رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

بعد الاكتشافات الأخيرة..آثار جبل الهريدي كنوز محفورة في الصخر

نشر
الأمصار

أثارت الاكتشافات الأخيرة في آثار جبل الهريدي الغبار عن الكثير من قدرات وكنوز الجبل الشامخ على ضفة النيل، وتوج ذلك بالعثور على معبد جديد بين أحضانه.

يقع جبل الهريدي على بعد 350 كيلومترًا جنوب القاهرة داخل منطقة ساجولا في محافظة سوهاج في مصر العليا، يقع إلى الشرق من نزلة الشيخ هريدى على الضفة الشرقية للنيل فى مواجهة مدينة طهطا، ويبلغ ارتفاعه 114 مترا.

يوجد الجبل  بالقرب من الضفة الشرقية لنهر النيل ومع الاستمرار جنوبًا، يقترب الجرف من النهر، وفي شمال موقع جبل الهريدي توجد صحراء كبيرة تسمى بسهل نووارا، ويقسم المنطقة القطع الحديث لقناة العيسوية الموجود بالقرب من قاع الجبل. أكبر قرية في جبل الهريدي، هي قرية الخازندرية التي تقع جنوب "جبل رمسيس"، وفي أقصى الجنوب تم اكتشاف قرية أخرى، هي نزلة الهريدي.

محجر ملوك مصر القديمة والبطالمة

بدأ أول مسح تنقيبي منهجي في 14 ديسمبر 1991 وانتهى في 4 يناير 1994، عبر جمعية استكشاف مصر بدعم البعثة البريطانية ، و تم العثور على ثلاثة محاجر كبيرة في الخزندرية استخدمها ملوك مصر القديمة، تأتي أهمية هذه المحاجر من النقش الصخري الكبير لرمسيس الثالث والفخار السطحي. يشير النقش الصخري لرمسيس الثالث، الذي كان الفرعون الثاني خلال الأسرة العشرين، إلا أن المحاجر كانت تتم في ظل حكمه في هذا الموقع بالذات. 

بينما عثر على المحاجر البطلمية من آثار جبل الهريدي في أعلى أبو النصر، وتم تأريخ هذه المحاجر إلى العصر البطلمي من النقوش الملكية الموجودة بالداخل. تكمن الأهمية الرئيسية لهذه المحاجر في التمثيل الكبير لبتاح وتحوت على كل جانب من جدران المدخل الشمالي المواجهة للخارج. شكل بتاح له أهمية كبيرة بسبب التاج المنتفخ الذي يذكرنا بالتاج الأبيض. في محجر آخر قريب، تم تسجيل نقش للإلهة حتحور وهي ترتدي تاج مصر العليا والسفلى . 

يشير الاختلاف في التيجان التي يرتديها الآلهة إلى المهن المتغيرة في الفترة الزمنية في الموقع، وكان النص الهيروغليفي موجودًا فوق حورس وحتحور ؛ لسوء الحظ، تم تشويهها مع الخراطيش التي تم تدميرها بالكامل. 

مقصورة جحوتي

يوجد في الجبل مقصورتين، الأولى للإله جحوتي، ويسمى أيضُا تحوت أو توت إله الحكمة عند الفراعنة، وهو أحد أرباب ثامون الأشمونين الكوني، يعتبر من أهم الآلهة المصرية القديمة، ويُصور برأس أبو منجل.. نظيره الأنثوي الإلهة ماعت ولقد كان ضريحه الأساسي في أشمون حيث كان المعبود الأساسي هناك.

 

اعتبر قدماء المصريين أن الإله تحوت هو الذي علمهم الكتابة والحساب، وهو يصور دائما ممسكا بالقلم ولوح يكتب عليه، وله دور أساسي في محكمة الموتى حيث يؤتى بالميت بعد البعث لإجراء عملية وزن قلبه أمام ريشة الحق ماعت. ويقوم تحوت بتسجيل نتيجة الميزان، إذا كان قلب الميت أثقل من ريشة الحق - فيكون من المخطئين العاصين - يُلقى بقلبه إلى وحش مفترس تخيلي اسمه عمعموت فيلتهمه وتكون هذه هي النهاية الأبدية للميت، أما إذا كان القلب أخف من ريشة الحق (ماعت) فمعنى ذلك أن الميت كان صالحا في الدنيا فيدخل الجنة يعيش فيها مع زوجته وأحبابه، بعد أن يستقبله أوزيريس.

