أكد الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، الهولندي مارك روته، رفضه القاطع للدعوات الأوروبية المطالِبة بإنشاء منظومة دفاعية مستقلة عن الولايات المتحدة الأمريكية، مشددًا على أن الشراكة عبر الأطلسي تمثل ركيزة أساسية لا غنى عنها لأمن أوروبا الجماعي، في ظل التحديات الجيوسياسية المتزايدة التي يشهدها العالم.
وفي تصريحات أدلى بها خلال مقابلة مع وكالة الأنباء الألمانية (د ب أ)، أوضح روته أن أي مساعٍ لتعزيز القدرات الدفاعية الأوروبية يجب أن تتم بالتوازي والتكامل مع واشنطن، وليس في إطار الانفصال أو القطيعة مع الولايات المتحدة، محذرًا من أن هذه الطروحات قد تُضعف التماسك الاستراتيجي داخل الحلف.
وجاءت تصريحات الأمين العام للناتو ردًا على مقترحات أوروبية متصاعدة، كان أبرزها دعوة أطلقها مانفريد فيبر، السياسي الألماني ورئيس حزب الشعب الأوروبي وزعيم كتلته داخل البرلمان الأوروبي، طالب فيها بنشر قوات أوروبية بقيادة الاتحاد الأوروبي للمساهمة في حفظ السلام داخل الأراضي الأوكرانية. وقال فيبر في تصريحات لوسائل إعلام ألمانية إنه يتمنى أن يشارك "جنود يحملون العلم الأوروبي على بزّاتهم، إلى جانب القوات الأوكرانية، في تحقيق السلام".
غير أن مارك روته شدد على أن الولايات المتحدة الأمريكية منخرطة بالكامل في حلف الناتو، ولا توجد أي مؤشرات على تراجع التزامها الدفاعي تجاه أوروبا، مضيفًا أن التوقعات داخل الحلف كانت واضحة منذ البداية، والمتمثلة في أن تتحمل الدول الأوروبية قدرًا أكبر من المسؤولية عبر زيادة الإنفاق الدفاعي، دون أن يعني ذلك فك الارتباط مع واشنطن أو إنشاء هياكل موازية للحلف.

وأشار الأمين العام للناتو إلى أن النقاش الدائر حول "أوروبا والناتو" لا يجب حصره في دول الاتحاد الأوروبي فقط، موضحًا أن 23 دولة من أصل 27 عضوًا في الاتحاد الأوروبي هي في الأساس أعضاء في حلف الناتو، وتمثل مجتمعة ما يقارب ربع الناتج الاقتصادي الإجمالي للحلف، وهو ما يعكس عمق الترابط الاقتصادي والعسكري داخل المنظومة الأطلسية.
وأكد روته أن الولايات المتحدة وأوروبا تتقاسمان مصالح استراتيجية حيوية، لا سيما في منطقة القطب الشمالي وشمال المحيط الأطلسي، موضحًا أن أمن القطب الشمالي يشكل أولوية قصوى في الحسابات الاستراتيجية الأمريكية، ولا يمكن ضمان استقراره إلا من خلال تعاون وثيق بين الحلفاء الأوروبيين والأمريكيين.
وفي سياق متصل، أطلق الأمين العام للناتو تحذيرًا لافتًا بشأن التهديدات الروسية المحتملة، مشيرًا إلى أن بعض التقديرات الاستخباراتية داخل الحلف ترجّح إمكانية تحرك عسكري روسي في وقت مبكر قد يصل إلى عام 2027. وأضاف: "لن أتكهن بمكان أو توقيت أو طبيعة هذا التهديد، لكن إذا وقع هجوم على أي دولة عضو في الناتو، فإن المادة الخامسة واضحة: الهجوم على دولة واحدة هو هجوم على جميع أعضاء الحلف".
وشدد روته على أن استمرار الدعم العسكري والسياسي لأوكرانيا، إلى جانب رفع مستويات الإنفاق الدفاعي داخل دول الحلف، يمثلان عنصرين أساسيين لردع أي مغامرة عسكرية محتملة، مؤكدًا أن الالتزام بهذين المسارين سيجعل الناتو قويًا بما يكفي لمنع أي تصعيد روسي.
وفي ختام تصريحاته، أشاد الأمين العام للناتو بالتزام الحكومة الألمانية برفع إنفاقها الدفاعي إلى 3.5% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2029، أي قبل الموعد النهائي الذي تم الاتفاق عليه خلال قمة الناتو في لاهاي عام 2035، واصفًا الخطوة الألمانية بأنها "مثير للإعجاب للغاية"، ومؤكدًا أن ألمانيا تقود الصفوف بين الحلفاء الأوروبيين في مجال تعزيز القدرات الدفاعية.