رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

الجزائر والمغرب.. هل يقتربان من خط المواجهة؟

نشر
الأمصار

تتسم العلاقات بين الجزائر والمغرب بالاضطراب الدائم فعلى مرور عقود طويلة كانت القطيعة هى السمة المميزة بينهما حيث أن في عام 1998 كان العام الذي عادت فيه مياه العلاقات إلى مجاريها بعد انقطاع دام 12 عامًا إلا أن تعود مرة أخرى إلى القطيعة، وذلك رغم الارتباط الثقافي واللغوي والشعبي والجغرافي الذي يربط البلدين إلا أن سمة الصراع هى الأكثر تميزًًا ، ومن هذا المنطلق يعرض التقرير الخلاف الجزائري المغربي والاحتمالات الناتجة عنه كالتالي:

جذور الخلاف

تعد مشكلة الحدود بين البلدين هى نقطة الخلاف الأولى التي انطلق منها ففي مارس 1963 أجرى العاهل المغربي حينها زيارة إلى الجزائر التقى فيها الرئيس الجزائري ليبحث معه قضية الحدود بينهما ولكن تلك المباحثات لم تسفر عن نتائج مرضية، حيث خلال خمسة أشهر فقط تم نشوب حرب الرمال في أكتوبر 1963، وفي مارس عام 1976 تم قطع العلاقات الدبلوماسية بسبب دعم الجزائر لجبهة البوليساريو في قضية الصحراء وبالتالي قُطعت العلاقات بين البلدين لسنوات عدة .

و في مايو عام 1988 عادت العلاقات بين البلدين وسادت فترة الهدوء النسبي والتي أدت إلى إنشاء اتحاد المغرب العربي وظل لمدة عام، وبعد ذلك جددت الخلافات مرة ثانية باتهام المغرب للجزائر بشأن تفجيرات استهدفت الحدود في مراكش ما نتج عنه خلافات الحدود البرية وفرض التأشيرات على مواطني البلدين وتراجع حاد في العلاقات وفي مارس عام 2005 اجتمع الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة والعاهل المغربي الملك محمد السادس وذلك في إشارة لتحسن العلاقات بين البلدين وطل صفحة الخلاف .

وفي نوفمبر عام  2015 واحتفال الجزائر باندلاع ثورة التحرير فرصة لانعاش العلاقات مرة أخرى بعد أن أرسل العاهل المغربي محمد السادس برقية تهنئة للرئيس الجزائري ولكن لم يدوم الأمر طويلًا فقد حدثت مشادات كلامية بين مندوبي البلدين في الجامعة العربية في مارس 2017 على خلفية قرار بالترحيب بعودة المغرب للاتحاد الأفريقي أعاد توتر العلاقات بين البلدين.

وبعد مدة من محاولات بسط الاستقرار عادت أزمة الصحراء إلى الجبهة مرة أخرى في ديسمبر 2020 بعد اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بسيادة المغرب على الصحراء وهو ما قابله تحفظ جزائري وشهد أغسطس من العام 2021 تبادل اتهامات بين الدولتين فالجزائر اتهمت المغرب بالأفعال العدائية فردت المغرب بعملية عدوانية ضد الجزائر وبعد أيام أعلن الجزائر على لسان وزير الخارجية “رمضان العمامرة” قطع العلاقات مع المغرب.

الحدود الجزائرية المغربية

العودة إلى الوراء

عندما أعلن وزير الخارجية الجزائري عن قرار بلاده قطع علاقاتها الديبلوماسية مع المغرب، بدا القرار بالنسبة لعدد من المراقبين وكأنه تحصيل حاصل حيث أن مستوى العلاقات الاقتصادية والتجارية والتبادل البشري يكاد يكون في أدنى مستوياته، وحتى مشروع أنبوب الغاز المغاربي الأوروبي الذي كان ثمرة المصالحة قبل ثلاثة عقود، بات لا قيمة له.

يعيد القرار الجزائري العلاقات إلى نقطة الصفر كما يمكن أن يكون مؤشرًا على دخول العلاقات منطقة عالية المخاطر، في مرحلة حساسة تتزايد فيها حالة الاستقطاب الإقليمي والعالمي حول القارة الأفريقية وخصوصا شمالها.

