رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

الطائرات المسيرة.. حرب إيرانية لا تنتهي في العراق واليمن

نشر
الطائرات المسيرة
الطائرات المسيرة واستخدامها من قبل إيران في العراق واليمن

تشير الملامح الأولية لمحاولة الاغتيال الفاشلة التي استهدفت رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، إلى أنها لا تبتعد كثيراً عن معاقل المليشيات الولائية لإيران.

مصطفى الكاظمي

وبحسب تصريحات رسمية، فإن 3 طائرات مسيرة أسقط منها اثنتان، استهدفت منزل الكاظمي في المنطقة الرئاسية المحصنة التي تدور عند أعتابها منذ أيام أحداث صاخبة.

ومنذ أبريل الماضي، شهدت الحرب المعلنة من قبل المليشيات الولائية لإيران ضد الأهداف الأمريكية في العراق، تحولاً كبيراً عندما هاجمت طائرة مسيرة قاعدة لهم في محافظة أربيل عند إقليم كردستان.

واعتمدت الفصائل المسلحة المقربة من إيران صواريخ الكاتيوشا عبر منصات مصنعة محلياً في مهاجمة أماكن مقار القوات الأمريكية الدبلوماسية والعسكرية ما قبل ذلك التاريخ.

وبعد نحو شهر هاجمت ثلاث طائرات مسيرة محملة بالصواريخ قاعدة “عين الأسد” العسكرية، في الأنبار غرب العراق، أسفر عن إحداث أضرار بالغة في مدرج لمطار عسكري وإصابة لعناصر فنية عسكرية.

وتوالت بعدها هجمات الطائرات المسيرة حتى وصلت إلى العاصمة بغداد في أكثر من مرة، استهدف أولها السفارة الأمريكية ببغداد، قبل أن تسقطها دفاعات الدرع الصاروخي الـCRM، التي تطوق المبنى.

وعدت واشنطن حينها ذلك تطوراً خطيراً ينذر بفتح المواجهة على مصراعيها متوعدة برد قاس يستهدف المليشيات المهاجمة.

وتبنت بعض الفصائل المليشياوية الهجمات التي نفذت بطائرات الـ”درون”، وتوعدت بمزيد من الهجمات المماثلة بذريعة الضغط على الولايات المتحدة لإخلاء قواعدها العسكرية من العراق.

وكان مسؤولون عسكريون ودبلوماسيون قد صرحوا بأن عناصر الفصائل بدأوا باستخدام طائرات مسيرة صغيرة ثابتة الجناحين تحلق على ارتفاع منخفض للغاية بحيث يتعذر على الأنظمة الدفاعية التقاطها.

تصعيد مليشياوي

ويفاقم خطورة استخدام الطائرات المسيرة في الحرب التي تعتمدها المليشيات ضد القواعد الأجنبية وممن يعترض مصالحهم من كون الدفاعات الجوية العراقية لا تمتلك القدرات الكافية للتعامل مع مثل تلك الهجمات.

المغرب وإسرائيل يتفقا على إنشاء مصنعين متخصصين لصناعة الطائرات الحربية

وكانت خلية الإعلام الأمني أعلنت في يونيو الماضي إسقاط طائرتين مسيرتين محملتين بالمتفجرات قرب معسكر الرشيد القديم جنوبي العاصمة بعد نحو 4 أيام على عملية مماثلة استهدفت مطار بغداد.

وكشفت التحقيقات الأولية أن إحدى المسيرات التي أسقطت جنوبي العاصمة إيرانية الصنع من نوع شاهد X، وهي تشابه في بعض تصاميمها تلك التي يمتلكها الحوثيون في اليمن.

وجاء التصعيد من قبل الفصائل المليشياوية باستخدام الطائرات المسيرة، بعد اختناق إيراني من محادثات فاشلة مع المنظومة الغربية بشأن برنامجها النووي، وهو ما عده مراقبون ورقة ضغط تستخدمها طهران لحلحلة الملف عبر العراق.

