رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

كازاخستان.. هل ستصبح نواة للتوتر الروسي الغربي؟

نشر
الأمصار

تشهد كازاخستان مظاهرات متصاعدة على مدار الأيام الماضية حيث قُتل العشرات من المتظاهرين المتظاهرين أثناء محاولاتهم الاستيلاء على مبان إدارية في كازاخستان، كما أعلنت شرطة كازاخستان أنها تواجه أعمال شغب وحالة كبيرة من الفوضى.

كما أعلن التلفزيون الرسمي أنه قُتل 12 شرطيًا في احتجاجات مدينة ألماتي العاصمة الاقتصادية لكازاخستان، ومن هذا المنطلق يتناول التقرير الأحداث في كازاخستان كما يلي:

موقع كازاخستان

وتقع كازاخستان في قارتين، حيث الجزء الشمالي في آسيا الوسطى والجزء الغربي في أوروبا الشرقية، ولها حدود مع الصين وروسيا، إضافة إلى الحدود أوزبكستان وقيرغيزستان وتركمانستان.

 

الوضع الاقتصادي في كازاخستان

تعتبر كازاخستان من أكثر دول آسيا الوسطى غنى بالثروات الطبيعية كالنفط والذي شكّل نسبه قدرها 21% من إجمالي الناتج المحلي وفقًا لإحصاءات عام 2020 ، وإلى جانب النفط هناك ثروات كالغاز الطبيعي واليورانيوم، وتُعَدّ الصين أحد أهم الشركاء الاقتصاديين، خاصة بعد مبادرة الحزام عام 2013، كما أن كازاخستان أيضًا تعتبر حليفًا استراتيجيًا رئيسيًا لموسكو.

ورُغم الوفورة في الثروات الطبيعية والاحتياطات النفطية، تعاني كازاخستان من أزمات مالية، حيث يبلغ متوسط دخل الفرد حوالي 600 دولار شهريا، كما يعاني النظام المصرفي من أزمات معقدة نتيجة القروض المتعثرة وقضايا الفساد المنتشرة.

أسباب الاحتجاجات الأخيرة

فيما خرجت المظاهرات بعد ما أقدمت السلطات في كازاخستان  على رفع أسعار البترول المسال، والذي يستخدمه كثيرون لسياراتهم، مما أدى إلى ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية، وتحولت المظاهرات لموجة من العنف  مع لجوء الشرطة لاستخدام الغاز المسيل للدموع وقنابل الصوت في ألماتي وهى أكبر مدن كازاخستان وعاصمتها السابقة.

 

وفي هذا الصدد تم إعلان حالة الطوارئ، وقطع خدمة الإنترنت، وعلى إثر هذا قام الرئيس الرئيس الكازاخي قاسم جومارت توكاييف بحل الحكومة، واصفًا: ” بأنها من وصل بالبلاد إلى حالة من الاضطراب”، واعدًا: ” بعودة أسعار الوقود إلى ما كانت عليه من انخفاض حفاظا على استقرار البلاد”.

ولكن رُغم حل الحكومة وإعادة أسعار الوقود إلى ما كانت عليه، إلا أن المتظاهرين لم يغادروا الشوارع، وأصبحت مدينة  جاناوزن مركزًا للمظاهرات، وحدد المتظاهرون مطالب رئيسية وهى:

  • تغيير حقيقي للحكومة، إجراء انتخابات مباشرة لحكام المقاطعات الذين يعيّنهم رئيس البلاد، العودة إلى دستور 1993 الذي حدّد فترات الرئاسة وسلطات الرئيس.
  • عدم اضطهاد الناشطين المدنيين، علاوة على ذلك السماح بشغل مناصب لشخصيات لا تربط بينها وبين النظام الحالي أي صلة.
أعمال العنف في كازاخستان

رد فعل رئيس كازاخستان

وعلى ضوء هذه الأحداث أعلن رئيس كازاخستان قاسم جومارت توكايف من خلال مجموعة من التغريدات عبر تويتر أن: ” بلاده تعرضت لعدوان مسلح نفذه إرهابيون مدربون في الخارج”، مشيرًا إلى: ” أنه تم رصد 20 ألفا منهم في ألما آتا وحدها”.

وعبر تصريح آخر أوضح :” إن موجة الاحتجاجات التي شهدتها البلاد منذ 2 يناير أدت إلى تصعيد لاحق للعنف في كل أنحاء البلاد وأشعلت أعمال شغب جماعية وهجمات على المباني الحكومية والمنشآت الإدارية والقواعد العسكرية والاستيلاء على مطار ألما آتا وطائرات محلية وأجنبية”.