وفي أواخر ديسمبر من العام 2021 أفادت تقارير صحفية أن المغرب شرع بنشر وحدات من الدرك الحربي على طول الحدود الشرقية مع الجزائر انطلاقًا من شمال المحبس، وصولًا إلى البحر الأبيض المتوسط، وذلك كرد فعل على تحركات جزائرية تشمل نشر صواريخ على الحدود مع المغرب بعد تفاقم التوتر بعد مقتل ثلاثة سائقين جزائريين عقب حادث استهداف شاحنتين كانتا في طريقهما إلى موريتانيا والقصة هى أنه نشرت وسائل إعلام موريتانية خبر مقتل ثلاثة سائقين جزائريين في الصحراء الغربية، وقد نفت موريتانيا ذلك لكن الجزائر أكدت الخبر بعد ثلاثة أيام.

وبعد أسابيع هدأت الأوضاع نسبيًا وهنا كان هناك ترقبات وتخوفات من وقوع حرب نتيجة تقارب الدولتين جغرافيًا فضلًا عن تقاربهما في مستوى التسلح العسكري مما ينذر بخطر.

تدخل إقليمي

تؤدي إسرائيل دورًا كبيرًا في تحفيز الخلاف الجزائري المغربي ، حيث أن نتيجة تطبيع العلاقات بين إسرائيل والمغرب، قطعت الجزائر علاقاتها بالمغرب، وذلك ردًا متبادل بين الجانبين حيث على الجانب الجزائري يعتبر ردًا على ما اعتبرته دعمًا من الطرفين لحركة انفصالية تنشط فى منطقة القبائل الجزائرية، ومن الجانب المغربي  فهو دعم اعتبرته الرباط ردًا من جانبها على مساندة الجزائر لجبهة البوليساريو التى تتنازع مع الرباط حول الصحراء المغربية.

فالجزائر قلقة من التقارب المغربى الإسرائيلي، وترى أنه لا مجال للمقارنة بين قضية الصحراء بوصفها مشكلة دولية وبين منطقة القبائل التى تعد جزءً من أراضيها، وهذا دفعها لوقف إمدادات الغاز لإسبانيا عبر الأراضى المغربية، لحرمان الرباط من عائدات مالية وحصة من الغاز.

وعلى الواقع العملي فالأزمة تتجه لمزيد من التصعيد، فإسرائيل أعلنت وقوفها إلى جانب المغرب، وإيران تتحرك لتعزيز علاقاتها بالجزائر، وأمريكا وفرنسا تحاولان الوساطة، فتقارب جزائرى إيرانى هو آخر ما تريده الولايات المتحدة وفرنسا.

دور عربي ودولي

جامعة الدول العربية

على خلفية محاولات حل الأزمة بين الجانبين الجزائري والمغرب طالب أحمد أبوالغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية: ” الجانبين بتجنب تصعيد الأزمة، حفاظاً على استقرار البلدين والمنطقة العربية”، كما صرّح مصدر في الأمانة العامة للجامعة في بيان : “بأن الجزائر والمغرب بلدين رئيسيين في منظومة العمل العربي المشترك، وأن الأمل لا يزال معقوداً على استعادة الحد الأدنى من العلاقات، بما يحافظ على استقرارهما ومصالحهما واستقرار المنطقة”.

  • مجلس التعاون الخليجي

في هذا السياق أصدر مجلس التعاون الخليجي بيانًا دعا فيه المغرب والجزائر إلى الحوار وتجنب المزيد من التصعيد للأزمة القائمة ،وقد أعرب الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي نايف الحجرف، عن أسفه لتطورات الأزمة بين الجزائر والمغرب، بعد قطع العلاقات الدبلوماسية بين الطرفين”، مؤكدًا :”أن المملكة العربية السعودية أجرت تحركات دبلوماسية عاجلة في محاولة لحل الصراع بين البلدين”.

