اليومَ الاثنين ومع الاحتضار الأخير لعام 2025، يلتقي بنيامين نتنياهو بالرئيس دونالد ترمب في منتجعه الخاص بفلوريدا، ومنذ تحدد موعد اللقاء كُتب عنه وقيل فيه الكثير، هنالك من قدّر أن تطوراً إيجابياً سيحدث فيه، وهنالك من رأى عكس ذلك، ولكلٍّ تحليله الخاص وقرائنه ودوافع تفاؤله أو تشاؤمه، غير أن ما يجعل احتمالات الإيجاب ربما تتساوى مع احتمالات السلب، هو شخصية الرجلين اللذين سيجتمعان في فلوريدا وحاجاتهما، وهذا ما سيقرر خطواتهما وتحديداً في شأن ملف غزة الشائك.
ومع أن لقاءً على هذا المستوى بين حليفين استراتيجيين، لا بدَّ أن يكون جدول أعماله مفتوحاً.
شخصية كلٍّ من ترمب ونتنياهو وكيفية صنع القرارات من قبلهما، لا تشجّع على تحليلٍ دقيق، لنتائج اللقاء قبل حدوثه، فالرئيس ترمب مولع بإظهار تفاؤلٍ فيما لا يوجد فعلاً ما يدعو إليه، ونتنياهو يعتبر لقاءه في فلوريدا محطةً فاصلةً في مصيره القيادي، فهو يسافر ووراءه بحرٌ متلاطمٌ يمور بالأزمات والفضائح والتحديات، ما يجعل نتنياهو في هذه المرة بالذات، أشدَّ حذراً في لقائه مع ترمب من كل اللقاءات السابقة... إذن يصعب استنتاج إلى أي مدىً يتشدد أو يتساهل.
في الطريق إلى فلوريدا، حضّر نتنياهو ما يعتبر زوّادة الرحلة، لتمرير اللقاء «على خير» وزوّادته التي يعتبرها فعّالة، تتكوَّن من عناصر عدة؛ منها: إقحام الملف الإيراني كأولوية، ووضع الجثة المتبقية كأمرٍ مقررٍ في مجال الانتقال إلى المرحلة الثانية من عدمه، ووضع «فيتو» على من يشارك في قوة الاستقرار أو من لا يشارك، وعنوان ذلك تركيا.
وكذلك ضمّ الضفة، الذي لا يراه نتنياهو ممنوعاً عنه لمجرد أن ترمب أشار إلى ذلك، بل يريده موضوع تفاوضٍ مع أميركا، وكذلك الخط الأصفر الذي كان نتاج المرحلة الأولى، وتُعلن إسرائيل تمسكها به، كحدودٍ جديدةٍ مع غزة، إضافةً إلى المطلب التقليدي والمتفق عليه أساساً مع ترمب، وهو تجريد «حماس» من حكمها وسلاحها.
والاختلاف حول الكيفية، ذلك أن نتنياهو يسعى لأن تكون عملية التخلي عن الحكم والسلاح، بصورة نصرٍ مطلق، يصلح لتصديره شعبياً في الموسم المبكر لحملاته الانتخابية، التي يرى غزة عاملاً حاسماً في كسبها أو خسارتها.
العملية التي نفّذها رجلٌ فلسطينيٌّ من بلدة قباطية قضاء جنين، والتي أدّاها واحدٌ ممن تسميهم إسرائيل بالذئاب المنفلتة أي أنه قام بها باجتهادٍ خاصٍّ من جانبه؛ إذ لا سلاح ولا متفجرات، زوّده بهما فصيلٌ كـ«حماس» أو «الجهاد» أو غيرهما، هذه العملية لن يقدّمها نتنياهو بهذه الصورة، بل سيقدمها لترمب على أنها عملية إرهاب إيراني، تهدد وجود دولة إسرائيل، فإن لم تنفع لتبرير سعيه لتوريط أميركا في عملٍ عسكريٍّ مع إيران، فهو يراها نافعةً في تبرير عمليات المستوطنين في الضفة، بما في ذلك محاولة الدهس التي قام بها مستوطنٌ ضد شابٍّ فلسطيني كان يؤدي الصلاة على قارعة الطريق.
بديهيٌّ أن يكون نتنياهو قد حشد كل ما يلزم للحصول على دعم ترمب، أو تغاضيه عن كل ما يفعل في غزة والضفة والإقليم، وكل ما يفعل نتنياهو يتعارض مع برنامج ترمب المعلن بشأن غزة والإقليم.
نتنياهو يقف بين نارين، تجعلان من قدراته على فرض المرحلة الثانية بمواصفاتها وعناصرها الكاملة محدودة. ذلك أن الوسطاء الذين يمثلون العالم العربي والإسلامي، وكل العالم تقريباً يطوّقون ترمب بمبادرته وما تحويه من مراحل لا بد أن تُنفَّذ جميعاً لإغلاق ملف غزة، وفتح ملفات المنطقة على معالجاتٍ بشّر بها الرئيس ترمب وعيّن نفسه رئيساً للجهود المبذولة من أجلها.
مقابل ذلك يواجه ضغوطاً إسرائيلية معززة بضغوطٍ أميركية داخلية، من شأنها كبح جماح اندفاعته في تنفيذ مبادرته بكل مراحلها، أو أن تكون عملية تنفيذ المراحل المتبقية منسجمةً مع الأجندات الإسرائيلية الداخلية والإقليمية.
لقاء فلوريدا غير مسموح له بالفشل أميركياً وليس مسموحاً له بالنجاح إسرائيلياً، فهل لدى ترمب ومعاونيه حلول لهذه المعضلة؟ ربما وحسب طريقة رئيس مجلس السلام ورجل الحلول المستحيلة للقضايا المستحيلة، لا بدَّ أن يكون هناك ما يجنّبه الفشل المدوي بإنجاز نجاحٍ جزئيٍّ فاقع، كالإعلان عن تشكيل مجلس السلام الموسّع الذي قد يتكون أعضاؤه من معظم دول العالم، وكإيجاد تسويةٍ لا يموت فيها الذئب ولا تفنى الغنم، بشأن تشكيل قوة الاستقرار متعددة الجنسيات، ومن ضمنها تجاوز «الفيتو» الإسرائيلي على المشاركة التركية، وفتح مفاوضاتٍ حول باقي بنود المرحلة الثانية، وهذا ما تم بشأن المرحلة الأولى ولا يوجد ما يمنع من استنساخ التجربة على الثانية.
نقلًا عن صحيفة الشرق الأوسط