بعد فتور في العلاقات منذ وصوله لرئاسة الولايات المتحدة في يناير 2020، لمقابلة ليس فقط ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بل ومقابلة أمراء دول الخليج والرئيسين المصري والأردني السيسي والملك عبدالله الثاني، كما تحدثت صحيفة واشنطن بوست عن الزيارة نقلا عن مسؤولين لم تسمهم، وقالت إن اللقاء وجها لوجه مع ولي العهد السعودي، سيأتي بعد مهمات عدة غير معلنة في السعودية أجراها مستشار بايدن للشرق الأوسط بريت ماكفورك ومبعوثه لشؤون الطاقة أموس هوكستين اللذان يكرران دعواتهما إلى زيادة إنتاج النفط الخام من أجل خفض التضخم.
بالفعل قرر اتحاد أوبك بلس زيادة الإنتاج في الشهرين المقبلين، فبعدما طالب الغرب الالتزام بتحويل الطاقة إلى صفر والابتعاد عن الوقود الأحفوري، بدلا من أن يكون هناك موازنة بين أجندة تغير المناخ والحاجة الماسة إلى الاعتماد على النفط فوافقت أوبك بلس على زيادة الإنتاج بنحو 648 ألف برميل في يوليو وكذلك في أغسطس ارتفاعا من زيادات كانت بمقدار 432 ألف برميل على إثرها رحب البيت الأبيض بهذه الخطوة وأشاد بدور السعودية في قيادة التحالف.
هناك عاملين حاسمين بالنسبة للبيت الأبيض حول لقاء بايدن الأمير محمد بن سلمان، الأول: الحرب في أوكرانيا وحاجة بايدن إلى مساعدة السعودية في تنظيم سوق النفط، حيث تنوي أوربا تقليص 90 في المائة من صادرات النفط الروسية البالغة 3.5 مليون برميل يوميا خام ومكرر، حيث تدفع أوربا سنويا على النفط والغاز 400 يور تود تقليصها وحرمان روسيا من هذه الأموال، باعتبارها نقطة ضعف في إطارها الجيوسياسي والأمني.
ولكن في المقابل لدى روسيا مجال جيوسياسي واسع، فمستقبل الطاقة الروسية هناك خط دا باور أوف إلى الصين الذي يصدر 38 مليار متر مكعب، حيث بلغت صادرات روسيا من الغاز إلى الدول غير الأعضاء في الكومنولث المستقلة بلغت 61 مليار متر مكعب من يناير حتى مايو 2022 أي أقل بمقدار 23.2 مليار متر مكعب عن نفس الفترة من عام 2021، وقد أنتجت غاز بروم ما مجموعه 211.4 مليار متر مكعب من الغاز في نفس هذه الفترة بانخفاض 4.8 في المائة عن عام 2021، وأكدت الشركة أن الغاز المصدر إلى الصين تتزايد، بل نجد أن روسيا هي التي أوقفت الغاز عن بولندا وبلغاريا وفنلندا بسبب عدم موافقتها على الدفع بالروبل، وروسيا على وشك قطع الإمدادات عن ألمانيا بسبب رفض شل الدفع بالروبل.
اقترح  كيسنجر على الاتحاد الأوربي وعلى أوكرانيا لوقف الحرب إلى إنشاء حدود في دونباس كما كانت موجودة قبل الغزو الروسي لأوكرانيا الذي بدأ في 24 فبراير 2022، أي أن توافق أوكرانيا على التخلي عن جزء كبير من دونباس وشبه جزيرة القرم، وعندما سئل بايدن أجاب إذا وافقت أوكرانيا، وكذلك الرئيس الفرنسي يطالب بعدم استثارة روسيا وترك نافذة للدبلوماسية. 
والعامل الثاني رغبة إسرائيل القوية في أن يقوم بايدن بتطبيع العلاقة مع السعودية بعد إقناع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان باعتبار السعودية جزء من ترتيب أوراق واسعة للمنطقة، خصوصا بعدما عادت الجزيرتين تيران وصنافير إلى السعودية، ما يعني أن السعودية تتحكم بميناء إيلات والملاحه منه إلى البحر الأحمر، خصوصًا أن السعودية تطالب بخروج قوات حفظ السلام من الجزيرتين، ويمكن توافق السعودية مقابل ذلك عبر مرور الطائرات الإسرائيلية إلى البحرين والإمارات، لكنها لن تستكمل التطبيع حتى تحقق إسرائيل المبادرة العربية وهي ضمن السياسة السعودية الثابتة التي لا يمكن أن تتزحزح إذا لم تقبل إسرائيل العيش بجوار دولة فلسطينية وعاصمتها القدس.
في المقابل امتنعت أمريكا عن رفع الحرس الثوري الإيراني من قائمة الإرهاب، ومنذ 22 مارس تقترب المحادثات النووية في فيينا لإحياء الاتفاق النووي 2015 الذي انسحب منه ترمب عام 2018 بعد رفع عقوبات اقتصادية في 2015 مقابل أن تقيد إيران أنشطتها النووية وضمان سلمية برنامجها النووي، ينتقد وزير خارجية إيران عبداللهيان زيارة المدير العام للوكالة الذرية رفائل غروس إلى إسرائيل ومقابلة رئيس وزراء إسرائيل نفتالي بينيت معتبرا أن هذه الزيارة غير محايدة، إذ أكد بينيت لغروس استعداد إسرائيل لاستخدام حقها في الدفاع عن نفسها.