رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

لبنان بلا خبز.. خطر جديد يزيد من معناة المجتمع اللبناني

نشر
لبنان
لبنان

منذ أكثر من عام ونصف العام، يعاني لبنان أزمة اقتصادية حادة، سببت تدهورا في قيمة العملة الوطنية مقابل الدولار، وانخفاضًا حادًا في احتياطي العملات الأجنبية لدى “مصرف لبنان” البنك المركزي، وتجاوز سعر صرف الدولار الواحد الـ 15 ألف ليرة في السوق الموازية (السوداء)، بينما يبلغ سعره الرسمي بحسب البنك المركزي 1510 ليرات.

 

لبنان بلا خبز

تواجه المخابز في لبنان خطر التوقف عن العمل، بسبب النقص الحاد في الوقود اللازم لتشغيلها مع تحذيرات من نفادها، بحسب ما أكده اتحاد نقابات المخابر والأفران.

 

وقال الاتحاد في بيان رسمي، الجمعة؛ إن “الأفران والمخابز استنفدت كل الاحتياط لديها من مادة المازوت (الديزل)، وما هو متوافر لا يكفي، ما قد يؤثر على الإنتاج، لا سيما تلك الكبيرة منها التي توزع على كل المناطق اللبنانية”، مشيرًا إلى أن المطاحن تعاني أيضًا من الأزمة ذاتها.

 

وحذر “جميع المسؤولين من مغبة عدم استدراك الأمر ومعالجته بشكل عاجل؛ لأنه سيؤدي إلى أزمة خبز قسريا”.

 

وسبق أن ترأس الخميس، الرئيس اللبناني ميشال عون، اجتماعًا لدراسة أزمة المحروقات، بحضور وزيري المالية غازي وزني، والطاقة ريمون غجر، وحاكم مصرف، لبنان رياض سلامة.

 

ودعا عون في الاجتماع إلى اتخاذ إجراءات استثنائية لتمكين مصرف لبنان من القيام بالترتيبات اللازمة للحد من تمدد الأزمة.

 

وأعلنت وزارة الاقتصاد اللبنانية، الثلاثاء الماضي، رفع سعر الخبز للمرة الخامسة خلال العام الجاري، وسط أزمة اقتصادية خانقة تمر بها البلاد.

 

ويعاني لبنان، منذ أسابيع قليلة، نقصًا حادًا في الوقود المخصص لتوليد الطاقة، بسبب عدم توافر النقد الأجنبي الكافي لاستيراده، ما تسبب بازدياد ساعات انقطاع الكهرباء لنحو 20 ساعة يوميًا.

 

أزمة الوقود هي السبب

رفع لبنان الثلاثاء أسعار المحروقات بنسبة تجاوزت ثلاثين في المئة، في خطوة تأتي في إطار رفع الدعم جزئياً عن الوقود مع نضوب احتياطي الدولار لدى مصرف لبنان، فيما تغرق البلاد في دوامة انهيار اقتصادي متماد.

 

وينتظر اللبنانيون منذ أسابيع لساعات في طوابير طويلة أمام محطات الوقود، التي اعتمدت سياسة تقنين حاد في توزيع البنزين والمازوت، فيما تراجعت تدريجاً قدرة مؤسسة كهرباء لبنان على توفير التيار لتصل ساعات التقنين في عدد من المناطق يومياً إلى 22 ساعة.

 

وبحسب قائمة الأسعار الجديدة التي نشرتها الوكالة الوطنية للإعلام الرسمية في لبنان، تجاوز سعر صفيحة البنزين (20 ليتراً) 95 أوكتان 60 ألف ليرة (40,6 دولارا وفق سعر الصرف الرسمي) بعد ارتفاع بحوالي 16 ألف ليرة، وبات سعر صفيحة البنزين 98 أوكتان قرابة 63 ألفاً (42 دولاراً) بعد ارتفاع بقيمة 16,300 ليرة، وتجاوز سعر صفيحة المازوت 46 ألف ليرة (30,7 دولارا) بعد زيادة قدرها 12,800 ليرة.

 

ومنذ الصباح، تهافت مئات المواطنين على محطات الوقود التي حاصرتها طوابير انتظار طويلة، وقال نور الدين رضوان (37 عاماً)، مواطن لبناني، خلال انتظار دوره لتعبئة دراجته النارية في بيروت، “كرهنا العيش هنا، لا نستطيع أن نتحمل أكثر”.

 

وأضاف “نقف كل يوم… أمام محطات البنزين. ما من ذل أكثر من ذلك”.

 

وكان مصرف لبنان، على وقع الانهيار الاقتصادي الذي صنفه البنك الدولي الشهر الحالي من بين أشد ثلاث أزمات اقتصادية في العالم منذ منتصف القرن الماضي، يدعم استيراد الوقود عبر آلية يوفر بموجبها 85 في المئة من القيمة الاجمالية لكلفة الاستيراد، وفق سعر الصرف الرسمي المثبت على 1507 ليرات، بينما يدفع المستوردون المبلغ المتبقي وفق سعر الصرف في السوق السوداء الذي تجاوز 17 ألفاً خلال الايام الماضية.

