رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

العلاقات السعودية اللبنانية.. بين الاختلافات والتوافقات

نشر
العلاقات السعودية
العلاقات السعودية اللبنانية

يبدو أن نسائم الود والتواصل بدأت تعود من جديد بين السعودية ولبنان، وذلك بعد أن شابتها بعض التوترات في الشهور القليلة الماضية.

وقد أعلن رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي، أنه سيقوم بزيارة إلى المملكة العربية السعودية خلال شهر رمضان الجاري، مؤكدًا أنه لم يشعر يومًا أن السعودية أغلقت أبوابها أمامه، وذلك عقب لقائه بسفير المملكة العربية السعودية وليد البخاري في مقر إقامة السفير باليرزة.

وعبر ميقاتي عن سعادته بعودة السفير السعودي إلى لبنان بعد ما وصفه بالغياب القسري، مشيرًا إلى أنه سمع من السفير حرص المملكة ملكا وولي عهد وقيادة على دعم لبنان وان تكون دائما الى جانب لبنان.

وأضاف أن اللقاء لم يتطرق إلى التوتر في العلاقات في المرحلة السابقة، مشيرًا إلى أن اللقاء تناول العلاقة التاريخية والمستقبلية بين المملكة ولبنان، مؤكدًا أن السفير السعودي تحدث عن الشراكة الفرنسية - السعودية فيما يتعلق بدعم ستة قطاعات في لبنان، موضحًا أن عودته في شهر رمضان هي عنوان لمزيد من التعاضد مع الشعب اللبناني.

وأشار إلى أن سفير السعودية أكد له حرص خادم الحرمين الشريفين وولي عهده على لبنان ووحدته ومساعدته، والنظر الى ما يريده لبنان، معبرًا عن أمله في أن تكون صفحة جديدة نحو تنمية العلاقات وتطويرها بين البلدين.

 

العلاقات السعودية اللبنانية

بدءت العلاقات السعودية اللبنانية بين البلدين بعد زيارة الرئيس كميل شمعون أول الرؤساء اللبنانيين للمملكة العربية السعودية، بعد تسلمه الحكم عام 1952 على رأس وفد رسمي رفيع، وقبلت زيارته بالحفاوة من قبل الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، واتفق البلدان على أهمية الحوار والتفاهم وضرورة التعاون والتعاضد بينهما.

ويعتبر الملك عبد العزيز هو أول المبادرين في الاستعانة بالخبرات اللبنانية قبل استقلال لبنان، واستعان بالخبراء والمستشارين أصحاب الفكر والرأي وحسن الإدارة من الدول العربية المختلفة، كمصر ولبنان وسوريا والعراق وليبيا وغيرها، عملوا جميعا في خدمته، ووصلوا إلى مراكز متقدمة في الديوان الملكي، وعملوا سفراء في الدول المهمة، وكان اللبناني فؤاد حمزة بين هؤلاء المستشارين الذين امضوا عقودًا من العمل السياسي السعودي.

كما استعان الملك في ذلك الحين أيضا بالمهندس اللبناني موريس الجميل، سعيًا للحصول على خبرته في مجال المياه، حيث تشكو شبه الجزيرة العربية من ندرة الأمطار وفقدانها للانهار والينابيع، وهو الذي أشار بانشاء السدود والبحيرات الاصطناعية لتوفير مياه الأمطار في موسم الشتاء، كما كان للمفكر والأديب اللبناني أمين الريحاني زيارات كثيرة وعديدة إلى السعودية، فروى وكتب الكثير عن الملك عبد العزيز وعهده

 

مؤتمر القمة السداسي في الرياض 

انعقد مؤتمر قمة سداسي في الرياض، في الفترة من 16 إلى 18 أكتوبر 1976 وبمبادرة سعودية كويتية، شارك فيها زعماء السعودية ومصر وسوريا والكويت ولبنان، بالإضافة إلى منظمة التحرير الفلسطينية، وكان الهدف المباشر للمؤتمر معالجة أحداث القتال الجارية في لبنان بين اللبنانيين أنفسهم وبين بعض اللبنانيين والفلسطينيين، لكن معالجة هذه الأحداث في لبنان كانت مرتبطة أو محكومة بمعالجة الخلاف الإقليمي العربي بين مصر وسورية الذي نتج عن توقيع مصر لاتفاقية سيناء الثانية مع إسرائيل في سبتمبر 1975.

