تشهد اليابان تحولًا لافتًا في سياساتها المتعلقة بالهجرة والتجنيس، مع توجه حكومي لتشديد شروط الحصول على الجنسية اليابانية، في خطوة تعكس تغيرًا في المزاج السياسي إزاء تزايد أعداد المقيمين الأجانب داخل البلاد. ووفقًا لتقارير صحفية بريطانية ويابانية، فإن القواعد الجديدة المقترحة قد تدخل حيز التنفيذ اعتبارًا من العام المقبل، ما يثير جدلًا واسعًا بين مؤيدين يرونها ضرورية، ومعارضين يحذرون من آثارها السلبية على الاقتصاد والمجتمع.
تشديد مدة الإقامة للحصول على الجنسية
أبرز التعديلات المقترحة تتمثل في مضاعفة مدة الإقامة المطلوبة للحصول على الجنسية اليابانية، حيث تعتزم الحكومة رفعها من خمس سنوات إلى عشر سنوات متواصلة داخل البلاد. ويأتي هذا التغيير ضمن حملة سياسية أوسع تهدف إلى فرض رقابة أكثر صرامة على الأجانب المقيمين في اليابان، مع إعادة تقييم شاملة لمعايير التجنيس المعمول بها حاليًا.
ويرى داعمو هذا التوجه أن القواعد الحالية متساهلة ولا تضمن اندماج المتقدمين بشكل كافٍ في المجتمع الياباني، بينما يعتبرها منتقدون خطوة قد تعرقل استقطاب العمالة الأجنبية التي تحتاجها البلاد بشدة.
دور الائتلاف الحاكم في التعديلات
جاءت هذه الإصلاحات بعد انتقادات علنية من حزب “نيبون إيشين” شريك الائتلاف الحاكم، الذي وصف معايير التجنيس الحالية بأنها غير صارمة. وعلى خلفية ذلك، أصدرت رئيسة الوزراء ساناي تاكايتشي تعليمات بإجراء مراجعة رسمية لقوانين الهجرة والجنسية.
وذكرت وسائل إعلام يابانية أن مقترحًا طُرح خلال اجتماع للحزب الليبرالي الديمقراطي في الرابع من ديسمبر، ينص على أن منح الجنسية لن يعتمد فقط على مدة الإقامة، بل سيشمل أيضًا معايير إضافية تتعلق بالسلوك والاستقرار المعيشي.
معيار حسن السلوك والاستقرار المالي
وفق المقترحات الجديدة، سيصبح “حسن السلوك” شرطًا أساسيًا للحصول على الجنسية، مع منح السلطات صلاحيات تقديرية واسعة لتقييم المتقدمين. كما سيُشترط أن يكون مقدم الطلب قادرًا على تأمين سبل عيش مستقرة، سواء من خلال دخله الشخصي، أو دخل الزوج، أو من خلال مهارات مهنية معترف بها.
وتشير هذه التعديلات إلى توجه حكومي يمنح المسؤولين مرونة أكبر في قبول أو رفض طلبات التجنيس، وهو ما يثير مخاوف من غياب معايير واضحة وموحدة للتقييم.
مقترحات بسحب الجنسية
لم يقتصر الجدل على شروط الحصول على الجنسية فقط، بل امتد إلى إمكانية سحبها من المجنسين في حالات معينة. فقد تقدم حزب الابتكار الياباني “نيبون إيشين” في سبتمبر الماضي بمقترح إلى وزارة العدل يدعو إلى وضع شروط قانونية تسمح بإلغاء جنسية المواطنين المجنسين، ضمن مسعى لتقليص أعداد الأجانب على المدى الطويل.
وفي السياق نفسه، ذهب حزب سانسيتو اليميني إلى خطوات أكثر تشددًا، معلنًا عزمه منع اليابانيين المجنسين من الترشح للانتخابات التشريعية تحت رايته، متهمًا الحكومة بمنح الأجانب امتيازات تفوق ما يحصل عليه المواطنون الأصليون.
شروط لغوية وتربوية جديدة
تتضمن الإصلاحات المقترحة إدخال شرط إتقان اللغة اليابانية كمتطلب أساسي للحصول على الجنسية، إلى جانب دراسة إلزامية لمبادئ التربية المدنية. كما تدرس الحكومة تطبيق هذه الشروط أيضًا على المتقدمين للحصول على الإقامة الدائمة، في محاولة لتعزيز الاندماج الثقافي والاجتماعي.
ومع ذلك، تشير الحكومة إلى إمكانية منح استثناءات لبعض الفئات، مثل الرياضيين الذين أمضوا سنوات طويلة في المنافسة داخل اليابان، حتى في حال عدم استيفائهم شرط الإقامة لمدة عشر سنوات.
أرقام طلبات التجنيس
تكشف بيانات وزارة العدل اليابانية أن الحكومة تلقت خلال عام 2024 نحو 12,248 طلبًا للحصول على الجنسية، تمت الموافقة على 8,863 طلبًا منها. وتعكس هذه الأرقام حجم الإقبال على التجنيس، رغم القيود المتوقعة في الفترة المقبلة.
وتزامن ذلك مع ارتفاع ملحوظ في عدد المقيمين الأجانب، حيث ارتفع العدد من نحو 2.23 مليون شخص في عام 2015 إلى قرابة 3.95 مليون بحلول يونيو 2025، أي ما يعادل نحو 3% من إجمالي عدد السكان، فيما حصل حوالي 930 ألفًا منهم على الإقامة الدائمة.
مخاوف من تصاعد كراهية الأجانب
في المقابل، يحذر منتقدو السياسات الجديدة من أنها قد تسهم في تصاعد مشاعر كراهية الأجانب، خاصة في ظل الخطاب السياسي المتشدد. وتواجه اليابان في الوقت ذاته تحديات ديموغرافية كبيرة، أبرزها الشيخوخة السكانية ونقص العمالة، ما يجعل الاعتماد على العمالة الأجنبية أمرًا لا غنى عنه.
وأشارت صحيفة أساهي شيمبون إلى أن الحكومة تخطط لإطلاق ما يسمى “برنامج الإدماج الاجتماعي”، والذي يهدف إلى تزويد المقيمين الأجانب بالمعرفة المجتمعية الأساسية، وخاصة مهارات اللغة، بهدف تقليل الاحتكاك وسوء الفهم بين الأجانب والمجتمعات المحلية.
بين الحاجة الاقتصادية والقيود السياسية
تعكس التعديلات المقترحة حالة من التوازن الصعب بين الرغبة في الحفاظ على الهوية الاجتماعية والثقافية لليابان، والحاجة الملحة إلى العمالة الأجنبية لدعم الاقتصاد. وبينما ترى الحكومة أن تشديد القواعد يعزز الاندماج ويحد من التوترات المجتمعية، يخشى آخرون أن تؤدي هذه السياسات إلى نتائج عكسية تعمق العزلة وتزيد من حدة الانقسام داخل المجتمع الياباني.