وأضاف “أظهر تحليل الوضع أن كازاخستان واجهت عملية عدوان مسلح تم تدبيره وتنسيقه جيدا من قبل المنفذين والعصابات الإرهابية الذين تلقوا تدريبات في خارج البلاد”.

وأسرد “أفراد العصابات والإرهابيون مدربون ومنظمون جيدا للغاية وتجري قيادتهم من مركز خاص، بعضهم تحدثوا بلغات غير كازاخية، كما كانت هناك 6 موجات من هجمات الإرهابيين في ألما آتا على الأقل، وبلغ عددهم العام 20 ألف شخص”.

ومن خلال تصريح آخر عن هجمات الإرهابيين: “ضربوا وقتلوا رجال الشرطة والجنود الشباب، وأضرموا النار في المباني الإدارية، ونهبوا المنازل الخاصة والمتاجر، وقتلوا المواطنين المدنيين، واغتصبوا الشابات. من وجهة نظري الأساسية: لا مفاوضات مع الإرهابيين، يجب أن نقتلهم”.

وكان الرئيس الكازاخستاني قد وجّه الدعوة بشكل رسمي إلى منظمة معاهدة الأمن الجماعي لإرسال مهمة حفظ سلام إلى كازاخستان، معلنًا في سياق آخر أنه: “تمت استعادة النظام الدستوري بشكل أساسي في جميع مناطق البلاد، والسلطات المحلية تسيطر على الوضع”.

وأكد أن: “الهيئات المحلية تسيطر على الوضع، لكن الإرهابيين ما زالوا يستخدمون أسلحة، ويلحقون أضراراً بممتلكات المواطنين”، وأيضًا أضاف : “السلطات الكازاخية استمعت إلى مطالب المواطنين التي تم التعبير عنها بأشكال سلمية، وأكد أنه سيتم تقديم أولئك الذين تم اعتقالهم خلال أعمال الشغب إلى للقضاء ليتحملوا مسؤوليتهم”.

وأعلنت وزارة الداخلية الكازاخية عن مقتل 26 مجرماً مسلحاً حيث تم إيضاح في بيان أمني: ” جميع مناطق كازاخستان تم تحريرها ووضعها تحت حماية معززة مع إقامة70 نقطة تفتيش في أنحاء البلاد”،  وأضافت أنه ” تؤمن قوات حفظ النظام والقوات المسلحة والرديفة لها، النظام العام، وحماية البنى التحتية الاستراتيجية، وتنظيف الشوارع”.

ومن جانب آخر  أعلنت :”السلطات الكازاخستانية اعتقال رئيس لجنة الأمن الوطني السابق، كريم ماسيموف، ومسؤولين آخرين للاشتباه في خيانتهم”.

رئيس كازاخستان

الموقف الروسي

كازاختسان بالنسبة إلى روسيا الظهير الاقتصادي لها حيث أن الثروات في كازاخستان محط اهتمام من الجانب الروسي وغالبًا أي مكان به ثروات يكون محلًا للصراع بين القوى الكبرى وهو ما يدفع روسيا للقلق من شأن تدخل غربي في كازاخستان والاستحواذ على الثروات هناك.

ومن هذا المنطلق وفي صدد تصاعد الأحداث، تواصلت عمليات الإمداد العسكري الروسية إلى كازاخستان عبر جسر جوي اشتمل على أكثر من 70 طائرة مخصصة لنقل الأفراد والمعدات وفقاً لبيانات وزارة الدفاع الروسية، حيث أفادت وزارة الدفاع الروسية أنها :

أرسلت 12 طائرة نقل عسكرية روسية من مطار «تشكالوفسكي» بالقرب من موسكو، وهي تنقل عسكريين من وحدة حفظ السلام التابعة لمنظمة معاهدة الأمن الجماعي، إلى كازاخستان،  وبينت الوزارة: “أنها تستخدم المطارات الواقعة في مقاطعات موسكو، وإيفانوفو، وأوليانوفسك لنقل الجنود والمعدات”.

وفي هذا السياق، أشاد الرئيس الكازاخستاني بدور قادة دول منظمة معاهدة الأمن الجماعي على الدعم الذي تقدمه لكازاخستان، مصرحًا :” أتوجه بعبارات امتنان خاصة إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فقد استجاب بسرعة لطلبي للمساعدة”.

