رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

الأزمة اليمنية.. إلى أين مستقبل الصراع بعد السيطرة على شبوة؟

نشر
الأمصار

يشهد اليمن حربًا على مدار أكثر من 10 سنوات حيث يعود جذور الصراع في اليمن إلى انتفاضات عام 2011، حيث أجبرت انتفاضة شعبية الرئيس اليمني علي عبد الله صالح، الذي كان في السلطة لفترة طويلة، على تسليمها إلى نائبه عبد ربه منصور هادي، وقد واجه الرئيس هادي واجه صعوبات مختلفة بما في ذلك هجمات المتشددين والفساد وانعدام الأمن الغذائي واستمرار ولاء العديد من الضباط العسكريين للرئيس السابق علي عبدالله صالح، وفي هذا السياق يتناول التقرير الصراع في اليمن، وعمليات قوات التحالف العربي الأخيرة، ومستقبل الصراع هناك حيث:

بداية الصراع

بدأ القتال عام 2014 عندما استفادت الحركة الحوثية من ضعف الرئيس الجديد، وسيطرت على محافظة صعدة الشمالية والمناطق المجاورة، ثم سيطروا على العاصمة صنعاء، وهو ما دفع بالرئيس الهادي الفرار إلى الخارج، وقد تصاعد الصراع في 2015 وهو ما دفع السعودية بأن تقود تحالفًا ضد الحوثيين في اليمن لتثبيت الاستقرار، وفيما يلي أطراف الصراع في اليمن:

  • الحوثيون: وتعود إلى أواخر التسعينيات، حيث شكلت عائلة الحوثي في أقصى شمال اليمن حركة إحياء دينية للطائفة الزيدية الشيعية التي حكمت اليمن في وقت من الأوقات لكن معقل نفوذها في الشمال تعرض للتهميش، ومع تزايد الاحتكاكات مع الحكومة، خاض الحوثيون سلسلة من المواجهات على غرار حرب العصابات مع الجيش الوطني ، وكون الحوثيون علاقات مع إيران لكن لم يتضح مدى عمق تلك العلاقة.
  • المجلس الانتقالي الجنوبي وهو الفصيل الانفصالي الأساسي، وقد تمكّن عدة مرات من السيطرة على عدن في إطار صراع على السلطة في الجنوب مع حكومة هادي/ ومازالت التوترات محتدمة على الرغم من اتفاق توسطت فيه السعودية عام 2019 لإنهاء المواجهة.
  • تنظيم القاعدة، وأنصار الشريعة : تنظيم إرهابي استغل الفوضى التي أثارتها احتجاجات الربيع العربي في إقامة دويلات صغيرة في مناطق نائية بشرق البلاد وشن العديد من الهجمات الدموية التي أضعفت حكومة هادي الانتقالية.
  • الحكومة الشرعية في اليمن وهى معترف بها وبرئاسة معين عبد الملك وهى تعاني من مواجهات من الحوثيين وتحاول السيطرة على أماكن الحوثيين .
  • التحالف العربي بقيادة السعودية: تعتبر السعودية الحوثيين وكلاء لإيران ألد خصومها في المنطقة وتريد منع طهران من اكتساب نفوذ في اليمن، وقد تم نشر قوات المملكة على امتداد حدودها وفي بعض المحافظات اليمنية لكنها اعتمدت في الأغلب على الضربات الجوية الموجهة للمناطق الخاضعة لسيطرة الحوثي. كما وفرت المملكة قاعدة في المنفى لهادي والدعم اللوجستي للقتال البري في شمال اليمن.

أما الإمارات التي أيدت الخطة الانتقالية عام 2012 فهي الشريك الرئيسي الآخر في التحالف. وهي تريد منع التشدد الإسلامي من التنامي في اليمن وتعتبر موانئ البلاد ذات أهمية استراتيجية، ونشرت الإمارات بعض القوات البرية ومُنيت بخسائر بشرية في الحرب قبل ان تنهي بدرجة كبيرة تواجدها العسكري على الأرض في 2019. وأبقت على نفوذها عبر عشرات الآلاف من اليمنيين أغلبهم من المحافظات الجنوبية كانت قد قامت بتدريبهم وتسلحيهم.

  • إيران: والتي تناصر الحوثيين باعتبارهم جزءا من “محور المقاومة” الإقليمي، كما أن جماعة الحوثي تبنت عناصر من عقيدة طهران الثورية، ولكن مدى العلاقة بين إيران والحوثيين محل خلاف حيث تنفي طهران تهريب السلاح إلى اليمن رغم أن السعودية وحلفاءها يتهمونها بتسليح الحوثيين وتدريبهم.
  • تنظيم داعش وه تنظيم إرهابي يسيطر على بعض أجزاء من اليمن .
  • تحالف حضرموت القبلي وهو مجوعة مسلحة تتشكل من الحضارم الذين يسكننون جنوب اليمن وقد دعم حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي والقوات المسلحة اليمنية في حضرموت.
الرئيس اليمني

شبوة ومأرب.. عمليات قوات التحالف

شهد اليمن تصعيدات في الصراع وسط تقدم لقوات التحالف والذي أعلن منذ أيام إطلاق عملية “حرية اليمن السعيد” ضد جماعة الحوثيين المدعومة من إيران لتحرير مدينة شبوة.

وقال المتحدث باسم التحالف العربي، العميد تركي المالكي،: ” إن هذه العملية تقض مضاجع الحوثي وقبله إيران، ليست عسكرية بالمصطلح العسكري، أي الحرب، بل لنقل اليمن للنماء والازدهار، لأن الشعب اليمني يستحق الحياة ولديه مقومات لم تستغل، كما أن العملية تدعم إدخال اليمن للمصفوفة الخليجية”.

وفي هذا السياق أعلنت قوات التحالف التقدم في المناطق الصحراوية بمحافظة مأرب بعد السيطرة على محافظة شبوة بأكملها وقد أوضح لواء العمالقة اليمني المدعوم من الإمارات أن السيطرة الكاملة على المحافظة تحققت بعد 10 أيام من القتال.

فيما أعلن في هذا السياق الجيش اليمن السيطرة على حريب بمأرب؛ وقد حذر التحالف في بيان المدنيين بعدم استخدام الطرق القادمة من مأرب والبيضاء إلى حريب وعين وبيحان وعسيلان، مطالبًا اليمنيين بعدم التواجد بالقرب من المناطق المشار إليها حفاظًا على سلامتهم؛ ومن هذا المنطلق يناقش التقرير آخر التطورات في اليمن وما يرتبط بذلك من مستقبل لليمن في ظل تلك الصراعات، كالآتي:

لماذا شبوة ومأرب؟

يعد الاستيلاء على مدينة شبوة نقطة فاصلة للتحالف العربي كونها منطقة غنية جدا بالنفط وإمدادت الطاقة كما أن استردادها يعد قصفًا في واحدة من أهم المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، والسيطرة عليها طريق ممهد لاستعادة أجزاء كبيرة من محافظة مأرب المجاورة التي تعد هى الأخرى كنزًا اقتصاديًا كبيرًا.

كما أن شبوة تحتل أهمية ةخاصة بسبب كونها ثالث أكبر محافظة من حيث المساحة في اليمن وهة علاوة على ذلك محافظة مهمة بالنسبة إلى الجنوب بسبب موقعها الجغرافي وسط واليمن وبالتالي السيطرة على شبوة خطوة مهمة لقوات التحالف العربي، ولهذا السبب هى محل صراع رئيسي، وبالتطرق إلى الجوانب الاقتصادية لهذه المدينة فإن شبوة تشتمل على الكثير من الحقول والمنشآت النفطية إضافة على احتوائها ميناءين استراتيجيين لتصدير النفط والغاز.

وتحد شبوة مأرب من الغرب محافظة البيضاء ولذلك تسمى قلب الجغرافيا اليمنية، وفي الوقت نفسه لا تقل مدينة مأرب أهمية عن مدينة شبوة فمأرب تعتبر منطلقًا نحو مناطق الجنوب والشمال على حد سواء، كما أنها لديها وفرة كبيرة في الموارد الاقتصادية ومن ثم فإن السيطرة عليها تعني الحصول على مورد اقتصادي إضافي.

 

خريطة اليمن

ردود فعل

وتقدم القوات اليمينة المدعومة من التحالف في شبوة خلّف ردود فعل إيجابية حيث حاز إشادات حكومية محلية واسعة؛ إذ وصفه الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، خلال بيان، بأنه “يحمي هوية اليمن من مخططات المشروع الإيراني”، فيما ووصفه محافظ شبوة الشيخ عوض العولقي، خلال تغريدة على “تويتر” بـ”الانتصار والمعركة بالتاريخية”.

