رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

د. عبد الحفيظ محجوب يكتب: أوبك بقيادة السعودية تزداد رسوخا وقدرة على إدارة السوق

نشر
د. عبد الحفيظ
د. عبد الحفيظ

خرجت السعودية من جائحة كورونا أقوى سياسيا واقتصاديا مع ازدهار أسعار النفط وفقا لوكالة بلومبرغ، ممن لا يعرفون السعودية، ولا يعرفون قيادتها أنها الدولة التي استطاعت الخروج من أزمات كثيرة على سبيل المثال بعد غزو صدام حسين الكويت، وأزمة ثورات الربيع العربي عام 2011 التي يسميها البعض بالجمرة الخبيثة، بل لم تتوقف عند هذا الحد، دخل جيشها إلى البحرين وأنقذته من أنياب إيران، ثم تعاونت مع الجيش المصري وأنقذت مصر من أنياب الإخوان في 2013، ولم تتوقف عند هذا الحد أيضا بل قادت تحالف للقيام بوقف النفوذ الإيراني في اليمن ثم قادت تحالفات لمحاربة الإرهاب في عهد ترمب عام 2017، وهي ما زالت تواصل وقف النفوذين الإيراني والتركي صيانة للأمن العربي والإقليمي.

ففي أوائل عام 2020 ترى وكالة بلومبرغ أن السعودية كانت على حافة الهاوية بعد أن أدى الوباء إلى انهيار أسعار النفط، انخفضت احتياطيات السعودية بشكل كبير خلال السنوات الثماني الماضية مع انخفاض أسعار النفط، لكن وكالة بلومبرغ مستغربة كيف تمكنت السعودية مؤخرا في الارتفاع مرة أخرى، فكانت السعودية تخطط لعجز الميزانية قدره 140 مليار ريال في عام 2021، لكن مع نهاية الربع الثالث بلغت قيمة العجز 5.4 مليار ريال فقط، ونجاح السعودية في ذلك لا يعود فقط إلى ارتفاع أسعار النفط، بل أيضا بسبب الخطة الإصلاحية التي وضعتها السعودية ممثلة في رؤية المملكة 2030 بقيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في عام 2016، ولم يعد تعافي الاقتصاد معتمدا فقط على تعافي النفط، بل استطاعت السعودية من خلال برنامجها الإصلاحي التي تنتهجه من زيادة الإيرادات غير النفطية، وهذا لا يعني أن ننفي أهمية الإيرادات النفطية التي تدعم البرنامج الإصلاحي في تسارع تحقيق مستهدفاته.

ومن الخطأ الاعتقاد أن السعودية تسعى إلى رفع أسعار النفط فقط لتعزيز موازنتها المالية، لكنها هي مسؤولة من خلال دورها في منظمة أوبك+ تسعى مع الدول المنتجة ال23 دولة إلى توازن أسواق النفط، أيضا بعض التقارير الأمريكية تربط ارتفاع أسعار النفط إلى أن السعودية تجاهلت طلب بايدن في أغسطس 2021 إلى زيادة الإنتاج بسبب تجاهل بايدن التحدث مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وكان بايدن في تصريحاته لشبكة سي أن أن الأميركية ربط ارتفاع الأسعار بالسعودية وقال الكثير من الأشخاص في الشرق الأوسط الذين يريدون التحدث معه لكنه يستبعد التحدث معهم، في المقابل هناك مطالبات لبايدن أن يلتقي بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان باعتبار أن السعودية حليف قوي للولايات المتحدة وإذا أرادت واشنطن أن تصبح عظيمة فهي بحاجة إلى حليف عظيم مثل السعودية، والمشكلة في الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة بايدن ليس بعلاقتها بالسعودية ولكن بتناقضاتها في إدارة ملف الطاقة، عندما أعلن في 23 نوفمبر 2021 لخفض أسعار النفط من خلال طرح 50 مليون برميل ستسحبها الولايات المتحدة من احتياطياتها النفطية الاستراتيجية، وهي أكبر كمية تسحب على الإطلاق، ولا تستخدم الولايات المتحدة منها سوى النزر الضئيل من هذه الاحتياطيات المقدرة حاليا بنحو 609 ملايين برميل والمخزنة تحت الأرض في لويزانا وتكساس، في حالة حدوث كوارث طبيعية أو أزمات دولية وليس من أجل خفض أسعار النفط التي لم تصل إلى ما وصلت إليه في يوليو 2008 عندما وصلت إلى 147 دولار للبرميل.

