دراسات وأبحاث

هدايا رئاسية لافتة.. ماذا تلقّى «ترامب» في 2025؟

الجمعة 26 ديسمبر 2025 - 06:38 ص
مصطفى عبد الكريم
ترامب
ترامب

في أروقة السياسة، لا تكون الهدايا مُجرّد مجاملات بروتوكولية، بل رسائل صامتة تحمل دلالات النفوذ والمصالح وتوازنات القوة. وخلال عام 2025، وجد الرئيس الأمريكي، «دونالد ترامب»، نفسه في دائرة الضوء مُجددًا، بعد تلقيه سلسلة من «الهدايا الرئاسية اللافتة»، تراوحت بين الفخامة غير المسبوقة والقيمة الرمزية الثقيلة، ما فتح باب التساؤلات حول ما الذي تلقّاه ترامب، ولماذا جاءت هذه الهدايا بهذا الزخم والتوقيت، وما الذي تعكسه عن خريطة العلاقات السياسية في عام استثنائي.

لغة المصالح الصامتة

لم تتوقف أهمية هذه الهدايا عند قيمتها المادية أو فخامتها الظاهرة، بل تجاوزتها إلى أبعاد سياسية أعمق، حيث عكست طبيعة العلاقات التي نسجتها الإدارة الأمريكية خلال العام، ورسائل التقارب أو النفوذ التي سعت بعض الدول والجهات إلى تمريرها عبر بوابة البروتوكول الرئاسي. وبينما تُسجَّل هذه الهدايا رسميًا ضمن الأطر القانونية المنظمة، يبقى السؤال مطروحًا حول ما تحمله من إشارات سياسية غير مُعلنة، وكيف يُمكن أن تُؤثر، ولو بصورة غير مباشرة، على مسار العلاقات والتحالفات في المرحلة المُقبلة.

عكست طبيعة الهدايا التي تلقاها الرئيس ترامب منذ بداية ولايته الثانية في يناير 2025، ملامح غير مسبوقة من الفخامة، إذ تراوحت بين رموز سياسية وأخرى ذات قيمة مادية ضخمة، بلغت في بعض الحالات ملايين بل ومليارات الدولارات.

post-title
أبرز الهدايا التي تلقاها ترامب خلال 2025

ويُسمح لرؤساء الولايات المتحدة بتلقي هدايا أجنبية شريطة الإفصاح عنها بشكل صحيح ونقل ملكيتها إلى الحكومة، وفقًا لقواعد الأخلاقيات الفيدرالية، إلا أن قيمة الهدايا المُرتبطة بالرئيس الأمريكي هذا العام، بحسب مجلة «نيوزويك»، تجاوزت قيمة الهدايا التي تلقاها أي رئيس أمريكي في العقود الأخيرة.

وتبين أن العديد من الهدايا تلقاها «دونالد ترامب» بالتزامن مع إبرام اتفاقيات رسمية في مجالات التجارة والدفاع والاستثمار والتكنولوجيا، بين الدول المانحة لتلك الهدايا أو قبلها بفترة وجيزة، وتم تقديمها في إطار الدبلوماسية الرسمية، والتي أعقبها قرارات هامة استفادت منها تلك الدول.

طائرة قطرية فاخرة

كان من أبرز الهدايا في عام 2025، طائرة «بوينج 747» بقيمة تُقارب (400 مليون دولار أمريكي)، قدمتها دولة «قطر»، لاستخدامها المُحتمل كطائرة الرئاسة الأمريكية القادمة، وهي الهدية التي قبلها البنتاجون، ثم أبرمت الولايات المتحدة وقطر عدة اتفاقيات في مجال الطيران والدفاع.

طائرة بوينج 747 قدّمتها دولة قطر كهدية لترامب

وشملت هذه الاتفاقيات صفقة تاريخية في مجال الطيران التجاري، وافقت بموجبها الخطوط الجوية القطرية على شراء ما يصل إلى (210) طائرات بوينج عريضة البدن، بقيمة تُقارب (96 مليار دولار أمريكي)، وذلك بموجب عقود أُعلن عنها خلال زيارة «ترامب»، بينما تجاوزت الحزمة الأوسع من الاتفاقيات الثنائية، قيمتها الإجمالية (243 مليار دولار).

صفقة مال وتكنولوجيا

بحسب المجلة الأمريكية، استثمر مستثمر من دولة خليجية، ما يُقارب (ملياري دولار أمريكي) في عملة رقمية مُستقرة، مُصممة للحفاظ على قيمة ثابتة، مُرتبطة بمشروع تجاري تابع لترامب، وفي الوقت نفسه وافقت إدارة ترامب على تصدير رقائق الذكاء الاصطناعي المتقدمة ووسعت تعاونها من تلك الدولة.

سبائك وساعات

تلقّى «ترامب» سبيكة ذهبية منقوشة تزن كيلوجرامًا واحدًا، تُقدّر قيمتها بنحو (130 ألف دولار)، وساعة مكتب من رولكس، من وفد مكون من رجال الأعمال السويسريين، وبعدها بأيام خفّضت الولايات المتحدة الرسوم الجمركية على البضائع السويسرية من (39%) إلى (15%).

التاج الاحتفالي

خلال زيارة إلى «كوريا الجنوبية» أواخر أكتوبر الماضي، تسلّم «ترامب» نسخة طبق الأصل من تاج ذهبي يعود إلى عهد مملكة شيلا، بالإضافة إلى «وسام موجونجوا الكبير»، وهو أعلى وسام مدني في البلاد، وخلال الزيارة نفسها خصصت كوريا الجنوبية نحو (350 مليار دولار) للاستثمارات الأمريكية في قطاعي التصنيع والتكنولوجيا.

تسلّم ترامب نسخة طبق الأصل من تاج ذهبي يعود إلى عهد مملكة شيلا

المعادن ونوبل

في سبتمبر، قدّم مسؤولون باكستانيون للرئيس الأمريكي ترامب، عينات من المعادن الأرضية النادرة، في محاولة لتسليط الضوء على قطاعي التعدين والتكنولوجيا في البلاد، كما رشّحوه رسميًا لجائزة نوبل للسلام لعام 2026 لمساهمته في تخفيف التوترات مع الهند.

وفي المقابل، خفضت الولايات المتحدة الرسوم الجمركية على البضائع الباكستانية إلى (19%)، وهو أقل من معدل الهند البالغ (25%)، وتعهدت شركة أمريكية بتقديم (500 مليون دولار) لتعدين ومعالجة العناصر الأرضية النادرة في باكستان.

ترامب و رئيس وزراء باكستان شهباز شريف

دلالات سياسية عميقة

في المُحصّلة، لا تبدو هدايا عام 2025 مُجرّد مظاهر فخامة تُحيط بالموقع الرئاسي، بل تتحوّل إلى مؤشرات دقيقة على طبيعة النفوذ وشبكة العلاقات التي تُحيط بالبيت الأبيض في مرحلة شديدة الحساسية. وبينما تُسجَّل هذه الهدايا ضمن الأطر البروتوكولية والقانونية، يبقى الأهم في ما تحمله من رسائل سياسية غير مباشرة، تعكس كيف يُدار ميزان القوة، وكيف تُقرأ لغة المصالح، حين تتجاوز الهدايا حدود المجاملة لتُصبح جزءًا من مشهد سياسي أوسع في عهد دونالد ترامب.