تواجه الشركات الصناعية في الصين موجة جديدة من الضغوط الاقتصادية، بعد تسجيل تراجع ملحوظ في أرباحها للشهر الثاني على التوالي، في مؤشر يعكس تباطؤ الطلب المحلي، واستمرار الضغوط الانكماشية، إلى جانب تحديات خارجية أبرزها التوترات التجارية والرسوم الجمركية الأمريكية.
فما أسباب هذا التراجع؟ وكيف تتعامل بكين مع هذه التطورات في ظل سعيها لإعادة توجيه الاقتصاد نحو قطاعات ذات قيمة مضافة أعلى؟

واصلت أرباح الشركات الصناعية في الصين تراجعها خلال شهر نوفمبر، مسجلة انخفاضًا للشهر الثاني على التوالي، في دلالة واضحة على ضعف الطلب المحلي واستمرار الانكماش الصناعي، بحسب بيانات المكتب الوطني للإحصاء الصيني.
وأظهرت البيانات أن أرباح الشركات الصناعية انخفضت بنسبة 13.11% على أساس سنوي خلال نوفمبر، مقارنة بتراجع نسبته 5.5% في أكتوبر، ما يعكس تصاعد الضغوط على القطاع الصناعي وتراجع زخم التعافي خلال الأسابيع الأخيرة.
وعلى أساس تراكمي، سجلت أرباح القطاع الصناعي خلال الأشهر الإحدى عشرة الأولى من العام نموًا هامشيًا بلغ 1% فقط، مقارنة بزيادة قدرها 1.9% خلال الفترة من يناير إلى أكتوبر، وهو ما يشير إلى فقدان واضح في وتيرة الأداء مع اقتراب نهاية العام.

وعلى مستوى القطاعات، حققت شركات قطاع التصنيع نموًا في الأرباح بنسبة 5% خلال أول 11 شهرًا من العام، مدفوعة بالصناعات المتقدمة مثل الفضاء الجوي والإلكترونيات، في حين واصلت شركات المرافق العامة تحقيق نمو مستقر، بينما سجلت شركات التعدين تراجعات حادة تجاوزت 10%.
ويعكس هذا التباين حجم الضغوط التي تواجهها الشركات الصينية، في ظل تباطؤ الطلب المحلي، وتراجع الاستثمارات، وضعف نمو الاستهلاك، إلى جانب استمرار الانكماش الصناعي، كما تتزايد التحديات مع تصاعد التوترات التجارية، رغم الهدنة الجمركية القائمة مع الولايات المتحدة.
وفي هذا السياق، قال بيني كوك، خبير السياسات الدولية من هونغ كونغ، إن تراجع أرباح الشركات الصناعية الصينية لم يكن مفاجئًا، مرجعًا ذلك إلى التأثير المباشر للرسوم الجمركية الأمريكية المرتفعة، التي أدت إلى فقدان الصين جزءًا من أحد أكبر أسواقها الاستهلاكية.

وأوضح كوك أن الشركات الصينية باتت مضطرة لإعادة توجيه صادراتها نحو أوروبا والدول النامية، إلا أن هذه الأسواق لا تعوض بالكامل القوة الاستهلاكية الأمريكية، ما يفرض على الشركات إعادة النظر في نماذج المنافسة للحفاظ على بقائها في السوق.
وأشار الخبير إلى أن بكين باتت أكثر وعيًا بهذه التحديات، وتسعى لامتصاص الصدمة من خلال التركيز على التحول نحو الصناعات ذات القيمة المضافة المرتفعة، مثل أشباه الموصلات، والذكاء الاصطناعي، والصناعات التكنولوجية المتقدمة، بدلًا من الاعتماد على القطاعات التقليدية منخفضة القيمة.
وحول تأثير تراجع الأرباح على التوظيف والاستثمار، توقع كوك أن تشهد الصين خلال عام 2026 استمرارًا في ضعف بعض المؤشرات الاقتصادية، لكنه أشار في الوقت نفسه إلى أن صناع السياسات قد يتجهون إلى زيادة الحوافز الاقتصادية، سواء عبر دعم الاستثمار أو تقديم تسهيلات مالية ومنح لتعزيز الإنفاق المحلي وتحفيز ثقة المستثمرين.
وأكد أن هذه السياسات، رغم تكلفتها، تهدف إلى الحفاظ على استقرار الاقتصاد الصناعي، ومنع فقدان الوظائف، ودعم عملية التحول الاقتصادي، حتى وإن جاء ذلك على حساب زيادة الإصدارات من الأصول أو السندات الحكومية.
واختتم كوك بالإشارة إلى أن تراجع أرباح بعض القطاعات التقليدية قد يمثل تضحية مؤقتة في سبيل إعادة هيكلة الاقتصاد الصيني، وتحقيق انتقال استراتيجي نحو قطاعات أكثر قدرة على المنافسة عالميًا، خاصة في مواجهة الاقتصادات الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة.