رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

إيران والصين.. تعاون استراتيجي ومخاطر قائمة

نشر
الأمصار

زار وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان الصين لبحث اتفاقية التعاون الاستراتيجي التي وقعها البلدان ومدتها 25 عامًا، يشير هذا الخبر إلى التعاون الأمني بين إيران والصين والذي يقلق الإدارة الأمريكية بشدة، فلم يعد بمقدور الرئيس الأمريكي أن يتجاهل الشراكة الاستراتيجية التي تجمع البلدين هى اتفاقية وقعتها الصين وإيران في مارس 2021 ، تهدف الاتفاقية إلى تعزيز العلاقات بين إيران والصين في مجالات النفط والطاقة والبنى الأساسية والمجالات الأمنية والعسكرية والصناعية، وإنشاء مناطق تجارية حرّة في السواحل الجنوبية لإيران.

والتي يكون فيها مردود سلبي وتهديد خطير على المصالح الأمنية الأساسية للولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل ودول الخليج العربية والتي تمثل إنذارًا لاحتياج الإدارة الأمريكية إلى اتخاذ خطوات عاجلة، وفي هذا السياق يناقش التقرير التالي صدى تلك الزيارة وجوانبها الأمنية على دول الشرق الأوسط بشكل خاص والولايات المتحدة الأمريكية بشكل عام، كاتالي:

تصريحات متعلقة

صرّح  وزير الخارجية الإيراني في وقت سابق  حول جدول أعمال محادثاته مع وزير الخارجية الصيني: “نحن في الذكرى الخمسين لإقامة العلاقات الدبلوماسية الإيرانية الصينية”، مضيفًا: “خلال الأشهر الأربعة الماضية أجرينا مع وزير الخارجية الصيني أكثر من سبعة اتصالات ولقاءات، وعلى مستوى الرؤساء  كانت الاتصالات والتواصل سلسة للغاية”، مشيرا إلى أن “هذا يدل على أهمية وتوسیع العلاقات بين البلدين، وفي الحكومة الإيرانية الجديدة نواجه المزيد من تسريع العلاقات”..

مشيرًا في السياق ذاته: “في العلاقات الثنائية لدينا تنسيق جيد وتنوع في مختلف القضايا وتماشيا مع مصالح الجانبين أحرزنا تقدما كبيرا في مختلف القضايا”.

ومن جانب آخر أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية وانغ ون بين: “أن الصين مستعدة للعمل مع إيران لزيادة تعميق الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الصيت وإيران”.

وعلى صعيد آخر قالت “فريال مستوفي” رئيسة لجنة الاستثمار بغرفة تجارة طهران “إن الصين هي الشريك الاقتصادي الأول لإيران ومن هذا المنطلق يمكن توسيع العلاقات التجارية مع بكين، شريطة عدم التزام الحكومة الصينية بالعقوبات الاقتصادية على إيران”، مضيفة: “زيارة وزير الخارجية الإيراني إلى الصين يجب أن تمهد لتوقيع اتفاقيات واقعية وفعالة، على ضوء الإطار العام لاتفاقية الـ 25 عامًا الهادفة إلى تعميق الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين.

وزير الخارجية الإيراني

مكاسب متعددة

يشترك الجانبان الإيراني والصيني في قاعدة وهى العمل على إضعاف قوة الولايات المتحدة الأمريكية وتقليل دورها في الشرق الأوسط ، فللشراكة الاستراتيجية بين الصين وإيران مكاسب متعددة للطرفين ومن ثم تكون هذه الزيارة دافعًا لتعزيز العلاقات وهو ما يعبر عنه تصريحات المسؤولين الصينيين والإيرانيين حيث لهذه الشراكة فوائد كالتالي:

1-مكاسب الصين: تكتسب الصين عبر هذه الشراكة المزيد من النفوذ الجيوسياسي في غرب ووسط آسيا ومن ثم لعب دور سياسي قوي في الشرق الأوسط واحتواء دور الولايات المتحدة وهنا يظهر نوع جديدة من الحرب الباردة لكنها بين الصين والولايات المتحدة فيما يسمى بالصعود الصيني السلمي في الشرق الأوسط.

ومن ناحية اقتصادية فتح أسواق جديدة لبكين في إيران والدول المجاورة لها وبالتالي الوصول أسرع إلى أسواق آسيا الوسطى علاوة على ذلك تنويع مصادر النفط بأسعار مختلفة وخفض تكاليف الشحن بقيام إيران ببناء مستودعات النفط في الأراضي الصينية.

2-مكاسب إيران: هناك عدة مكاسب متنوعة لإيران من هذه الشراكة الاستراتيجية سواء على المدى القريب أو البعيد فعلى المدى القصير وجود حليف لها مؤثر على الساحة الدولية والجانب الأكثر أهمية وهى كسب الصين كأحد أطراف الاتفاق النووي ومن ثم تسريع وتيرة المفاوضات المتعلقة بالاتفاق النووي.