وكانت روسيا في تصريح آخر  قد دعت: ” العالم إلى عدم التدخل في الأزمة الداخلية التي تشهدها كازاخستان، وأعرب المتحدث باسم الكرملين: ” أن أكازاخستان تستطيع حل شؤونها الداخلية بنفسها دون تدخل من أحد”.

وبشكل عام فإن روسيا تقلق من اندلاع أي أعمال شغب في أي بلد مقارب لها؛ خوفًا من كون ذلك يؤثر على أمنها القومي الداخلي ولذا دائمًا ما تسعى للتدخل في أي أعمال شغب وعلاوة على ذلك إقامة علاقات مع بعض البلدان المجاورة لجعل عمق استراتيجي لها وهذا يُستنثى منه الأزمة الأوكرانية المتصاعدة منذ فترة.

الرئيسين الروسي والكازاخستاني

رد الفعل الدولي

وازادات المخاوف الدولية وبالأخص الغربية من التدخل الروسي في كازاخستان وهو ما تعكسه تصريحات المسؤولين في هذه الدول كالتالي:

الولايات المتحدة الأمريكية: حيث حذرت على لسان وزير خارجيتها أنتوني بلينكن من :” أن كازاخستان ستجد صعوبة كبرى في الحد من النفوذ الروسي بعدما نشرت موسكو قوات لاحتواء الاضطرابات في الدولة المجاورة لها”، وإلى جانب ذلك أضاف الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس، أن :” هناك مخاوف من تحركات الجنود الروس قرب الحدود الأوكرانية، والتدخل في كازاخستان”.

فرنسا: ومن جانب آخر أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيسة مفوضية الاتحاد الأوروبي أورسولا فون دير لاين، إلى: ” وقف العنف الذي اندلع في كازاخستان”، كما أوضحت فون دير لاين في مؤتمر صحافي: “حقوق المواطنين وأمنهم أساسيان ويجب ضمانهما، داعية إلى «إنهاء العنف وضبط النفس”.

ألمانيا: دعت ألمانيا إلى ضرورة خفض التصعيد في كازاخستان، حيث قالت الناطقة باسم الحكومة الألمانية كريستان هوفمان :” العنف لم يكن يوما الرد المناسب”، مضيفة: ” أن برلين تدعو جميع الأطراف إلى خفض التصعيد والتوصل إلى حل سلمي”.

تركيا: تركيا من الدول التي تسعى دائمًا لجعل قدم لها في دول آسيا الوسطى باعتبارها امتداد استراتيجي وتاريخي وثقافي لها ومن هذا أعلنت أنقرة أن وزراء خارجية منظمة الدول الناطقة بالتركية اجتماعا طارئا، لبحث التطورات في كازاخستان.

فأن “الاجتماع سيكون عبر دائرة تلفزيونية مغلقة وتم إقراره عقب اتصال هاتفي بين وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو ونظيره الكازاخي مختار تيليوبردي”.

التصعيد الروسي الغربي

فأي أزمة تثار على المتسوى الإقيلمي أو الدولي وبالأخص عندما تكون روسيا طرفًا فيها دائمًا يدور في الأذهان تداعيات ذلك على مستويات التصعيد مع الغرب فالنماذج السابقة كثيرة وآخرها وأهمها الأزمة الأوكرانية، وبالحديث عن الأوضاع في كازاخستان فإن التدخل الروسي أثار الغضب الغربي مما دفع بمخاوف تصعيدات بين الجانبين حيث تزداد التوقعات بشأن أن الأزمة في كازاخستان تزيد لهيب التوتر مع الغرب واعتبارها امتدادًا للأزمة مع أوكرانيا.

كما أن ردود الفعل الغربية ترتبط بمخاوفها بشأن هيمنة روسية فقط على كازاخستان نظرًا للأهداف الاقتصادية وذلك في ظل يقين غربي بأن العلاقات بين كازاخستان وروسيا قوية ، ومن ثم الميل الكازاخستاني سيكون أكثر لروسيا.

خلاصة القول تشهد كازاختسان أحداث عنيفة على مدار أيام دفعت بالرئيس الكازاخستاني إلى الاستعانة بروسيا وقوات حفظ السلام وذلك بعد إعلانه بأن هذا ناتج عن أعمال إرهابية مدفوعة من الخارج؛ نظرًا للعلاقات المستقرة التي تجمع البلدين وقربهما الجغرافي، وهذا حفّز المخاوف الغربية بشأن التدخل الروسي، كم ومن ثم يمكن القول بأن الأوضاع  في كازاخستان في ظل الأحداث في أوكرانيا ستكون سببًا رئيسيًا لتوتر العلاقات الروسية الغربية في الفترة المقبلة.