وكانت الفصائل المرتبطة إيرانياً دوماً تبرر عملياتها الهجومية عبر الطائرات المفخخة بأنها تضغط عسكرياً لإخراج القوات القتالية الأجنبية من العراق.

وتتحدث تقارير لمراكز استراتيجية مختصة بالأمن الدولي والإقليمي أن الطائرات المسيرة المستخدمة من قبل المليشيات تأتي على شكل قطع من إيران يجرى تجمعيها محلياً من قبل المليشيات داخل العراق.

وفي العام الماضي، أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاجون” أنها تقوم بتحديث كل أنظمتها المضادة للمسيرات بما في ذلك أدوات التشويش اليدوية والتحكم اللاسلكي للمسيرات الصغيرة إلى الأنظمة الكبيرة المضادة للصواريخ.

منزل الكاظمي تحت وطأة المسيّرات

وعلى ما يبدو أن الطائرات الـ”درون” لن تكتفي بمهاجمه المقار الأجنبية وملاحقة المصالح الأمريكية في العراق، بعد أن وصلت ليل اليوم إلى منزل رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي.

وتعد هذه الحادثة الأولى من نوعها التي تستهدف رئيس وزراء بشكل علني وصريح منذ عام 2003، وكذلك هو الهجوم الأول من نوعه الذي ينفذ عبر طائرة بلا طيار.

وتذهب يد الاتهامات نحو تلك المليشيات التي فاقم غضبها نتائج الانتخابات العراقية بعد تراجع حظوظها وإفلاس البعض الآخر منها.

وسبق حادثة الاغتيال الفاشلة التي استهدفت منزل رئيس الوزراء بـ3 طائرات مسيرة، في ساعات مبكرة، أحداث صاخبة على وقع مهاجمة أنصار قوى ولائية خاسرة قوات حفظ النظام بعد محاولتهم اقتحام المنطقة الرئاسية المحصنة.

وأسفرت تلك الاشتباكات عن سقوط قتيل ونحو 125 جريحا من كلا الجانبين.

وتحدثت مصادر أمنية أن عناصر بين صفوف المحتجين أمام المنطقة الرئاسية ببغداد منذ أيام، فتحوا النار من أسلحة خفيفة باتجاه قوات الأمن المكلفة بحماية “الزون الأخضر”.

وعلى الرغم من أن الأداة والطريقة لا تنفك من عمل مليشياوي قريب من إيران، إلا أن قادة الفصائل المسلحة سارعت إلى نفض يدها مما حدث.

حيث قال رئيس مليشيات “عصائب حزب الله” قيس الخزعلي إنها “محاولة لخلط الأوراق بعد يوم على أحداث المنطقة الخضراء”.

وفي وقت سابق، الطائرات المسيرة التي تستخدمها إيران ومليشياتها في مهام استطلاع وهجمات إرهابية في مختلف أرجاء الشرق الأوسط، تثير قلق واشنطن.

أثار تزايد استخدام إيران ومليشياتها الطائرات المسيرة في مهام استطلاع وهجمات إرهابية في مختلف أرجاء الشرق الأوسط، قلق واشنطن، في ظل تصاعد التوتر بين الجانبين.

وكشفت طهران،  الأربعاء، عن انضمام 3 طائرات مسيرة جديدة ذات طابع هجومي إلى مجموعة طائرات أخرى من الطراز نفسه بحوزة الجيش الإيراني.

مراقبة القوات الأمريكية بالعراق

وأكد مسؤولون أمريكيون أن المليشيات المسلحة التابعة لإيران في العراق زادت مراقبتها -في الفترة الأخيرة- للقوات والقواعد الأمريكية باستخدام طائرات مسيرة.

التصريحات الأمريكية كشفت عن الطرق العديدة التي تعتمد عليها طهران ومليشياتها التي تدعمها بالطائرات المسيرة في أماكن مثل اليمن وسوريا ومضيق هرمز والعراق.

