رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

الجزائر في قلب مباحثات دبلوماسية بين إيطاليا وإسبانيا

نشر
وزير الخارجية الإسباني
وزير الخارجية الإسباني خوسي مانويل ألباريس

لا تزال تداعيات الاتفاق الاستراتيجي الموقع بين الجزائر وإيطاليا في مجال الطاقة، خلال زيارة رئيس الوزراء ماريو دراغي في 11 أفريل الجاري، عسيرة على الهضم لدى السلطات الإسبانية، والسبب مخاوفها من أن يؤثر هذا الاتفاق على تزود مدريد بالغاز الجزائري.

وزير الخارجية الإسباني في إيطاليا

أحدث حلقة في مسلسل التوجس الإسباني، كان زيارة وزير الخارجية الإسباني، خوسي مانويل ألباريس، إلى إيطاليا الجمعة، وهي الزيارة التي كانت الجزائر حاضرة فيها بقوة، باعتبارها تزود هذين البلدين معا، بالغاز عبر أنبوبين عابرين للبحر الأبيض المتوسط.

ويعد هذا اللقاء الثاني من نوعه بين المسؤولين في كل من روما ومدريد في ظرف أقل من أسبوعين، وكما سبق وأوردت “الشروق”، فإن اللقاء الأول تمحور حول طلب إسبانيا استفسارات من نظيرتها إيطاليا، حول تفاصيل الاتفاق الموقع مع الجزائر خلال زيارة رئيس الوزراء الإيطالي، وكذا المخاوف التي انتابت مدريد من أن يكون هذا التقارب الجزائري الإيطالي في مجال الطاقة، على حساب مدريد، التي خسرت الميزة التفضيلية التي كانت تتمتع بها قبل تحول موقفها إلى دعم أطروحة نظام المخزن المغربي بشأن الحكم الذاتي في الصحراء الغربية.

ومن روما جدد وزير الخارجية الإيطالي مغازلته للجزائر، واصفا إياها بـ”الـشريك القوي” المعروف بـ”امتثاله الدقيق” لعقود الغاز الدولية، في تلميح ينطوي على الكثير من الرسائل لكل من الجزائر وروما، حيث يوجد في زيارة رسمية.

وقال رئيس الدبلوماسية الإسبانية، وفق ما أوردته وكالة الأنباء الإسبانية “إيفي” إنه “ليس لديه أدنى شك” في أن الجزائر ستحترم كل عقودها مع إسبانيا، وذلك على الرغم من توقيع عقود جديدة مع إيطاليا، تمثلت في تزويد هذه الأخيرة بنحو تسعة ملايير متر مكعب إضافية من الغاز سنويا، ليرتفع حجم صادرات الجزائر من الغاز إلى روما إلى أكثر من ثلاثين مليار متر مكعب، بما يتماشى واستراتيجية هذا البلد الرامية إلى التقليل من الاعتماد على الغاز الروسي.

وأضاف المسؤول الإسباني في تصريحات صحفية في روما بعد لقائه مع نظيره الإيطالي لوجي دي مايو: “الجزائر شريك استراتيجي لإسبانيا، إنها شريك قوي في قطاع الغاز، إنها إحدى سماتها”. وكشفت تصريحات ألباريس عن مخاوف جدية تهيمن على صناع القرار في مدريد، عندما قال إن بلاده تصر على “الامتثال الدقيق للعقود الدولية” من قبل الجزائر، ما يعني إن الإسبان متخوفون جدا مما ستحمله الأيام والأسابيع المقبلة، على صعيد خلافهم مع الجزائر بسبب الغاز.
وسُئل المسؤول الإسباني عن احتمال لجوء الجزائر إلى مراجعة العقود مع الشركات الإسبانية، فرد بلغة دبلوماسية قائلا إنه “لن يساهم في تغذية الخلافات العقيمة” بين الجزائر ومدريد، وأنه لا يحب “الخيال السياسي”، مشيرا إلى أن “أسبانيا تطمح في أن تكون لها أفضل العلاقات مع الجزائر”، على حد تعبيره.

وترك كلام رئيس الدبلوماسية الإسبانية انطباعا بأن بلاده تبحث مخارج لأزمتها الطاقوية بسبب خلافاتها مع الجزائر جراء انقطاع قنوات التواصل الدبلوماسي بين البلدين منذ استدعاء السفير سعيد موسي من مدريد في 18 مارس المنصرم، وألمح إلى أن إسبانيا قد تجد نفسها مضطرة لاستيراد ما تحتاجه من إيطاليا إذا حصل لديها فائض من الغاز مستقبلا.

وعرض ألباريس بالمناسبة على نظيره الإيطالي، لويجي دي مايو الاستفادة من خبرة بلاده في مجال تحويل الغاز: “لقد قمنا بتحليل التكامل المحتمل بين إسبانيا وإيطاليا.. تمتلك إسبانيا قدرة إعادة تحويل الغاز على ساحلها، والتي يمكن أن تساعد في أي وقت شريكًا مهمًا للغاية مثل إيطاليا لحل وضع معقد”، علما أن مدريد استثمرت الملايير من أجل إقامة بنى تحتية لتحويل الغاز القادم من الجزائر، لكنها خسرت كل شيء في لحظة من الجنون انتابت رئيس حكومتها بيدرو سانشيز.

وكانت إسبانيا قد لجأت إلى الاحتماء ببروكسل من أجل الاتفاق على “الشراء الجماعي” لكل حاجيات دول الاتحاد الأوروبي من الغاز، تفاديا لسقوطها فريسة للعقوبات الجزائرية في هذا الإطار، غير أن دول الاتحاد تركت الأمر اختياري، وهو ما استغلته إيطاليا للتوقيع على اتفاق استراتيجي مع الجزائر في مجال الطاقة، أفسد حسابات مدريد.

وقد عبر ألباريس عن هذا الهاجس عندما أكد أنه يتقاسم مع دي مايو، “نفس الهوية والرؤية لأوروبا”، بشأن الحاجة إلى وجود استراتيجية مشتركة في مواجهة التحديات الجديدة، بما في ذلك تحديات الطاقة، وهو الأمر الذي يبدو أنه بات من الماضي في الوقت الراهن، بسبب فشل مشروع تجميع مشتريات الغاز الأوروبية.