 لم يفعل بايدن باستخدام الخمسين مليون برميل لتعديل الأسعار فحسب، بل فعل ذلك بالتنسيق مع دول أخرى ، وهو لم يحدث من قبل، وهل يقومبايدنبهذه الخطوة في هذا التوقيت بالذات قربانا لإيران من أجل أن يشجعاها على الاستمرار في المفاوضات في فيينا من أجل التوصل إلى اتفاق نووي الذي تقف السعودية عقبة أمام استعادة الاتفاق النووي الموقع في عهد أوباما في 2015، وتطالب بربطه بوقف نفوذ إيران في المنطقة، وأيضا مناقشة الصواريخ البالستية التي تهدد المنطقة، أيضا من أجل استعادة شعبيته المنهارة نتيجة سياسات بايدن الخضراء بحسب وكالة بلومبرغ.

 يبدو أن بايدنمنزعج من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الذي حاول اضاعفه لكنه يزداد قوة وتربع على مركز البنك الدولي النفطي في العالم، وبدأ يشعر بايدن أن هذا الصعود يفشل سياساته التي أتى بها لإضعاف السعودية التي تزاد يوما بعد يوم قوة وصلابة تقف أمام الأجندة الأمريكية في تمكين إيران في المنطقة على غرار أوباما الذي أفشلت السعودية كل الخطط التي دعمها أوباما في المنطقة التي كانت تهدف في محاصرة السعودية من الشرق والغرب والشمال والجنوب وتكون تحت الطوق من جميع الجهات، ويزعج بايدن كيف أن السعودية تحولت من الردع إلى الرعب لمواجهة وكلاء إيران في المنطقة، وبشكل خاص الحوثي وحزب الله وتمكنت من هندسة خسارة مليشيات إيران في العراق.

خصوصا وأن المحللين الاقتصاديين يستغربون من انتقال بايدن للخطة ب دون المرور بخطة أ لكيفية التعامل مع الأزمات، وهو متأكد من فشلها لأن السعودية لديها خبرات في قيادة أسواق النفط، وتستطيع التعامل مع مثل تلك الخطوات التي لجأ إليها بايدن رغم أنه رئيس أكبر دولة اقتصادية في العالم، خصوصا وأن الخطوة التي لجأ إليها خطوة سياسية وليست خطوة اقتصادية.

معالجة بايدن ارتفاع أسعار النفط التي هي بسبب ارتفاع أسعار الغاز والفحم باعتباره البديل الأفضل، حيث ارتفعت أسعار الغاز إلى الضعف في أمريكا وخمسة أضعاف في أوربا وآسيا ما يعادل 190 دولارا لبرميل النفط، وهو أمر لم تشهده سوق النفط من قبل، أي أنه أكثر من ضعف قيمة برميل النفط.

استفادت الشركات الأمريكية من سياسة أوبك التي تقودها السعودية وتعارض مثل تلك الإجراءات السياسية التي لا تخدم مصالحها، ويمكن لبادين وقف تصدير 2 مليون برميل وتحويلها للداخل الأمريكي، ولو صادق بايدن على خط كيستون القادم من البرتا بكندا بطول 3456 كيلو متر الذي يوفر 700 مليون برميل يوميا قبل مناشدته الدولية لكان أجدى، بعدما حفرت أمريكا 1400 بئر صخري في 2019 ساعدت الولايات المتحدة على تحقيق انتاج نفطي قياسي مرتفع بالقرب من 13 مليون برميل يوميا ، مرتفعا من 5 مليون برميل في 2011 بعدما أنفق القطاع الخاص 400 مليار دولار في تلك السنوات، ومن نحو 500 شركة أمريكية نتيجة انخفاض أسعار النفط في 2020 قد تنجو 50 شركة فقط وهناك فقط 10 شركات أمريكية لإنتاج النفط الصخري المهيمنة على الإنتاج.

