مع مرور عام على تولي إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب مقاليد السلطة، لم تحقق واشنطن اختراقاً كبيراً في الملف الليبي المعقد، إذ اتسم نهج الإدارة بـ«الحذر والانتقائية» مع إعادة تموضع محدودة، دون وضع استراتيجية شاملة لمعالجة الانقسام الليبي.
ويشير مراقبون إلى أن إدارة ترمب انتهجت مقاربة تقوم على «تسويات على نار هادئة»، تركز على تفاهمات سياسية وعسكرية محدودة و«مصافحات شكلية»، مع تصاعد أولوية «الصفقات الاقتصادية»، خصوصاً في قطاع النفط.
بالمقابل، غابت المقاربة المتكاملة التي تجمع الدبلوماسية بالأمن وبناء المؤسسات، حيث اعتمدت واشنطن أدوات سياسية واقتصادية مرنة، وزادت من حضورها الدبلوماسي، مع التركيز على اتصالات مباشرة عبر مستشار ترمب، مسعد بولس، وصهره المسؤول عن الشؤون الأفريقية.
في مطلع ولاية إدارة ترمب، أثار تكليف بولس بمتابعة الملف الليبي آمالاً باختراق محتمل، إلا أن حذراً كبيراً ظل قائماً، كما أكده هاني شنيب، رئيس المجلس الوطني للعلاقات الأميركية-الليبية، مشيراً إلى أن «مقاربة واشنطن لقضايا شمال وجنوب الصحراء تعتبر ملفات شديدة التعقيد، لكنها ليست أولوية قصوى».
ورغم ذلك، حظيت زيارة بولس إلى طرابلس وبنغازي ولقاءاته مع قادة عسكريين في شرق وغرب ليبيا خلال يوليو (تموز) 2025، باهتمام مراقبين، حيث ناقش دعم الشراكة الأميركية–الليبية، وتعزيز التعاون الاقتصادي، خصوصاً في قطاع الطاقة، والعمل على توحيد المؤسسات الليبية والمصالحة الوطنية.

وتؤكد تقييمات مراقبين مثل بن فيشمان، العضو السابق في مجلس الأمن القومي الأميركي، أن تركيز الإدارة على ملفات مثل الأزمة الأوكرانية والحرب الأهلية في السودان أدى إلى تباطؤ التحرك الأميركي في ليبيا، ما جعل السياسة الأميركية في هذا الملف «تنضج على نار هادئة».
أما على صعيد العلاقات العسكرية، فقد امتدت التحركات الأميركية الحذرة لتشمل دعم التنسيق الأمني عبر زيارات قوات «أفريكوم» بقيادة داغفين أندرسون ونائبه جون برينان، وتعزيز مساعي توحيد المؤسسة العسكرية، إلى جانب التحضير لمناورات مشتركة في سرت. ومع ذلك، يرى فيشمان أن الفوائد السياسية لهذه التحركات محدودة، إذ لا تسهم بشكل كبير في تحقيق الاستقرار.
اقتصادياً، برز اهتمام إدارة ترمب بقطاع الطاقة الليبي، حيث شجعت عودة الشركات الأميركية إلى السوق الليبية عبر مذكرات تفاهم واتفاقيات لتطوير الحقول وزيادة الإنتاج، وسط تحذيرات خبراء من هشاشة هذا المسار في ظل الانقسام المالي وغياب إطار قانوني موحد.
دبلوماسياً، أبقت واشنطن على حضورها المتواضع، مكتفية بالقائم بالأعمال جيريمي برنت دون تعيين سفير جديد، ما يعكس سياسة حذرة تحافظ على الوجود الأميركي من دون رفع مستوى الانخراط الرسمي، في وقت يزداد فيه النفوذ الروسي في ليبيا من خلال وجود عناصر شركة «فاغنر» وفيلق أفريقيا في القواعد العسكرية الليبية.
وفي هذا السياق، ينتهج البيت الأبيض سياسة «احتواء ناعم» لحليف موسكو خليفة حفتر، عبر تعزيز التعاون العسكري وزيارات القادة الأميركيين إلى بنغازي وسرت. وبحسب مراقبين، يبقى السؤال الأكبر بين الليبيين حول أهداف واشنطن، بين دعم الانتخابات أو الاكتفاء بصفقات مؤقتة، وسط تحذيرات من أن تجاهل المسار الانتخابي قد يطيل الأزمة.