وعلى الجانب الاقتصادي إيران تستطيع الحصول على الدعم الصيني بناء على الشراكات التجارية بين البلدين وما يعكس ذلك تصريح وزير الخارجية الإيراني بأن “الصين صديقة إيران للأوقات الصعبة”، علاوةعلى ذلك قال محمد حسين ملايك، سفير إيران السابق لدى الصين، : “إنه تم تحديد العديد من المشاريع لوجود الصين في إيران، وأن الصينيين توقعوا أن بإمكانهم تقديم مساهمة كبيرة في تطوير سواحل مكران، وإن عددًا كبيرًا من الشركات الصينية قد استقر هناك”.

مشيرًا إلى: “أن الصينيين ينشطون في جابهار وطالبوا بفتح قنصلية في بندر عباس بإجراء تقني ومتوقع وسليم، وهو ما وافقت عليه الحكومة الإيرانية” ، وتكمن أهمية هذا الساحل في كونه يقع جنوب شرقي إيران بالقرب من بحر عمان، وكان المرشد الإيراني، علي خامنئي، قد أكد على تنفيذ بعض خطط التنمية في المنطقة منذ عام 2014، وهذه الخطط الآن بشكل رئيسي في أيدي الجيش ووزارة الدفاع الإيرانية.

بالإضافة إلى ذلك عزز مقر خاتم الأنبياء، التابع للحرس الثوري من وجوده في المنطقة، مؤخرًا، ضمن مشاريع أطلق عليها اسم “تحلية مياه بحر عمان” ، في هذا السياق يتواجد العديد من الصينيين الذين يعيشون في إيران في نفس مناطق مكران وهرمزكان وبلوشستان وبوشهر.

على المدى البعيد فإن حصول إيران على شراكات تجارية وتدعيم موقفها في ملف البرنامج النووي ومن ثم تجني فوائد اقتصادية وسياسية عسكرية مهمة علاوة على تطوير البنية التحتية الإيرانية ومن ثم لعب دور مهم في التجارة الإقليمية وسهولة الوصول إلى آسيا الوسطة كأفغانستان، وتعزيز ممتلكات إيران العسكرية والاستخباراتية وبالتالي الحصول على أسلحة صينية لدعم وكلائها في المنطقة حيث سوريا ولبنان والعراق.

دلالات وتأثيرات

إن حدوث مثل هذه الزيارة تزيد من حدة مخاوف أمريكا وحلفائها في الشرق الأوسط، فإنها تعيد إلى الأذهان الأمريكية خطر الشراكة الاستراتيجية الموقعة بين البلدين، وعلى هذا الضوء سيتم مناقشة تداعيات هذه الزيارة التي تعد امتدادًا لعمق العلاقات بين البلدين وامتدادًا للاستراتيجية الصينية- الإيرانية كالتالي:

1-  الجانب الأمريكي:

تثير هذه الزيارة قلق الولايات المتحدة الأمريكية بشدة خصوصًا أنها تأتي في الوقت الذي تقام فيه محادثات فيينا بين إيران والقوى الكبرى لإحياء اتفاق 2015 وهو ما يطرح في الآفاق أهمية توقيت الزيارة وكأنها تحمل رسالة إلى أن الصين حليف إيران ويقف معها ضد العقوبات الأمريكية المفروضة عليها وذلك في سياق الإشارة إلى سعى الصين وروسيا لخلق حلف شرقي مواجه للولايات المتحدة الأمريكية في الغرب.

توقيع مثل هذه الشراكة للصين وإيران الكثير من الجوانب الأخرى حيث فوائد للجانبين الإيراني والصيني وخسائر للجانب الأمريكي فمن خلال بناء علاقات وطيدة مع إيران تجد الصين قدمًا لها في منطقة الشرق الأوسط وتقوض بالطبع الولايات المتحدة الأمريكية ويسهل عليها الوصول إلى النفط الإيراني وعلى الجانب المقابل ستحصل إيران على مليارات الدولارات من استثمارات الصين في الطاقة والبنية التحتية مما يقوض من فعالية العقوبات الأمريكية ضد النظام.

إن هذا التحالف الإيراني الصيني يمثل تهديدًا لبايدن والذي قال تعليقًا على ذلك: “قلقتني لسنوات”، ووصف وزير الخارجية الأمريكي بأنه “أكبر اختبار جيوسياسي في العالم”، جانب آخر من هذه الشراكة أنها تأتي في وقت أمريكا تعاني فيه من أزمات داخلية يحاول بايدن احتوائها وإضافة إلى ذلك احتواء تداعيات جائحة كورونا في الداخل الأمريكي.