والآن مستويات إنتاج الولايات المتحدة عند 11.5 مليون برميل يوميا بانخفاض 2 مليون برميل يوميا، وقد ذكر تقرير بيكر هيوز الأمريكي عن زيادة الإنتاج النفطي الأمريكي بزيادة 100 ألف برميل يوميا في نوفمبر 2021، لكنه منخفض عن المستوى القياسي البالغ 13.1 مليون برميل قبل انتشار الوباء، وزاد عدد الحفارات إلى 569 بزيادة 249 وهي أقل من الحفارات البالغ عددها 790 ما قبل الوباء.

قدمت السعودية تضحيات كبيرة لسوق النفط، فأقدمت على القيام بخفض تطوعي مليون برميل من حصتها من انتاج النفط من أول فبراير 2021، وأوضحت السعودية أنها تدعم سوق النفط وصناعته باعتبارها قائدة وحامية لسوق النفط نتيجة هذه التضحية ارتفعت أسعار النفط ولأول مرة حاجز 50 دولار للبرميل.

بعدما أعلن بايدن عن ضخ 50 مليون برميل من الاحتياطي الاستراتيجي ارتفعت الأسعار مباشرة في 24 نوفمبر 2021 مع استمرار شكوك المستثمرين بشأن فاعلية تحرك تقوده الولايات المتحدة للسحب من احتياطيات النفط الاستراتيجية إلى 82.44 دولار للبرميل بعدما قفزت 3.3 في المائة ارتفعت العقود الآجلة لخام غرب تكساس 20 سنت أو 0.3 في المائة إلى 78.7 دولار للبرميل، بالطبع يترقب المتعاملون في السوق رد فعل المنتجين في أوبك في 2 ديسمبر 2021 الذي يناقش الزيادة الدورية وقدرها 400 ألف برميل يوميا أو ما يعادل سياسة الإنتاج.

 وخطوة بايدن أتت والسوق النفطية تعاني ظروفا دقيقة ومعقدة للاقتصادات العالمية، بينها ارتفاع التضخم وتفاقم تكاليف الطاقة، حيث لا تزال أسعار النفط غير بعيدة عن أعلى مستوياتها في سبعة أعوام، بل السحب من الاحتياطات الاستراتيجية وفقا لجوران جيراس مساعد بنك زد إيه إف في كرواتيا إن الولايات المتحدة أقدمت على قرار السحب من المخزونات له سلبيات عديدة على المدى الطويل بالنسبة للاقتصاد الأمريكي، مشيرا إلى أن أوبك + لا تزال تدير المعروض العالمي وتسيطر بقوة على السوق.

كما أشار أندريه باييف المحلل البلغاري والباحث في شؤون الطاقة أن الطلب العالمي على النفط الخام يعاني مجددا في ضوء اتساع الإصابات الجديدة بالفيروس في أوربا وعودة الإغلاقات ما يضعف معنويات السوق ويجدد توقعات تعثر الطلب خاصة بعدما كشف معهد البترول الأمريكي عن زيادة في مخزونات النفط الخام والبنزين في الولايات المتحدة، حيث ارتفعت مخزونات النفط الخام 2.3 مليون برميل في الأسبوع، وارتفعت مخزونات البنزين 600 ألف برميل، على عكس الدور الاستراتيجي المستمر لإعلان تعاون أوبك + في توفير تيار حيوي من الاستقرار في سوق النفط العالمية، ولا سيما مع استمرار تعافي الاقتصاد من جائحة كوفيد19.

وستلتزم أوبك+ بضمان سوق النفط مستقرا ومتوازن لمصلحة المنتجين والمستهلكين والعمل على التعافي الاقتصادي العالمي المستمر، وأن يستمر التحالف مرنا ويقظا واستباقيا وشفافا في معالجة عدم اليقين الكبيرة والتكيف بشكل رشيق مع بيئة السوق الحالية المعقدة والمتطورة باستمرار، وتراهن أوبك على أن السوق ستتحرك قريبا وتعدل أساسياتها نحو تسجيل فائض في العرض في بداية 2022، ما يتطلب الحذر بشكل عام في قرارات زيادة الإنتاج، حيث تمكنت أوبك نتيجة سياساتها الحذرة وسياساتها الهادئة في أن تنجح في تراجع التوترات التي هيمنت على السوق، وشاركت أوبك في مؤتمر الأمم المتحدة في جلاسكو وفي أديبك في أبو ظبي دعت أوبك إلى اتباع نهج عادل وشامل ومتوازن للتصدي لتغير المناخ.

