دراسات وأبحاث

الرقائق الإلكترونية بين الاقتصاد والسياسة: لماذا أجّلت واشنطن الرسوم على الصين حتى 2027؟

الجمعة 26 ديسمبر 2025 - 12:28 م
عمرو أحمد
أمريكا والصين
أمريكا والصين

أصبحت الرقائق الإلكترونية اليوم العمود الفقري لكل ابتكار في عالم التكنولوجيا، بدءًا من الهواتف الذكية وصولًا إلى تطبيقات الذكاء الاصطناعي والحوسبة المتقدمة. 

الرقائق الإلكترونية العمود الفقري لكل ابتكار في عالم التكنولوجيا

وفي هذا الإطار، يعكس قرار الولايات المتحدة تأجيل فرض الرسوم الجمركية على الرقائق الصينية حتى عام 2027 حجم التوازن الدقيق بين الاعتبارات الاقتصادية والحسابات السياسية في العلاقات الدولية.

ورغم التوجه الأمريكي المعلن نحو تقليص الاعتماد على الصين في سلاسل التوريد التكنولوجية، فإن واشنطن فضّلت تأجيل تطبيق الرسوم الجمركية، في خطوة تمنح الأسواق العالمية فرصة للتكيف، وتتيح لشركات التكنولوجيا والمستثمرين إعادة ترتيب استراتيجياتهم خلال المرحلة المقبلة، بما يحدّ من أي صدمات محتملة للأسواق.

سوق ضخم وترابط معقد

وفي هذا السياق، أوضح مستشار المدفوعات الرقمية والذكاء الاصطناعي، ميشيل خزّاقة، أن سوق الرقائق الإلكترونية يُعد من أضخم الأسواق العالمية، إذ تتجاوز قيمته 630 مليار دولار سنويًا. 

ورغم أن الولايات المتحدة لا تستورد من الصين سوى نحو 3% فقط من الرقائق الجاهزة، فإن الترابط الحقيقي يكمن في سيطرة الصين على ما بين 80% و90% من قطاع التعدين والتكرير الخاص بالمعادن النادرة، ما يجعلها لاعبًا محوريًا في الصناعة.

وأشار خزّاقة إلى أن تأجيل الرسوم الجمركية يمنح مهلة استراتيجية لكل من الولايات المتحدة والصين، حيث تسعى واشنطن من خلالها إلى التفاوض من جهة، ودعم شركاتها العملاقة مثل «إنفيديا» و«آبل» و«تسلا» و«OpenAI» لتطوير شرائح أكثر تقدمًا خلال فترة زمنية قصيرة نسبيًا تتراوح بين 18 شهرًا وسنتين.

الرسوم وتأثيرها على الأسواق

ويرى خبراء أن فرض الرسوم الجمركية في التوقيت الحالي كان سيؤدي إلى اضطرابات حادة في الأسواق، خاصة في قطاع الذكاء الاصطناعي، مع احتمالات تراجع حاد لأسهم شركات كبرى مثل «إنفيديا»، وسط مخاوف سابقة من فقاعة محتملة في هذا القطاع. ومن هنا، أسهم قرار التأجيل في طمأنة الأسواق ومنحها رؤية أوضح على المدى المتوسط.

إعادة تشكيل سلاسل التوريد

وتسعى الولايات المتحدة، منذ سنوات، إلى إعادة تشكيل سلاسل توريد الرقائق عالميًا، إذ تعتمد حاليًا بنسبة تتجاوز 90% على شركة «TSMC» التايوانية، بينما لا تنتج داخل أراضيها سوى ما بين 10% و12% من احتياجاتها. 

ويهدف التوجه الأمريكي إلى نقل جزء من التصنيع إلى الداخل الأمريكي أو إلى دول أخرى في آسيا وأمريكا اللاتينية، لتقليل المخاطر الجيوسياسية، خاصة في ظل التوترات المتعلقة بتايوان.

المعادن النادرة.. نقطة الضعف الأمريكية

ويُجمع المراقبون على أن المعادن النادرة تمثل نقطة الضعف الأبرز للولايات المتحدة، إذ تهيمن الصين على ما بين 85% و95% من عمليات التكرير والمعالجة عالميًا، وهو ما يؤثر على قطاعات حيوية تشمل الذكاء الاصطناعي، والسيارات الكهربائية، والدفاع، والفضاء، وأنظمة المدفوعات الرقمية.

ويؤكد خزّاقة أن واشنطن تتعامل ببراغماتية مع هذا الملف، ساعية إلى التفاوض بدلًا من القطيعة الكاملة، في محاولة لتأمين احتياجاتها الاستراتيجية دون الإضرار بشركاتها الكبرى التي تعتمد على سلاسل توريد عالمية معقدة.

الرقائق والمدفوعات الرقمية

وفي مجال المدفوعات الرقمية، أوضح خزّاقة أن الرقائق المستخدمة في بطاقات الدفع والهواتف الذكية تعتمد على معايير أمنية عالية، مثل معايير «EMV» (يورو باي، ماستر كارد، فيزا)، وهي رقائق آمنة وليست متقدمة حسابيًا مثل رقائق الذكاء الاصطناعي، وتلعب شركات أوروبية، خاصة فرنسية مثل «تاليس» و«إيداميا»، دورًا محوريًا في هذا القطاع، بينما يظل الاعتماد الأكبر على الصين في مجال تعدين العملات الرقمية.