 

 

مقصورة الإله بتاح

 

وأنشئت المقصورة الأخرى للإله بتاح، من آثار جبل الهريدي ويعد بتاح هو الإله الخالق لدى المصريين القدماء الذي عاش قبل وجود جميع الأشياء الأخرى، وبإرادته، خلق العالم من خلال التفكير به؛ تصور العالم بتفكيره واتى به إلى الوجود من خلال كلمته: "بتاح يتصور الكون بأفكار قلبه ويبث الحياة فيهم بسحر كلمته، ويلعب بتاح أيضًا دورًا في الحفاظ على بقاء العالم ودوام الحكم الملكي".

 

مقابر جبل الهريدي

كشفت المقابر الموجودة في آثار جبل الهريدي  أن الموقع كان يستخدم خلال عصر الدولة القديمة،  ويحتوي القبر 1 على نص يذكر أن المالك يشغل منصبًا رسميًا في المعبد. سمح أسلوب الشكل البارز لأحد النبلاء والنص المصاحب لعلماء الآثار بتأريخ القبر إلى الأسرة السادسة .  قد يكون القبر الثاني قد أعيد استخدامه للاحتلال أو لإعادة الدفن، تم افتراض هذا بسبب الجص الطيني على العديد من جدران المحاجر.

وتعتبر  الميزة الأكثر غرابة في القبر الثاني هي النجوم والشكل الأصفر الذي تم استخدامه لتزيين الأسقف، ولم يتم التعرف بشكل إيجابي على الشكل الأصفر في وسط النجوم، وهي فكرة واحدة هي أن يصور سمكة؛ إذا كان هذا صحيحًا، فإنه يشير إلى أن السقف قد يكون فلكيًا، وتاريخ هذا القبر غير معروف، يمكن أن يكون من عصر الدولة القديمة أو الوسطى أو الحديثة ؛ ولكن بسبب قربه من القبر 1 ، يفضل تاريخ المملكة القديمة. 

يحتوي القبر الثالث على تمثيل مجزأ لشخصية بشرية مرسومة مباشرة على وجه الصخرة، بينما يحتوي كل من القبر 4 و 5 على حطام دفن بما في ذلك عظام بشرية ومنسوجات.

 

تم إجراء المسح الثالث والأخير في الفترة من 19 يوليو إلى 16 أغسطس 1998، وأثار القبر 30 الاهتمام بشكل خاص بسبب أنماط إعادة استخدامه خلال الفترة القبطية، وأكتشف ذلك بسبب الطابع اللاتيني الذي يدور حول حافة الغرفة فإن إعادة الاستخدام تتوافق مع استخدامها ككنيسة كاثوليكية. 

ويعتبر القبر المهم الآخر كان القبر 207. تم العثور على صورة منقوشة لصاحب المقبرة على جانبي المدخل، وتشير النسب غير الدقيقة والإطار الزاوي إلى أن هذا القبر قد تم إنشاؤه خلال الفترة الانتقالية الأولى. ولحسن الحظ، تم استرداد بيانات كافية للمساعدة في فهم وقت احتلال الموقع.

 

الدير القبطي

ركز الموسم الثاني في آثار جبل الهريدي  في الفترة من 6 إلى 13 يونيو 1993، بشكل أكثر تحديدًا على أطلال اللبن التي تم مسحها لأول مرة في عام 1991، واقترح علماء الآثار في الموقع أن بعض بقايا الهيكل قد تكون واحدة من مبنى إداري أو دير قبطي محصن. وأظهرت الأدلة من الموسم الأول من العمل أن الناسك الأقباط استخدموا المحاجر القديمة للاحتلال. في حين ان عنصر هيكلي آخر يدعم فكرة الدير وهو المستوطنة غير المسورة التي تم العثور عليها شمال الموقع. يظهر نمط المجمعات غير المحصنة والجدران أيضًا في دير القديس إبيفانيوس في طيبة الغربية، وسبب اختيار الرهبان والنساك الأقباط لموقعهم غير معروف، ولكن الفكرة أنهم سافروا وسكنوا هذه المنطقة بسبب الحياة الزهيدة المنشودة، وعندما تم إصلاح الكنيسة القبطية في عهد باخوميوس الكبير ، تم جمع النساك من جميع أنحاء المناطق معًا في مجتمعات منظمة. حيث كانت هذه المجتمعات تتواجد عادة داخل أسوار مسورة، مما يعطي إمكانية أن يكون جبل الهريدي واحدًا منهم. 

تم العثور على جزء من مصباح فخاري مصبوب بالقرب من المقابر المنحوتة في الصخر. أشارت عناصر تصميم المصباح لعلماء الآثار إلى أنه من القرن الثالث إلى القرن الرابع، ولكن تم اقتراحه مؤخرًا أنه من القرن الثاني، وتمثل هذه المصابيح أقدم الأشياء التي تم الكشف عنها على سطح هذه الهياكل المصنوعة من الطوب اللبن.

