رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

"الجسد والسر.. من الأيروسي إلى الموبيسي".. كتاب جديد لدار نشر تونسية

نشر
الأمصار

 صدر مؤخرًا عن دار خريّف للنشر كتاب "الجسد والسرد، من الأيروسي إلى الموبيسي"، للباحثة الدكتورة بسمة بن سليمان، حيث تُحلل الباحثة في هذا الكتاب علاقة الجسد بالسرد من خلال تفكيك عقد النظرة العامة للجسد عبر تاريخ الفكر ومحاولة الإجابة على السؤال المحوري وهو: هل هو مجرّد آلة أم أنّه سجن للنّفس وعائق أمام الرّوح أم أنّه أسلوب حضورنا وتعبيرنا في العالم؟.

وتقول الدكتورة بسمة بن سليمان، في مقدمة البحث: "لم يحتلّ الجسد الفضاء الأوسع في الدّراسة والفحص والتّمحيص باعتباره مبحثا مستقلاّ بذاته موضوعا وأدوات، لصعوبات جمّة تعترض الباحث في كيفيّة التّعامل مع متصوّر الجسد وتمثّلاته، فهو عالق في مسارات وشبكات علاميّة تشكّله وتحدّده بطرق شتّى، فتجعله مرئيّا ومسموعا ومحسوسا ومتخيّلا، وفي هذا المجال الهائل الّذي تبدو في العلامات وكأنّها تتوالد وتتضاعف إلى ما لانهاية لا يبدو من السّهل تحديد مبادئ لنسق علاميّ ترتسم من خلاله سماته الدّالّة.

طرح الجسد في أسواق النّخاسة

ولذلك فموضوع الجسد شائك وجارف بأتمّ معاني الكلمة لما فيه من مسعى لإثبات الهوّيّة الفرديّة والذّاتيّة للإنسان من خلاله أو من خلال اللّحم البشريّ الحيّ الكائن فيه. وقد اعتبره "موسّ" آخر القلاع العصيّة على منطق التّسليع والتّشيئ اللّذين اكتسحا ما تبّقى من المجالات الحيويّة للذّوات البشريّة بعد أن حاصرته مفاتن الصّورة. ذلك الجسد، الّذي هو في الأصل تجسيد للشّخص، أصبح موجّها لغايات تسليعيّة لا تبالي بهمومه وشواغله واحتياجاته. حتّى كادت ملكيّته تُفتكّ منه مثلما افتكّت على مرّ العصور لغايات شبيهة احتضنتها المعابد وبلاطات الملك.

ورغم طرح الجسد في أسواق النّخاسة قديما ومجالات الدّعاية حديثا، فإنّه ظلّ ملكيّة شخصيّة لأنّه يعود بالضّرورة لشخص واحد وهو ملك له لا يشترك فيه اثنان. إنّه المكان الّذي يكتنف رغباته وأحاسيسه وانفعالاته وهو الوسيلة الوحيدة الّتي تُظهر أيّ نوع من الكائنات الخلقيّة هو. فنحن متماثلون مع أجسادنا خاضعون لها ومن المستحيل التّخلّص منها لأنّ وجودنا مرهون بوجودها المادّيّ. وأجسادنا تمتلكنا ونحن نمتلكها حتّى وإن انتمينا إلى عصور العبوديّة الأكثر وحشيّة.

إذن ففهم الإنسان لذاته واحتياجاته يمرّ بالضّرورة عبر الجسد مهما كان وضعه وزمنه ودرجة وعيه. حتّى إنّنا نزعم أنّ الإنسان كان أكثر تصالحا مع جسده قديما لأنّ رؤيته للعالم كانت أقلّ تعقيدا وأقرب إلى عفو البداهة. فقد جعله مادّة شيّقة للسّرد الملحميّ وقدّم لنفسه هويّة بطوليّة جوهرها السّرد.

وهو، أي الجسد، رغم تغيّر وسائط التّواصل معه، حافظ على ثنائيّة عريقة متجدّدة وميسم اختصّ به تمثّل في أنّه مادّةَ التّخييل وغايتَه الأساسيّةَ، وهو لسان الخطاب وموضوعه، وهو بشكل ما بناء ثقافيّ وفكريّ خاضع للتّحوّلات.

توسيع الاطّلاع على خبايا الجسد

ونحن، إذ نروم توسيع الاطّلاع على خبايا الجسد وسرائره في مجال السّرد، فقد تخيّرنا أن يكون ذلك من خلال القصص الهامشيّ شعبيّا كان أم صوفيّا بالتّحديد. وهي أنواع من السّرود المُفارقة والمنزاحة الّتي قدّمت رؤية خاصّة للجسد. هذه الرّؤية في تقديرنا هي الأصدق رغم ما يعتريها من تشويش في سياق السّرد الشّعبيّ ومن إلغاز وغموض في سياق السّرد الصّوفيّ.

وحرصنا على تجريب مصطلح نقديّ مبتكر استلهمناه من مقال ورد فيه بصفة معزولة، واستند صاحب المقال في استخدامه لمنظور "لاكان" حول أصناف الألم الجسديّ، فسعينا إلى استحداثه وتطبيقه على أنّه مفتاح سيميائيّ يكشف الطّبيعة المركّبة للجسد باعتباره ثيمة تخترق كلّ أنواع السّرود بمختلف أشكالها ومواضيعها. تائقين إلى الكشف عن تجليّات حضور الجسد في السّرد وعمل السّرد في الجسد.

هذا المتصوّر أطلقنا عليه اسم "الجسد الموبيوسيّ" نسبة إلى عالم الرّياضيّات والفلك "أوغيست فردينان موبيوس"، و"الموبيوس" هو شكل رياضيّ اكتشفه وسمّي باسمه، يلخّص شكل الجسد بتراكبه وتعقيده تلخيصا استعاريّا لافتا".

ودار "خريّف للنشر"، مبادرة طموحة رأت النور في سنة 2021، لتكريم عائلة أدبية تونسية عريقة، هي عائلة خريّف. تعلّم أبناءها تقدير الكتاب وتربوا على القراءة وحملت جيناتهم اتصالا خاصا بالكتابة، ورفدوا المكتبة التونسية والعربية بمختلف صنوف الكتابة، منهم البشير خريّف ومصطفى خريّف وعبدالباقي خريّف ومحي الدين خريّف وعبدالحميد خريّف. وتطورت الفكرة لتصبح مشروعا أوسع آمن به وشجعه كتّاب وأساتذة أجلاء شاركوا في المغامرة الوليدة ولم يترددوا في دعمها. وتسعى لتكون عنصرا فاعلا في مجال النشر تونسيا وعربيا وتكون بما تقدمه نافذة تساهم في الحفاظ على اعتبار الكتاب وتبقيه خير جليس.