وقال مسؤول أمريكي، بحسب وكالة رويترز، إنه إلى جانب مهام الاستطلاع، يمكن للطائرات المسيرة الإيرانية أن تسقط ذخيرة أو تنفذ “طلعة انتحارية حيث يتم تزويدها بالمتفجرات وتوجيهها إلى هدف ما”.

وأكد المسؤول الأمريكي أنه تم رصد زيادة في أنشطة الطائرات المسيرة في العراق قرب القواعد الأمريكية التي تعرضت إلى هجوم عن طريق قذائف مورتر وصواريخ في الأسابيع القليلة الماضية.

مما دفع واشنطن، بحسب المسؤول الأمريكي، إلى إرسال تحذيرات بشكل غير مباشر لإيران، قائلا إنها ستعتبر أي هجوم ينفذه وكلاء طهران من المليشيات الموجودة بالعراق على قوات أمريكية، هجوما من إيران نفسها.

كما أكد مسؤولان أمنيان عراقيان على علم بأنشطة المليشيات الإيرانية في العراق، أن تلك الأذرع الإيرانية تلقت تدريبا على استخدام الطائرات المسيرة على يد أعضاء من مليشيا الحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني.

وكانت المليشيات التابعة لإيران بدأت في استخدام الطائرات المسيرة خلال عامي 2014 و2015 أثناء معارك استعادة مناطق من قبضة تنظيم داعش، ليتطور الأمر بعد ذلك إلى استخدام تلك الطائرات في استهداف القوات الأمريكية داخل الأراضي العراقية.

كما شنت مليشيا الحرس الثوري الإيراني المصنفة منظمة إرهابية من جانب واشنطن قبل 3 أشهر، غارات بواسطة طائرة مسيرة من طراز “مهاجر 6” ضد أهداف زعمت وجود مجموعات مسلحة بها في نطاق إقليم كردستان العراق، 12 يوليو/تموز الجاري.

مليشيا الحوثي باليمن

زادت مليشيا الحوثي المدعومة من إيران في اليمن بدرجة كبيرة الفترة الماضية، من هجماتها الإرهابية باستخدام الطائرات المسيرة، حيث هاجمت مطارات ومنشآت نفطية في السعودية.

وعكفت طهران خلال الفترة الماضية على تصدير تكنولوجيا الطائرات المسيرة إلى ذراعها في اليمن مليشيا الحوثي الانقلابية، بخلاف تقديم المشورة لها فيما يتعلق باستخدامها من خلال خبراء في مليشيا الحرس الثوري وحزب الله.

ويقول خبراء في الأمم المتحدة: إن مليشيا الحوثي تمتلك حاليا طائرات مسيرة قادرة على إسقاط قنابل أكبر على مسافات أبعد وبدقة أشد من ذي قبل.

وتستخدم مليشيا الحوثي الطائرات بدون طيار الإيرانية الصنع لشن هجمات إرهابية واستهداف المدنيين، حيث نجحت قوات التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، في اعتراض وإسقاط 3 طائرات حوثية بدون طيار، تم إطلاقها باتجاه مدينتي جازان وأبها السعوديتين.

وخلال الفترة الماضية، وجهت قوات التحالف العربي ضربات قاصمة للمليشيا الحوثية المدعومة من إيران، حيث تم استهداف قدرات المليشيا النوعية التي تستخدمها لإطلاق الطائرات المسيرة.

وتلعب الطائرات المسيرة دورا بارزا ضمن تهديدات إيران سواء لحركة الملاحة الدولية، أو شن ضربات ضد منشآت مدنية لدول الجوار، أو استهداف المصالح الأمريكية وقواعدها في العراق.

ما مدى تطور الطائرات المسيرة الإيرانية؟

تباهت إيران في مارس الماضي آذار بتدريب عسكري معقد شاركت فيه 50 طائرة مسيرة. وفي مقطع فيديو بثه التلفزيون الرسمي، حلقت أمواج من الطائرات المسيرة سريعا في السماء في استعراض للقوة لإلقاء الضوء على برنامج الطائرات المسيرة المطورة محليا في إيران، وهو برنامج كانت تعمل عليه لعدة سنوات.

