حوض النيل

غياب التوثيق في حرب السودان يحوّل الموت إلى حدث بلا أثر

الأربعاء 24 ديسمبر 2025 - 12:48 م
هايدي سيد
الأمصار

في ظل استمرار الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ منتصف أبريل 2023، تحولت طقوس الموت والدفن في السودان إلى مأساة حقيقية، حيث باتت الجثث تُدفن على عجل ومن دون أي توثيق رسمي، وسط غياب جهة مركزية تجمع بلاغات الوفيات. 

وتكشف المصادر الحقوقية والطبية عن أن آلاف الأسر اضطرت لدفن موتاها بلا تسجيل أسماء أو أسباب وفاة، ما جعل الكثير من الضحايا يُختفون من أي سجل رسمي، ويُعاملون كأرقام مجهولة.


وأكد مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أن 3384 مدنياً قتلوا في النصف الأول من 2025 وحده ضمن سياق الحرب، بينما تشير تقديرات جماعات تحليل النزاع إلى أن عدد الضحايا منذ اندلاع الحرب قد يصل لعشرات الآلاف، مع احتمال ارتفاع الرقم بشكل أكبر بسبب القتل المباشر والجوع والمرض والظروف الإنسانية المتدهورة.


وأشار قاسم المجتبى، الموظف بوزارة الصحة السودانية، إلى أن انهيار البنية التي كانت تضبط دورة الحياة والموت أدى إلى توقف المستشفيات عن القيام بدورها كمراكز علاجية، وأصبح تسجيل الوفاة إجراء مستحيلاً بسبب انقطاع الكهرباء، وتدمير الأرشيف، وهروب الكوادر، وانقطاع الإنترنت. وأضاف أن العمليات الروتينية لتسجيل الوفاة، بما في ذلك التشخيص الطبي وشهادة الوفاة والتسجيل الرسمي، توقفت تماماً في معظم مناطق النزاع.


في سياق متصل، تحولت عملية الدفن إلى إجراء طارئ تُنجز على عجالة لتجنب التعفن أو التعرض للقصف أو المساءلة، كما يروي مصطفى عثمان، أحد الشهود في مناطق النزاع، الذي أشار إلى أن الكثير من الجثث كانت تُجمع من الشوارع والمنازل وتُدفن ليلاً أو في ساحات مؤقتة، من دون أسماء أو توثيق. وأكد عثمان أن الخوف من الميليشيات ومن الاتهامات السياسية دفع الناس للصمت، مما جعل الموت حدثاً صامتاً يمر دون أثر إداري.


وفي مرحلة لاحقة، يقوم المتطوعون أحياناً بإعادة دفن الجثامين التي تم وضعها على عجل، محاولين التعرف على الضحايا من خلال الملابس أو مقتنيات شخصية، أو شهادات عائلات مفقودة. وأوضح مرتضى هاشم، متطوع في إعادة الدفن، أن هذه العملية لا تزال صعبة نفسياً وإنسانياً، وغالباً ما تكون الجثث قد تحللت أو اختلطت مع أخرى، لكن إعادة دفنها في مقابر معروفة حتى من دون اسم يُعد أقل إهانة من تركها في قبور مؤقتة.
ويشير الوضع إلى أن الحرب لم تكتف بقتل المدنيين، بل جردتهم من هويتهم وحقوقهم بعد الموت، بينما أصبحت المقابر البديلاً الوحيد للأرشيف الرسمي، شاهدة صامتة على مأساة مستمرة في غياب الدولة، وسط تفكك الأسر وغياب الوثائق الرسمية. وفي ظل هذه الظروف، يبقى السؤال الأكبر قائماً: من مات؟ ومن فقد؟ ومن يعيش وسط خراب مستمر، بلا دليل على مصير أحبائه؟