 

الرئيس الأمريكي

2-دول الخليج العربي

دول الخليج بالنسبة للصين موردًا اقتصاديًا مهماًا وهذا ما يعكس نقطة مهمة مؤداها أن رغبة الصين لتعزيز علاقات مع إيران للتخفيف من علاقتها مع دول الخليج حلفاء عدوتها في الشرق الأوسط وهى الولايات المتحدة، فمثل هذه الشراكة الاستراتيجية تطعن بشدة في وضع دول الخليج العربي أول الأطروحات حول ذلك أن إيران ستصبح مركزًا لمشروع خط الحرير بدلًا من شبه الجزيرة العربية، وهذا التوافق الإيراني الصيني سيشكل تهديدًا مباشرًا على دول الخليج حيث سيحوقها بتهديدات أمنية في اليمن واستقرارها بشكل عام وخاصة إرسال أسلحة صينية للميليشيات الإيرانية في المنطقة فضلًا عن الحديث عن تبادل المعرفة النووية بين البلدين في حين أن الملف النووي الإيراني يقيق دول الخليج وأحد الخلافات بينها وبين إيران.

3-إسرائيل:

الجانب الأأكثر أهمية التي تعني به إسرائيل في العلاقات بين الصين وإيران هو الجانب العسكري والأمني حيث تقلق إسرائيل بسبب زيادة التعاون العسكري والتكنولوجي والاستخباراتي بين الصين وإيران حيث استخدام إيران للتكنولوجيا الصينية لتطوير الأسلحة وهذا يلحق الضرر بإسرائيل، وهناك العديد من المؤشرات التي توضح التوترات الأمنية بين إيران وإسرائيل حيث:

*تداول خبر منذ أيام حول حصول إسرائيل على معلومات بشأن تجنيد إيران لشبكات تجسس لطالحها، وهذا يمثل تهديدًا لإسرائيل حيث يعد اختراقًا للبيانات السرية.

*تهديدات السفن حيث قيام كل من الجانبين الإيراني والإسرائيلي باعتراض سفن الآخر وهى فيما يسمى بالحرب البحرية بين الجانبين.

*بسبب أن الولايات المتحدة الأمريكية شريك استراتيجي مهم لإسرائيل فإنه من هذا المنطلق تعمل إسرائيل على تقييد علاقتها مع الصين التي تعد المهدد الأكبر لحليفتها الولايات المتحدة الأمريكية.

خريطة توضح الربط الآسيوي بين الصين وإيران

آسيا.. حلقة وصل

 

بالنظر إلى الطبيعة الجغرافية فبهذه الشراكة الاستراتيجية تصبح آسيا حلقة مهمة حيث تصبح دول آسيا الوسطى على وجه التحديد بأن يكون لها 3 منافذ للأسواق العالمية حيث من الشرق عبر الصين والجنوب عبر إيران والغرب عبر روسيا وتكون تلك المنطقة تكتلًا اقتصاديًا مهمًا في مواجهة الغرب، وهو ما يمكن ربطه بمبادرة الحزام والطريق التي أعلنت عنها الصين في عام 2013، كما أن الشراكة بين الصين وإيران تقلق دولًا كتركيا التي تحاول السيطرة على دول آسيا الوسطى والقوفاز وتعتبرها امتداد جغرافي وتاريخي وثقافي لها وبمثل هذا الاتفاق يمثل تهديد من جانب آخر على الأهداف التركية .

 

هل من مخاطر؟

رُغم هذا الترابط القوى الذي يجمع الطرفين الصيني والإيراني إلا أن هناك العديد من المخاطر التي تحيط به وتهدده ومنها:

1-الاتفاق جاء كرد فعل للضغوطات التي يتعرض لها الجانبان من قبل الولايات المتحدة وبالتالي في حالة الوصول إلى اتفاق نهائي مع الولايات المتحدة سواء من الجانب الإيراني  أو الصيني يمثل صدعًا لهذا الاتفاق.

2-وجود ضغوطات داخلية على الجانب الإيراني حيث أن الشارع الإيراني غير مرحب بالاتفاق وهذا يجعل تلك الاستراتيجية معرضة للطعن الدستوري والقانوني لها.

3-كون الشرق الأوسط منطقة صراع مسلح بشكل عام يجعل الصين تريد أن تدخل بقدم وتترك الأخرى والدخول بالاستثمارات ليست بكامل قوتها خوفًا من تأثير تلك الصراعات على مشروعاتها الاقتصادية وهو ما يعرضها لآثار كبيرة.

خلاصة القول: أصبحت الصين شريان اقتصادي لإيران في الشرق الأوسط وأصبحت إيران موطيء قدم للصين في المنطقة وهو ما يثير مخاوف أمنية للولايات المتحدة الأمريكية، ويكون دافع تلك الشراكة  تكثيف المواجهات الدبلوماسية والاقتصادية ضد الولايات المتحدة، وذلك في محاولة لمزاحمتها في منطقة الشرق الأوسط ومناطق أخرى وزيارة وزير الخارجية الإيراني للصين تمهيدًا لزيارة الرئيس الإيراني تفتح الباب مجددًا للمخاوف الأمريكية وحلفاء أمريكا في الشرق الأوسط .و اأ