 

الوساطة السعودية الكويتية

على المستوى الإقليمي:

 تمكنت المملكة في يونيو 1976، من عقد لقاء تمهيدي للمصالحة بين سورية ومصر على مستوى رئيسي الوزراء وبمشاركة وزيري خارجية السعودية والكويت، والذي جرى الاتفاق فيه على ورقة عمل تتضمن مجموعة من المبادئ تهدف إلى عودة التضامن بين سورية ومصر

على مستوى الأحداث الجارية في لبنان:

قررت قمة الرياض، وقف إطلاق النار وإنهاء الاقتتال في كل الأراضي اللبنانية اعتبارا من 21 أكتوبر، وتشكيل قوات ردع عربية في حدود 30 ألف رجل، تعمل داخل لبنان لفرض الالتزام بوقف إطلاق النار، كما قررت القمة تنفيذ اتفاق القاهرة وملاحقه، والذي ينظم علاقة المقاومة الفلسطينية بالدولة اللبنانية، وتشكيل لجنة تضم ممثلين من السعودية والكويت ومصر وسورية تقوم بالتنسيق مع رئيس الجمهورية اللبناني بهدف تطبيق بنود اتفاق القاهرة.

 

أبرز الخلافات السعودية اللبنانية

 استقالة الحريري

في 4 نوفمبر 2017، بدأ الخلاف السعودي اللبناني بعد استقالة رئيس الوزراء اللبناني سعد الدين الحريري في كلمة متلفزة أثناء زيارته للعاصمة السعودية الرياض، وكانت استقالة الحريري بشكل مفاجئ لما وصفه احتجاجاً على سياسة إيران في لبنان والوطن العربي.

بعد الاستقالة بدأت العلاقات بالتوتر بين البلدين، عندما شكك الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله وتيارات سياسية أخرى في صحة الاستقالة واتهمت الحكومة السعودية باحتجاز الحريري وإجباره على الاستقالة.

في 6 نوفمبر أعلن وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج العربي ثامر السبهان بأن السعودية: «ستعامل حكومة لبنان كحكومة إعلان حرب بسبب ميليشيات حزب الله».

في 9 نوفمبر، دعت السعودية، والإمارات العربية المتحدة، والبحرين، والكويت، مواطنيها إلى مغادرة لبنان وعدم السفر إليها.

 الحريري

أعرب الحريري في بيانه التلفزيوني،عن مخاوفه من الاغتيال ومتهما إيران وحزب الله بتهديد أمن المنطقة، وبالطبع رفضت إيران بشدة تصريحات سعد الحريري ووصفت استقالته بأنها طليعة مغامرة أمريكية إسرائيلية سعودية جديدة، لإزدياد التوتر في الشرق الأوسط.

وعلى آثر ذلك، أعلن قيادة الجيش اللبناني أنه بنتيجة التوقيفات والتحقيقات الجارية، بالإضافة إلى المعلومات والمعطيات المتوفرة، لم يتبين وجود أي مخطط لعمليات اغتيال في البلاد.

أبلغ الرئيس اللبناني ميشال عون السفراء الأجانب بأن الحريري “مختطف”، مشيرا إلى أنه “لا شيء يبرّر عدم عودة الرئيس سعد الحريري بعد مضي 12 يوماً، وعليه نعتبره محتجزاً وموقوفاً”.

كما شكك الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في صحة الاستقالة واتهم الحكومة السعودية باحجتاز الحريري وإجباره على الإستقالة، مشيرا إلى أن “استقالة الرئيس الحريري غير قانونية وباطلة لأنه كان مجبراً على ذلك”.

ونفی معاونو الحريري والمسؤولون السعوديون ذلك، فيما علق العديد من المعلقين اللبنانيين على الصور المنشورة للحريري في السعودية بأنها تدل على انه يقبع تحت الإقامة الجبرية.

