فنون وثقافة

كيف حول المخرج داود عبد السيد الأدب إلى سينما حية في "الكيت كات"؟

السبت 27 ديسمبر 2025 - 04:30 م
غاده عماد
الأمصار

رحل عن عالمنا منذ قليل المخرج داود عبد السيد، وخبر وفاته لم يكن مجرد خبر عادي مر مرور الكرام على الصحافة الفنية والمهتمين بالسينما، بل هو صدمة لكل محبي الفن، فرحيله يعني غياب عقل سينمائي فذ مؤمن بالفن الحقيقي وبأن الأفلام ليست مجرد حكايات تحكى لتحقق نجاح مؤقت وتنسى، بل هي أعمال تثير فكر المشاهد أثناء متابعة العمل وحتى بعد أن تنطفىء الأنوار وتظهر كلمة النهاية.

كما كان الراحل مخرجا يؤمن أن السينما لا تطمئن المشاهد، بل تضعه في مواجهة مع نفسه، وتربكه قليلًا ليكتشف ما يتجنب رؤيته، وستظل أعماله إرثا يخلد اسمه في سماء الفن، ووسط هذا الإرث، يبرز فيلم الكيت كات، الأيقونة السينمائية التي تعد الأبرز في مسيرة الراحل داود عبد السيد حيث كان هو المخرج وكتب سيناريو وحوار الفيلم.الكيت كات.. فيلم ناجح جماهيريا ونقديا


فقد حقق فيلم الكيت كات نجاحًا جماهيريًا ونقديًا، كما أنه حصد جوائز، ودخل قوائم أهم الأفلام المصرية، ولم يأتي هذا الاحتفاء بالفيلم من فراغ بل جاء لأن “الكيت كات” الذي تم إنتاجه عام 1991 عمل فني تكاملت فيه جميع العناصر من الممثلين، وطاقم التصوير والمونتاج والديكور، وصولًا إلى الموسيقى التصويرية وجميعهم كانوا تحت قيادة مخرج يمتلك رؤية واضحة وقدرة دقيقة على توظيف التفاصيل.ولعل من أبرز الأسباب أيضًا التي جعلت فيلم الكيت كات واحدًا من العلامات البارزة في تاريخ السينما المصرية أنه من أفضل الأعمال السينمائية التي تعد نموذجًا للنجاح في تحويل عمل أدبي إلى فيلم سينمائي حقيقي له لغته ورؤيته الخاصة.فقد كانت علاقة السينما المصرية بالرواية الأدبية في كثير من الحالات تعاني من مشكلة واضحة، فمحاولات الاقتباس غالبًا ما تسقط في فخ النقل الحرفي، حيث تتحول الكاميرا إلى مجرد عين تقرأ النص بدلًا من أن تفكر به وهي النقطة التي تفقد السينما عندها لغتها، ويصبح الإيقاع مضطربًا، وتتكدس المشاهد وكأن الفيلم يلهث وراء الرواية ليكون نسخة منها، فينتهي الأمر بعمل لا هو أدبي خالص، ولا سينمائي مكتمل.

في المقابل، جاء فيلم الكيت كات ليكون نموذجًا مختلفًا، حيث استند داود عبد السيد إلى رواية مالك الحزين لإبراهيم أصلان، لكنه لم يتعامل معها كنص مستحيل أن يخضع للتغيير، بل بوصفها مادة خام، وفكرة قابلة لإعادة التشكيل بصريا، فلم يكتف عبد السيد بحكاية الرواية، بل ابتكر لها لغة بصرية تمامًا كما يفعل الأدب بالكلمات، مثل استغلال اللقطات القريبة والزوايا المنخفضة لتوصيل معاني محددة فتصبح الصورة شريكة في السرد، لا مجرد ترجمة حرفية له، ولأن المخرج الراحل داود عبد السيد احترم روح النص لا نقله حرفيًا، خرج فيلم الكيت كات بكيان مستقل، يمكن مشاهدته دون معرفة الرواية، ومع ذلك يشعر من قرأها بأن جوهرها حاضر، وهنا يكمن سر النجاح.