في عام 2025، لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد أداة مساندة في النزاعات المسلحة، بل تحوّل إلى عنصر مركزي في إدارة الحروب وصياغة القرارات العسكرية وتنفيذ العمليات القتالية.
فقد باتت الخوارزميات تشارك فعليًا في تحديد الأهداف، وتحليل ساحات المعارك، وتسريع وتيرة الضربات، ما أدى إلى نشوء نمط جديد من الصراعات يُعرف بـ«حروب الخوارزميات».
ويبرز هذا التحول بوضوح في الحرب الروسية الأوكرانية، التي تُعد أكبر ساحة اختبار للتقنيات العسكرية الذكية، إضافة إلى التطورات الميدانية في غزة ولبنان، حيث دخل الشرق الأوسط مرحلة جديدة من الحروب عالية التقنية ذات التداعيات الأمنية والأخلاقية المعقدة.
الحرب الروسية الأوكرانية: مختبر عالمي للذكاء الاصطناعي العسكري
منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، تحولت أوكرانيا إلى ساحة مفتوحة لاختبار قدرات الذكاء الاصطناعي في المجال العسكري. ومع حلول عام 2025، أصبحت الخوارزميات جزءًا لا يتجزأ من العمليات اليومية للطرفين، سواء في التخطيط أو التنفيذ أو التقييم.
اعتمدت روسيا وأوكرانيا على أنظمة ذكاء اصطناعي متقدمة لتحليل صور الأقمار الصناعية وبيانات الطائرات المسيرة في الزمن الحقيقي، ما مكّن من تحديد مواقع المدفعية ومستودعات الذخيرة وخطوط الإمداد بدقة وسرعة غير مسبوقتين. كما استخدمت خوارزميات تنبؤية لتحليل أنماط التحرك والاتصالات، بهدف توقع الهجمات المحتملة واتخاذ قرارات استباقية.
وبرز بشكل لافت استخدام أسراب الطائرات المسيرة الذكية، القادرة على العمل بتنسيق شبه ذاتي، حيث تغير مساراتها وأهدافها بناءً على المعطيات الميدانية المتجددة دون الحاجة إلى توجيه بشري مباشر في كل مرحلة. وفي المقابل، استُخدم الذكاء الاصطناعي في تعزيز أنظمة الدفاع الجوي، من خلال تحسين قدرات اكتشاف واعتراض الطائرات المسيرة والصواريخ منخفضة الارتفاع.
ولم تقتصر الحرب الذكية على المجالين البري والجوي، بل امتدت إلى الفضاء السيبراني، حيث شهد الصراع تصعيدًا في الهجمات الإلكترونية المدعومة بالذكاء الاصطناعي. استهدفت هذه الهجمات شبكات الكهرباء والاتصالات والبنية التحتية الرقمية، باستخدام أنظمة قادرة على التكيف مع الدفاعات السيبرانية، ما جعل الجبهة الإلكترونية موازية في أهميتها للجبهة العسكرية التقليدية.
الذكاء الاصطناعي في الحروب الإسرائيلية على غزة ولبنان
في الشرق الأوسط، كشفت التطورات العسكرية في غزة ولبنان عن انتقال الحروب التقليدية إلى مرحلة أكثر تعقيدًا، حيث اعتمدت إسرائيل بشكل واسع على أنظمة قائمة على الذكاء الاصطناعي لتعزيز فاعلية عملياتها العسكرية في عام 2025.
استخدمت إسرائيل عدة أنظمة متقدمة، من بينها «جوسبل» و«لافندر» و«أين أبي؟»، وهي أنظمة تتولى مهام تحليل البيانات وتحديد الأهداف، مع ترك قرار التنفيذ النهائي للبشر. يعمل نظام «جوسبل» على تحديد المباني التي يُشتبه في استخدامها من قبل عناصر حماس وحزب الله اللبناني، بينما يختص «لافندر» بترشيح وتتبع الأهداف البشرية، في حين يُستخدم نظام «أين أبي؟» لرصد وجود المستهدفين داخل منازلهم العائلية، تمهيدًا لتنفيذ الضربات.
هذا النمط من الاستخدام يعكس تحولًا جوهريًا في طبيعة العمليات العسكرية، حيث أصبحت الخوارزميات شريكًا أساسيًا في سلسلة اتخاذ القرار، ما يثير تساؤلات واسعة حول حدود المسؤولية البشرية ودور الذكاء الاصطناعي في النزاعات المسلحة.
غزة: تسريع القتل وإدارة الحرب بالبيانات
في حرب غزة، برز اعتماد الجيش الإسرائيلي على الذكاء الاصطناعي على نطاق غير مسبوق، سواء في مجالات الاستطلاع أو الاستهداف أو إدارة العمليات. فقد استخدمت أنظمة قادرة على تحليل كميات هائلة من البيانات تشمل الصور الجوية، واعتراضات الاتصالات، والخرائط العمرانية، بهدف إنتاج قوائم أهداف خلال فترات زمنية قصيرة للغاية.
وأفادت تقارير إعلامية بأن بعض هذه الأنظمة بات قادرًا على اقتراح أهداف عسكرية خلال ثوانٍ، ما أدى إلى تسريع وتيرة الضربات الجوية بشكل ملحوظ. كما جرى استخدام طائرات مسيرة ذكية وأنظمة أرضية آلية في المناطق المكتظة بالسكان، قادرة على التعرف على الأفراد والمركبات ومراقبتهم لفترات طويلة قبل تنفيذ العمليات.
وفي هذا السياق، كشفت شركة «رافائيل» الإسرائيلية لأنظمة الدفاع المتقدمة عن ذخائر L-SPIKE 1x، وهي ذخيرة طائرة تكتيكية مصممة لتوفير قدرة دقيقة على الضرب للقوات الميدانية على مستوى الكتيبة. ويعتمد هذا النظام على دمج تقنيات متقدمة في البصريات الكهربائية والذكاء الاصطناعي، إلى جانب معايير أمان عالية، بما يتناسب مع متطلبات بيئات القتال الحديثة.
الأبعاد النفسية والأخلاقية للحرب الذكية
أثارت هذه التقنيات، ولا سيما الأنظمة الآلية المستخدمة في المناطق السكنية، مخاوف متزايدة بشأن الآثار النفسية والإنسانية للحروب المدعومة بالذكاء الاصطناعي. فقد تحدثت تقارير عن إدخال آلات مبرمجة لتنفيذ المهام بكفاءة عالية، ما أضاف عنصرًا جديدًا من الرعب إلى ساحات القتال، خاصة في مناطق مثل غزة التي يشكل الأطفال والشباب نسبة كبيرة من سكانها.
وتثير هذه التطورات تساؤلات عميقة حول أخلاقيات استخدام الذكاء الاصطناعي في الحروب، وحدود التفويض الممنوح للآلات في اتخاذ قرارات تمس حياة البشر، في ظل غياب أطر قانونية دولية واضحة تنظم هذا النوع من الصراعات.
خاتمة
تكشف تطورات عام 2025 أن الذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد أداة تقنية في الحروب، بل أصبح عنصرًا حاسمًا يعيد تشكيل طبيعة الصراع العسكري عالميًا. وبينما توفر هذه التقنيات مزايا عسكرية واضحة، فإنها في الوقت ذاته تفتح الباب أمام تحديات أخلاقية وأمنية غير مسبوقة، ما يجعل مستقبل الحروب أكثر تعقيدًا، وأقل خضوعًا للضوابط التقليدية، في عالم تحكمه الخوارزميات بقدر ما تحكمه الجيوش.