 

وعلى وقع شح احتياطي المصرف المركزي، شرعت السلطات منذ أشهر في البحث في ترشيد أو رفع الدعم عن استيراد السلع الرئيسية كالطحين والوقود والأدوية، لتبدأ تدريجاً من دون إعلان رسمي رفع الدعم عن سلع عدة.

 

وربط مسؤولون الأزمة الراهنة بعاملين رئيسيين:

 

مبادرة تجار وأصحاب المحطات الى تخزين الوقود بانتظار رفع الأسعار.

تنامي تهريب الوقود إلى سوريا المجاورة.

 

وتعلن قوى الأمن دورياً توقيف متورطين بعمليات تهريب ومداهمة مستودعات تخزن فيها كميات كبيرة من المازوت والبنزين المدعوم، فيما القى المستوردون اللوم على مصرف لبنان لتأخره في فتح الاعتمادات.

 

إجراءات لاحتواء الأزمة

ولا تلوح في الأفق أي حلول جذرية لإنقاذ البلاد، ويغرق المسؤولون في خلافات سياسية حادة حالت دون تشكيل حكومة قادرة على القيام بإصلاحات يضعها المجتمع الدولي شرطاً لحصول لبنان على دعم مالي.

 

ومن ناحية أخرى، جاء رفع الأسعار الثلاثاء بعد منح حكومة تصريف الأعمال الأسبوع الماضي موافقة استثنائية على تمويل استيراد المحروقات وفق سعر 3900 ليرة للدولار بدلاً من 1500، ومن ثمّ فتح المصرف المركزي خطوط ائتمان لاستيراد الوقود وفق السعر الجديد.

 

وبدأت ست بواخر ليلاً، وفق ما نقلت الوكالة الوطنية للإعلام عن ممثل موزعي المحروقات فادي أبو شقرا، صباح الثلاثاء، تفريغ حمولاتها من المحروقات.

 

وخلال اجتماع للمجلس الأعلى للدفاع، قال رئيس الجمهورية، ميشال عون، الثلاثاء إن “ما حصل في الأيام الماضية أمام محطات المحروقات غير مقبول، وإذلال المواطنين مرفوض تحت أي اعتبار”، معتبراً أن الجدول الجديد للأسعار “من شأنه أن يخفّف الأزمة”.

 

وخلال الأسابيع الماضية، تطور الاكتظاظ أمام محطات الوقود إلى إشكالات وحتى إطلاق نار بين المواطنين المرهقين من الانتظار لساعات طويلة.

 

ومن شأن ارتفاع أسعار المحروقات أن ينعكس ارتفاعاً في أسعار سلع وخدمات أساسية، بينها فاتورة مولدات الكهرباء الخاصة، التي تعوض نقص إمدادات الدولة، ووسائل النقل، وحتى الخبز، ومن شأن ذلك أن يعمّق معاناة اللبنانيين الذين بات أكثر من نصفهم يعيشون تحت خط الفقر ويئنون تحت وطأة تراجع استثنائي لقدراتهم الشرائية، فيما خسرت الليرة اللبنانية حتى الآن أكثر من 95 في المئة من قيمتها أمام الدولار.

 

وبدأ أصحاب مولدات خاصة إبلاغ المشتركين لديهم برفع سعر التعرفة جراء ارتفاع سعر المازوت وتشغيل المولدات لساعات طويلة نتيجة انقطاع التيار الكهربائي.

 

وأغلق عشرات المتظاهرين طرقاً رئيسية الاثنين في مناطق عدة في البلاد احتجاجاً على أزمة المحروقات المتفاقمة وانقطاع الكهرباء المتواصل. كما قطعت طرق عدة الثلاثاء أعادت القوى الامنية فتحها.

 

ولم تثمر الضغوط الدولية، التي تقودها باريس، عن أي نتيجة لجهة تشكيل حكومة جديدة تحل محل حكومة حسان دياب التي استقالت بعد أيام من انفجار مرفأ بيروت الصيف الماضي. وقد فرضت فرنسا الشهر الماضي قيوداً على دخول شخصيات لبنانية تعتبرها مسؤولة عن المراوحة السياسية والفساد، كما لوح الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات عن مسؤولين عن الجمود السياسي.

 

وغالبا ما يستغرق تشكيل الحكومات في لبنان أشهراً طويلة جراء الانقسامات السياسية الحادة والخلاف على الحصص. لكن الانهيار الاقتصادي الذي فاقمه انفجار المرفأ في آب/أغسطس الفائت وإجراءات مواجهة فيروس كورونا، عوامل تجعل تشكيلها أمراً ملحاً.