 

تصريحات قرداحي

تدهورت العلاقات بين البلدين بسبب تصريحات وزير الإعلام اللبناني، والإعلامي الشهير جورج قرداحي التي انتشرت مؤخرًا، حيث تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو لمشاركة جورج قرداحي، ضيفا، في برنامج "برلمان الشباب" بينما يجيب على أسئلة تطرح عليه.

قرداحي

 

وقال قرداحي في معرض إجاباته إن "الحوثيين في اليمن يدافعون عن أنفسهم أمام عدوان خارجي".

وعندما سئل عن ما إذا كان يعتقد أن ما تفعله السعودية والإمارات هو اعتداء على اليمن قال "إن هناك اعتداء بالتأكيد وإن الحرب في اليمن حرب عبثية يجب أن تتوقف".

وقد خلق التصريح أزمة سياسية ودبلوماسية رغم أن الحلقة التي ورد فيها كانت في شهر أغسطس، قبل أن يتولى قرداحي وزارة الإعلام في لبنان.

ورغم إعلان السلطات اللبنانية تبرأها من تصريحات قرداحي، إلا أن الأزمة لا تزال قائمة.

وعلى أثر ذلك، أكد الرئيس اللبناني ميشال عون، أن تصريحات جورج قرداحي، وزير الإعلام الحالي، بشأن الأزمة اليمنية صدرت قبل توليه منصبه في الحكومة اللبنانية، وأن مواقف أي طرف سياسي لبناني لا يجوز أن تُعد مواقف للدولة اللبنانية، وأن يتم التعامل معها على هذا الأساس.

ولم ينتهي الأمر بل بدأت التوترات وازدات جدا حيث إقدمت السعودية على استدعاء سفيرها وطرد سفير بيروت لديها، واستدعت حكومة السعودية، السفير في لبنان للتشاور، وطلبت من سفير لبنان لديها مغادرة البلاد خلال 48 ساعة، وتقرر وقف كافة الواردات اللبنانية إلى المملكة.

‏‎وأعلنت وزارة الخارجية السعودية، أن حكومة المملكة تأسف لما آلت إليه العلاقات مع الجمهورية اللبنانية بسبب "تجاهل السلطات اللبنانية للحقائق واستمرارها في عدم اتخاذ الإجراءات التصحيحية" التي تكفل مراعاة العلاقات التي طالما حرصت المملكة عليها من منطلق ما تكنّه للشعب اللبناني العزيز، مضيفة أنه"حرصًا على سلامة المواطنين في ظل ازدياد حالة عدم استقرار الأوضاع الأمنية في لبنان فإن حكومة المملكة تؤكد على ما سبق أن صدر بخصوص منع سفر المواطنين إلى لبنان".

 

أزمة تهريب المخدرات


لم تكن أزمة تصريحات قرداحي هي الوحيدة التي تعيق العلاقات بين السعودية ولبنان، حيث قررت السعودية منذ أشهر وقف استيراد المنتجات الزراعية اللبنانية بسبب محاولات تهريب المخدرات من لبنان إلى المملكة داخل الفاكهة.

وقالت وزارة الداخلية السعودية، في بيان رسمي إنها لاحظت تزايد المحاولات لـ "استهداف المملكة من مهربي المخدرات في لبنان" مطالبة الحكومة اللبنانية بتقديم ضمانات لوقف عمليات التهريب "الممنهجة".

وفي أول رد على البيان السعودي، قال وزير الخارجية والمغتربين اللبناني السابق، إنه نقل قرار الحظر إلى كبار المسؤولين ودعا سلطات بلاده إلى العمل بأقصى الجهود لإحباط أي محاولات تضر بالمزارعين اللبنانيين.

 

.. لكن يبدوا أن الأوضاع ستختلف بين البلدين وتعود العلاقات إلى ماكانت عليه بزيارة سفير السعودية لدى لبنان وليد بن عبد الله بخاري، ووعد رئيس الجمهورية اللبنانية ميشيل عون بزيارة المملكة العربية السعودية خلال شهر رمضان الجاري….