هبطت الأسعار بعد اكتشاف سلالة جديدة من فيروس كورونا بأكثر من 10 في المائة في 26 نوفمبر 2021 إلى 73.45 دولار للبرميل، وعزز المخاوف من فائض تضخم المعروض العالمي في الربع الأول من العام المقبل 2022، ما جعل أوبك تؤكد على أن السحب من المخزونات سيسفر على الأرجح عن تضخم الإمدادات في الشهور المقبلة، وذلك بحسب ما توصلت إليه خبراء تقدم النصح لوزراء دول أوبك، وأكد مجلس اللجنة الاقتصادية لأوبك أنه يتوقع فائضا قدره 400 ألف برميل يوميا في ديسمبر 2021 يزيد إلى 2.3 مليون برميل في يناير 2022 و 3.7 مليون برميل في فبراير إذا أمضت الدول المستهلكة قدما في عمليات السحب.

 ستقرر دول الأوبك في ديسمبر 2021 لاتخاذ قرار بشأن الإنتاج الفوري، وستقرر المجموعة ما إذا كانت ستواصل زيادة الإنتاج في يناير 2022، وإن كان قدر بنك جولدمان ساكس الحجم الإجمالي لعمليات السحب من المخزونات بنحو 70 مليونا إلى 80 مليون برميل وهو ما يقل عن حجم الاستهلاك العالمي في يوم واحد، ووصف البنك ذلك بأنه قطرة في محيط، وتوقع بنك جي بي مروجان أن تتوقف أوبك+ عن ضخ زيادة الإنتاج ال400 ألف برميل يوميا منذ أغسطس 2021، خصوصا وأن روسيا ملتزمة باتفاق أوبك+ وكذلك الإمارات ولا ترى أي منطق في ضخ مزيد من النفط، وكذلك الكويت، وأكد العراق أن أوبك تعاملت بحذر مع عمليات الضخ وخفض الإنتاج وأن سياسات أوبك حققت نجاحا كبيرا من أجل إعادة التوازن للسوق النفطية وإعادة الاستقرار بين العرض والطلب نتيجة الأزمات التي شهدها الاقتصاد العالمي حيث نجحت أوبك في امتصاص الفائض النفطي وتحسين الأسعار، ولا تريد أوبك أن تخسر هذا النجاح الذي حققته بضخ المزيد من النفط لأن أسواق النفط لا زالت هشة، ويمكن لأي كميات إضافية أن تؤدي على انهيار في الأسعار.

تواصل مجموعة المنتجين في أوبك+ استعداها للاجتماع المقبل مطلع ديسمبر 2021 وسط تراجع الضغوط عليها لزيادة الإنتاج بعد تعثر الطلب وإفراج كبرى الاقتصادات الكبرى، وستستمر أوبك في مواصلة سياساتها الحذرة خصوصا وأن أوبك+ تزداد رسوخا وقدرة على إدارة السوق، حيث تستمر في إدارة المعروض من خلال قيود الإنتاج تحسبا لتعثر الطلب، وهو ما حدث بالفعل بعد تفاقم الإصابات في أوربا، وقد تعيد النظر أوبك+ في خططها وفي وضع الزيادات الشهرية المتفق عليها بشكل أبطأ للتعويض عن البراميل الإضافية التي تم إطلاقها من أجل إعادة التوازن إلى السوق وعدم تكرار التداعيات الخطيرة التي حدثت بسبب الوباء في العام الماضي 2020، خصوصا وأن التنسيق المستمر بين السعودية وروسيا يحافظ على تماسك أوبك+ واستمرارية عملها بنجاح حيث يتفادى المنتجان الكبيران إنتاج وتصدير النفط بطريقة قد تغرق السوق بالنفط الخام.

 

[email protected]