  • الإمارات : أكد الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي الإماراتي، “حرص الإمارات الدائم على متانة العلاقات العربية الإيجابية ووحدتها وتطويرها بما يخدم مصالح الشعوب ويعزز ازدهارها ونهضتها”، قائلًا : “دولة الإمارات لطالما سعت إلى تعزيز وتمتين العلاقات العربية، ومن هذا المنطلق فإنها تأسف للتطورات الحاصلة بين الجزائر والمغرب وقطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين”، مضيفًا: “الإمارات ترتبط بعلاقات أخوية متينة مع كلا البلدين وتسعى إلى تنميتها بما ينسجم مع توجه الدولة الداعم لكل الجهود المشتركة التي تخدم القضايا العربية”.
  • السعودية: صرّحت على لسان وزارة الخارجية في بيان : ” إن حكومة المملكة تأمل في عودة العلاقات بين البلدين بأسرع وقت ممكن”، داعية الدولتين المتنازعتين إلى :””تغليب الحوار والدبلوماسية لإيجاد حلول للمسائل الخلافية بما يسهم في فتح صفحة جديدة للعلاقات بين البلدين الشقيقين، وبما يعود بالنفع على شعبيهما، ويحقق الأمن والاستقرار للمنطقة، ويعزز العمل العربي المشترك.”
  • الكويت: أعلنت دولة الكويت أنها “تابعت بأسف بالغ تطورات العلاقات بين الأشقاء في كل من المملكة المغربية والجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية”، مؤكدة : “طي هذه الصفحة بما يعكس حكمة قيادتي البلدين ويجسد ما يربطهما من وشائج وعلاقات ويحقق تطلعات شعبيهما ويعزز الأمن والاستقرار ليكمل الأشقاء دورهما في تعزيز العمل العربي المشترك وما يواجهه من تحديات”.
  • منظمة التعاون الإسلامي: حثت منظمة التعاون الإسلامي كلا الطرفين على “الحوار” لحل المشاكل القائمة بينهما، داعية إلى “اعتماد لغة الحوار لحل ما قد يطرأ من اختلاف في وجهات النظر”.
مجلس التعاون لدول الخليج العربية

-على الجانب الدولي:

  • موقف الأمم المتحدة: طالب أنطونيو غوتيريش، المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، الدولتين بإيجاد سبيل لتطوير العلاقات بما في ذلك من أجل ضمان السلام والأمن في المنطقة”، ودعت الأمم المتحدة المغرب والجزائر؛ لإيجاد حل سريع لتطوير العلاقات وإرساء قواعد الأمن.
  • دعت فرنسا كلا من الجزائر والمغرب، على العودة إلى منطق “الحوار” من أجل “الاستقرار” في منطقة المغرب العربي، حيث صرّحت على لسان الخارجية في بيان إن “فرنسا تبقى بالطبع متمسكة بتعميق العلاقات والحوار بين دول المنطقة، من أجل ترسيخ الاستقرار والازدهار فيها”.

سيناريوهات في 2022

من المتوقع أن تصير الأزمة الجزائرية المغربية إلى عدد من السيناريوهات المختلفة وهى:

السيناريو الأول: أن تأخذ التصعيدات بين البلدين وقتها ثم تعود إلى التهدئة مثلما حدث من قبل حيث الترواح بين التصعيد والتهدئة وهو سيناريو ليس ببعيد فقد حدث من قبل وهو يعد مؤشرًا لحدوثه مرة أخرى.

السيناريو الثاني: وهى أن تحاول الوساطة العربية وضع أسس لتحجيم الخلاف بين البلدين ولكن هذا ليس بحل نهائي لأنه لا تزال جذور الخلاف متأصلة.

السيناريو الثالث: أن يحدث تصعيد عسكري بين البلدين في ظل تدخلات من قوى إقليمية يهمها وبشدة تأجيج الصراع بين الدول العربية، وبالأخص أن القوتين العسكريتين للدولتين على مستوى متقارب بينهما، ولكن هذا قد يكون مستبعد إلى حد ما لأن كلا الدولتين تدرك آثار هذا الأمر.

خلاصة القول يعد عام 2022 استمرارًا لمزيد من التصعيدات بين الجزائر والمغرب لكن خيار حدوث مواجهة عسكرية مباشرة مستبعد لكون ذلك له تداعيات شديدة الأثر على الجانب الإقليمي ولكن كون انتهاء الصراع الجزائري المغربي بشكل نهائي أمر مستبعد تمامًا لأن التاريخ الدبلوماسي بين البلدبن لا يعطي مؤشرات إيجابية لذلك.