دراسات وأبحاث

عام على عودة ترامب للبيت الأبيض.. شعبية متراجعة وانقسام أمريكي غير مسبوق

الأحد 28 ديسمبر 2025 - 04:06 م
جهاد جميل
الأمصار

مع دخول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عامه الأول في ولايته الثانية، بدا المشهد السياسي في الولايات المتحدة مختلفًا عما كان عليه مطلع عام 2025.

 فالرئيس الذي عاد إلى البيت الأبيض بزخم انتخابي قوي، مدعومًا بقاعدة جماهيرية واسعة داخل الحزب الجمهوري، يواجه اليوم تراجعًا ملحوظًا في معدلات الرضا الشعبي، وسط انقسامات حادة تعكس حالة من القلق داخل المجتمع الأمريكي.

وبحسب استطلاعات رأي حديثة، تحولت بداية الولاية التي اتسمت بتوقعات مرتفعة ووعود بتغييرات جذرية، إلى عام مثقل بالجدل السياسي والتحديات الداخلية والخارجية، ما جعل تقييم الأداء الرئاسي محل تساؤل حتى بين بعض مؤيدي ترامب التقليديين.

أرقام تعكس التراجع

تشير بيانات مؤسسة غالوب إلى أن نسبة الموافقة على أداء ترامب لا تتجاوز 36%، وهي من أدنى النسب التي سجلها خلال مسيرته السياسية. ويكشف هذا الرقم عن انقسام حزبي حاد، إذ يحظى الرئيس بتأييد كاسح داخل المعسكر الجمهوري بنسبة تقارب 89%، مقابل شبه رفض كامل من الديمقراطيين لا يتجاوز 3%.

وتدعم هذه النتائج استطلاعات أخرى، من بينها استطلاع الإيكونوميست/يوغوف، الذي أظهر أن 57% من الأمريكيين يعارضون أداء ترامب، مقابل 39% فقط يؤيدونه، في مؤشر واضح على اتساع فجوة الثقة بين الرئيس وقطاعات واسعة من الناخبين.

خلافات داخل المعسكر المحافظ

لم يخفِ ترامب بنفسه تراجع شعبيته، معترفًا في تصريحات سابقة بأن أرقام استطلاعات الرأي “انخفضت”، مرجعًا ذلك إلى خلافات داخل التحالف المحافظ، خصوصًا بسبب موقفه من الهجرة القانونية ومنح تأشيرات لعمالة أجنبية ماهرة.

هذه الخلافات كشفت عن تصدعات داخل تيار “ماغا”، الذي طالما شكّل العمود الفقري لدعم ترامب، حيث يرى بعض أنصاره أن سياساته لا تتماشى بالكامل مع الخطاب المتشدد الذي أوصله إلى السلطة.

قضية إبستين.. جرح مفتوح

تُعد قضية جيفري إبستين من أكثر الملفات حساسية وتأثيرًا على صورة ترامب خلال العام الأول من ولايته الثانية. فقد أعادت طريقة تعامل إدارته مع التحقيقات والملفات المرتبطة بالقضية إشعال الجدل، وأثارت انتقادات واسعة حتى داخل الدوائر الجمهورية.

وتشير استطلاعات الرأي إلى أن 55% من الأمريكيين يعارضون أسلوب تعامل الرئيس مع القضية، فيما يعتقد نحو 47% أن ترامب يحاول التستر على بعض الحقائق، مقابل 46% يرون أنه كان متورطًا بشكل أو بآخر، وهي اتهامات ينفيها الرئيس بشدة.

ورغم تمسك قطاع واسع من أنصاره بنفي هذه المزاعم، فإن القضية باتت تمثل عبئًا سياسيًا متجددًا يلاحق الإدارة الأمريكية ويؤثر على الثقة العامة.

سياسة خارجية مثيرة للجدل

على الصعيد الخارجي، واجهت سياسات ترامب تجاه فنزويلا انتقادات واسعة، لا سيما مع تصاعد لهجته وتهديداته المتكررة بالتدخل العسكري وتشديد العقوبات. وتُظهر استطلاعات الرأي أن هذا النهج لا يحظى سوى بتأييد 31% من الأمريكيين، بينما يعارضه قرابة النصف.

كما يعارض غالبية الأمريكيين أي تدخل عسكري مباشر، مؤكدين ضرورة حصول أي تحرك من هذا النوع على تفويض صريح من الكونغرس، ما يعكس حالة من الحذر الشعبي تجاه الانخراط في مغامرات خارجية جديدة.

الهجرة.. الملف الأقل خسارة

رغم التراجع العام في الشعبية، يبقى ملف الهجرة من أكثر القضايا التي ما زالت تحظى بدعم نسبي لترامب، إذ يؤيد نحو 50% من الأمريكيين سياساته الحدودية، وإن كانت هذه النسبة قد تراجعت مقارنة ببداية العام.

 

ويظل هذا الدعم متركزًا بشكل شبه كامل داخل الحزب الجمهوري، ما يعكس استمرار الاستقطاب السياسي الحاد حول قضايا الهوية والحدود.

الاقتصاد والكونغرس.. أزمة ثقة مزدوجة

اقتصاديًا، يسود التشاؤم بين الأمريكيين، حيث يرى نحو 70% أن الوضع الاقتصادي “سيئ”، في ظل استمرار القلق من التضخم وارتفاع تكاليف المعيشة. ورغم محاولات ترامب تحميل خصومه المسؤولية، فإن الرضا عن أدائه الاقتصادي تراجع، خاصة خارج القاعدة الجمهورية.

ولا يقتصر السخط الشعبي على البيت الأبيض فقط، إذ يعاني الكونغرس بدوره من مستويات تاريخية متدنية من الثقة، بعد عام شهد تشريعات مثيرة للجدل وإغلاقًا حكوميًا طويلًا، ما عمّق الإحباط العام تجاه المؤسسات السياسية.

مشهد معقد ومستقبل مفتوح

مع اقتراب نهاية عام 2025، يبدو أن الولايات المتحدة تعيش حالة من الانقسام السياسي العميق، حيث تتراجع الثقة في القيادة والمؤسسات، بينما يبقى مستقبل ولاية ترامب الثانية مفتوحًا على احتمالات متعددة، تتراوح بين استعادة الزخم أو استمرار التآكل في الشعبية.

وفي ظل هذا المشهد، يظل السؤال مطروحًا: هل ينجح ترامب في قلب المعادلة خلال الأعوام المقبلة، أم أن عامه الأول سيظل نقطة تحول سلبية في مسيرته الرئاسية؟