واستكمالًا لذلك فإن خالد عايش، مدير الملتقى الوطني لحقوق الإنسان باليمن، صرّح: “انتصار القوات الجنوبية وبزمن قياسي بمعركة شبوة، يؤكد ضرورة بناء وهيكلة المؤسسة العسكرية الرسمية باليمن”، مضيفًا في السياق ذاته بـ”تحرير شبوة يمثل نقطة تحول كبيرة وفارقة في معركة تحرير جميع أراضي اليمن من قبضة ميليشيات الحوثي، كما سيشكل هذا العمل العسكري النوعي إضافة بارزة لسجل القوات الجنوبية في سبيل الانتصار لقضية اليمنيين الهادفة لإنهاء الأعمال الإجرامية لإيران في اليمن، عبر أداتها ميليشيات الحوثي”.

وعلى هذا النحو، اعتبر القيادي في المجلس الانتقالي الجنوبي منصور صالح، أن :” إطلاق العملية خطوة مهمة تؤكد إصرار التحالف العربي على إنهاء الانقلاب الحوثي باليمن، كما أن نجاح هذه العملية يعتمد بشكل أساسي على تجاوز الفشل الذي رافق المرحلة الماضية ويتطلب هيكلة المؤسسات العسكرية اليمنية والدفع بقوات الجيش اليمني إلى مناطق جديدة مثل حضرموت والمهرة لدحر الحوثي”.

المتحدث باسم قوات التحالف العربي

مستقبل الصراع إلى أين؟

وسيطرة الجيش اليمني وقوات التحالف على مدينة شبوة يثير في الأذهان عددًا من الأسئبة المتعلقة كهل تعد هذه الخطوة بداية حقيقية للسيطرة على باقي أجزاء الأراضي اليمنية؟، وهل سيكون هناك رد فعل من قبل الحوثيين أم أن هذا السقوط جعلهم في موضع ضعف؟ وهل هذا سيدفع التحالف لانتهاج تكتيكات حرب جديدة؟، وهل ستسمح القوى الإقليمية والقوى الكبرى باستكمال سيطرة الحكومة على باقي أجزاء اليمن؟

في الحقيقة أن سيطرة القوات اليمنية المدعومة من التحالف مثّل نقطة تحول إيجابية في مسار الصراع اليمني، فهذا منح قوة وثقة للقوات اليمنية وقوات التحالف وأعطاهم دفعة نحو مزيد من التقدم ومن جانب آخر مثل ضربة قوية في تمركز قوات الحوثي التي كانت تحسب أن شبوة ظهيرًا اقتصاديًا مهمًا وموقعًا جغرافيًا لها يساعدها لمد نفوذها وإطلاق عملياتها إلى الشمال والجنوب؛ ومن هذا المنطلق فإن التقدم في شيوة يعزز من سيطرة القوات الجنوبية أكثر وبداية إفشال للمشروع الحوثي المدعوم من إيران، كما أن هذه السيطرة تعتبر مفتاحًا لتحرير البيضاء والربط بين الشمال والجنوب.

ومن ناحية إذا كان هناك رد من قبل الحوثيين أم أن هذا السقوط مثّل نقطة تأثر في قوتهم فإنه لا شك أن عملية “اليمن السعيد” كانت شوكة أصابت قوة الحوثيين ومثلت نقطة ضعف لهم، فبهذه السيطرة سيمنتع الحوثي من تهريب السلاح عن طريق موانيء المدينة علاوة عن انقطاعه عن بحر العرب لكن الحديث عن عدم وجود أي ردود فعل على تلك العملية أو تهديدات بعد ذلك فإن هذا مستبعد بنسبة كبيرة بل تزداد التوقعات بأن ثمة محاولات حوثية كبيرة لإثبات نفسها واستعادة سيطرتها بالتالي ظهور تكتيكات جديدة للحرب.

وبالتالي من المتوقع بشكل كبير أن تكون هناك ردود فعل من الحوثيين وبشكل انتقامي بالأخص ضد الإمارات والسعودية بعد سيطرة “العمالقة” المدعومة إماراتيًا، وربما أن تستخدم توغل بري أو جوي أو بحري ضد البلدين الخليجيين، وما يؤكد ذلك تصريح المتحدث باسم القوات الحوثية يحيى سريع بـ:”إن عواقب هذا التصعيد الإماراتي ستكون كبيرة وعليهم تحمل نتائج تصعيدهم”.

وعلى جانب آخر فإنه بالطبع قوات التحالف العربي بقيادة السعودية يتوقع ردود فعل عنيفة من قبل الحوثيين ومن ثم فمن المتوقع أيضًا أن يكون هناك تكتيكات جديدة موازية عسكريًا واستراتيجيًا لخطط الحوثيين والقوى الإقليمية الداعمة لها، وليس ببعيد أن تكون تلك التكتيكات تتعلق أكثر بفرض سيطرة على ممرات المياه حيث الأهمية القصوى للبحر الأحمر ومضيق باب المندب وخليج عدن، وبالإضافة إلى ذلك فإن توقعات التقدم في محافظة البيضاء مهم جدا بالنسبة للتحالف.

وبخصوص إذا كانت القوى الإقليمية والقوى الكبرى ستسمح باستكمال عملية السيطرة على أجزاء الأراضي اليمنية فإن في هذا السياق من المتوقع أن ينقسم الأمر إلى قسمين يكون طابع سياسية حماية المصالح هو الأساس لها، فالقسمان كالآتي القسم الأول يكون القوى المؤيدة للحكومة اليمنية وقوات التحالف العربي فبالطبع هذه الدول ستدعم قوات التحالف والقوات اليمنية في مسارها، في حين أن الدول التي لا تدعم استمرارتقدم القوات اليمنية فعلى رأس تلك الدول إيران وتركيا فاستقرار اليمن لهذه الدول يُعني انتهاء مشروعاتها ومخططاتها، وبين ذلك وذاك موقف المجتمع الدولي جاء لدعم خيار المحادثات، إذ أعلن عن ضرورة بدء المحادثات السياسية في اليمن.

وبناء على ما سبق ذكره فثمة سيناريوهات مطروحة لمستقبل الصراع في اليمن في ظل الأحداث الأخيرة وتتثمل في:

1-السيناريو الأول:

سيناريو تفاؤلي وهو يدعم الاستقرار، إذ إن تحرير شبوة يعزز من سلطة الدولة ويعزز من أمن واستقرار المجتمع اليمني ويستكمل تحرير محافظة البيضاء من يد قوات الحوثيييين ويشكل المؤسسات العسكرية في اليمن بدلًا من الميليشيات والفصائل المسلحة، وأن يستمر الحوثي في خسارة المناطق الصحراوية الأخرى، وفي هذا السيناريو خسائر كبيرة لإيران ويكون ردًا قويًا لفقدانها السيطرة على الأماكن الاستراتيجية في اليمن وعلى جانب آخر يكون دعمًا قويًا لتأمين أهداف دول الخليج ومد نفوذها في خليج عدن وبحر العرب، وأيضًا في هذا السيناريو تبدأ الأطروحات حول تشكيل حكومة تجمع القوى السياسية اليمنية وتسوية الصراع اليمني بشكل كامل.

2-السناريو الثاني:

أن يقبل الطرفان دعوة مجلس الأمن ويستجيبا إلى دعوته للمحادثات السياسية ولكن المشكلة في هذا السيناريو أن التحالف ربما لن يقبل المثول أمام جلسة مفاوضات بعد تحقيق تقدم عسكري استراتيجي على أرض الواقع ومن جانب آخر ربما يعتبره تخليًا عن مكتسباته، وعلى الجانب الحوثي فإنه لن يقبل هو الآخر المحادثات من دافع أنها تقلل من فرصة حصوله على مكاسب استراتيجية في ظل تلقي أوامره من إيران، وهذا السيناريو بحد كبير يطرح فكرة التهدئة أكثر منه تسوية وإنهاء للصراع.

3-سيناريو يتعلق بحدوث مزيد من التصعيدات حيث تمد إيران الحوثيين بمزيد من الأسحلة وتتجه نحو إشعال المعارك أكثر خصوصًا في ظل محادثاتها النووية في فيينا وبالتالي تشهد اليمن مزيدًا من التصعيدات وفي هذا السيناريو فإن اشتعال الأوضاع لم يكن فقط داخل اليمن بل تمتد إلى اشتعال الأوضاع بين القوى الدولية الفاعلة في تلك الدول.

خلاصة القول إن السيطرة على مدينة شبوة وإحراز تقدم في مدينة مأرب شكّل نقطة مهمة فاصلة في مسار الصراع اليمني، إذ إن تلك المدينتين لهما أهمية اقتصادية وجغرافية مهمة وأن السيطرة عليهما له مردود يؤثر في القوة والنفوذ، وعلى هذا الضوء فإن مستقبل الصراع في اليمن يتراوح بين 3 احتمالات أوله إيجابي حيث الاستمرار في التقدم الملحوظ والسيطرة على اليمن والتقدم في محافظة البيضاء، وإنهاء الصراع بشكل نهائي في اليمن، والسيناريو الثاني سيناريو وسط مجرد التزام بتهدئة مؤقتة وحوار وهذا الحوار لا يمنع الصراعات العسكرية المستمرة على أرض الواقع، والسيناريو الثالث سيناريو سلبي حيث التوقع باستمرار الصراع وبالتالي تبقى اليمن داخل صراع لم يحل بعد.