ونبه دوغلاس باري الباحث في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية الذي يتخذ من لندن مقرا إلى أن بعض المزاعم الإيرانية “من الأفضل النظر إليها باعتبارها رسالة محلية”. وقال “لا شك في امتلاك إيران قدرات متزايدة في مجال الطائرات المسيرة. لكن السؤال الذي يبقى مفتوحا هنا هو بشأن مستويات التكنولوجيا الفعلية التي تستخدمها غالبا”.

وربما استُخدمت تكنولوجيا أميركية في تحسين برنامج الطائرات المسيرة الإيراني. فقد سقطت طائرة استطلاع أميركية متطورة من طراز آر.كيو-170 سنتينيل في شرق إيران في عام 2011، وقال قادة في الحرس الثوري إنهم تمكنوا من تطبيق الهندسة العكسية بشأنها، وهو زعم شكك فيه بعض المسؤولين الأمنيين والمحللين.

وقال جيريمي بيني محرر شؤون الشرق الأوسط وأفريقيا في مجلة جينز ديفنس الأسبوعية “أظهروا بالفعل بعض الطائرات التي تبدو متطورة بشكل متزايد فيما يتعلق بقدرتها على حمل أسلحة موجهة وتنفيذ مهام استطلاع بعيدة المدى”.

وأسقطت القوات الأميركية طائرات مسيرة إيرانية الصنع في عام 2017 في سوريا بعدما اعتبرتها تهديدا للقوات المدعومة من الولايات المتحدة ولمستشاريها.

تصدير تكنولوجيا الطائرات المسيرة

يقول مسؤولو أمن حاليون وسابقون ومحللون إن إيران أمدت حلفاءها في المنطقة بالطائرات المسيرة والخبرة الفنية.

وقال مسؤول في التحالف بقيادة السعودية، إن الحرس الثوري وجماعة حزب الله اللبنانية يقدمان المشورة للحوثيين فيما يتعلق باستخدام الطائرات المسيرة وغيرها من الخبرات الفنية عند الحاجة.

ويقول خبراء في الأمم المتحدة إن الحوثيين يمتلكون حاليا طائرات مسيرة قادرة على إسقاط قنابل أكبر على مسافات أبعد وبدقة أشد من ذي قبل. وفي مايو أيار، أصابت طائرات مسيرة محطتين لضخ النفط على بعد مئات الكيلومترات داخل الأراضي السعودية.

 وعن هذا الهجوم قال بريت فيليكوفيتش خبير الطائرات المسيرة وأحد قدامى المحاربين في الجيش الأميركي “إما أن تكون الطائرات المسيرة التي هاجمت خطوط الأنابيب قد أُطلقت من داخل الأراضي السعودية أو أن الحوثيين دعموا بصورة كبيرة قدراتهم بتكنولوجيا الأقمار الصناعية وجرى إمدادهم بقدرات لإطالة المدى”.

وقال أبو عبد الله، أحد قادة كتائب حزب الله، وهي إحدى الفصائل العراقية ذات الصلة الوثيقة بإيران، لرويترز في عام 2014 إن إيران قدمت التدريب على تشغيل الطائرات المسيرة التي كانت تستخدم في أغلب الأحيان لاستهداف مواقع تنظيم داعش.

وأضاف حينئذ أنهم كانوا يستخدمون الطائرات المسيرة في مهام استطلاعية لمواقع عسكرية أميركية في العراق وخلال الصراع في سوريا حيث قاتلت كتائب حزب الله دعما للرئيس بشار الأسد.

وقال مسؤولان أمنيان عراقيان مطلعان على أنشطة الفصائل العراقية المسلحة إنها أصبحت الآن تمتلك الخبرة الكافية لتعديل الطائرات المسيرة لاستخدامها في الهجمات.