وتشير كمية هذه الشقوف إلى أن الجانب كان له احتلال مكثف يتركز في أقصى شمال شرقي الموقع، مع احتمال حدوثه على مدى فترة زمنية طويلة، يشير تحليل الفخار إلى أن الاحتلال حدث خلال العصرين الروماني والقبطي، ولم يكن من الممكن تحديد مكان صناعة الفخار لعدم وجود دليل واضح على وجود فرن.

الإكتشافات الجديدة

يعتبر الإكتشاف الأهم الجديد هو المعبد الذي تم تكريسه للإلهة إيزيس وهو يعود لعصر الملك بطليموس الثالث (يورجتيس) ويمتد بطول ٣٣ متر وعرض ١٤ متر، بمحور من الشمال إلى الجنوب، ويتكون من صالة مكشوفة مستطيلة الشكل، يتوسطها صف مكون من أربعة أعمدة، يليه صالة مستعرضة يتوسطها عمودين تؤدي إلى قدس الأقداس، ويتوسط المعبدمن الغرب سلم، وشكلت أرضية المعبدمن البلاطات الحجرية من الحجر الجيري المحلي.

 وعثرت البعثة خلال أعمال الحفائر  في الجهة الشمالية للمعبد على حوض للتطهير من الحجر الجيري، ولوحة نذرية للمعبد، كما عثرت في الناحية الشمالية على عدد ٥ اوستراكات عليها كتابات بالخط الديموطيقي، بالإضافة إلى 38 عملة معدنية تعود إلى العصر الروماني، وجزء صغير من عمود من الحجر الجيري، بالإضافة إلى الكشف عن بعض العظام الحيوانية، والتي تبين من خلال دراستها أنها كانت تمثل طعام كهنة المعبد.

نقطة تفتيش وبيت كبير العمال

بينما  وجدت البعثة نقطة تفتيش عبارة عن مبنى من الطوب اللبن والآجر، يشبه ما يسمي بمبني البرج (Tower House)، تم بنائه بهدف التفتيش والمراقبة وإحكام المرور بين حدود الأقاليم وجمع الضرائب وتأمين السفن وحركة الملاحة في النيل، والكشف عن بيوت أحد رؤوساء العمال وعدد من بقايا الأوراق الخاصة بأسماء العمال ورواتبهم ومهامهم.

مجموعة جديدة من المقابر

 بالإضافة إلى ما يقرب من 85 مقبرة تعود إلى فترات مختلفة منذ نهاية الدولة القديمة وحتى نهاية العصر البطلمي، تباينت تخطيطها فمنها مقابر محفورة في عدة مستويات في الجبل، ومنها مقابر ذات بئر أو عدة آبار للدفن، ومقابر أخرى ذات ممر منحدر ينتهي بغرفة للدفن، لافتاً إلى أنه عثر بداخل المقابر التي تعود للعصر البطلمي على عدد 30 بطاقة مومياوات، والتي كانت تعد بمثابة تصريح للدفن مكتوبة باللغة اليونانية القديمة فقط والخط الهيراطيقي والديموطيقي، مع بقايا رفات آدمية وبقايا مومياوات، وعادة ما تتضمن تلك البطاقات «أسم المتوفي، وأسم والده أو والدته، وموطنه، ومهنته، وعمره عند الوفاة»، بالإضافة إلى بعض الأدعية الخاصة بالآلهة المصرية القديمة.

ضريح الشيخ الهريدي

 

لا يمكن أن ننهي حديثنا عن جبل هريدي دون أن نذكر الضريح الذي سمي على اسمه الجبل،  والضريح موجود داخل المنطقة الجبلية الوعرة بمنطقة جبل الهريدى، الذى سمى باسمه، وهذا الضريح تم بناؤه من الطين والطوب اللبن، وهو موجود في مكان يعد من أخطر الأماكن لأنه مخر للسيول وبالرغم من تعرضه للسيول أكثر من مره إلا أنه مازال صامدا.

وضريح الشيخ "الهريدى" مشيد كله من الطين وله قبة كبيره على مساحة تصل إلى 30 متر تقريبا وتم بنائه فى مخر للسيول، وبداخل الضريح صندوق كبير يقال أن الشيخ دفن فيه وأن عمر الضريح أكثر من 150 سنة تقريبا.

بينما الضريح الثانى فهو ضريح حديث لأن علامات بنائه الموجودة من الطوب الأحمر وهو لنجل الشيخ الهريدى الشيخ حسن أبو على وهو ضريح مساحته صغيره وتم بنائه على فتحه لمغاره صغيرة وبه نفس الصندوق.