يصوت البرلمان الجزائري اليوم الأربعاء 24 ديسمبر 2025 على مشروع قانون تاريخي يهدف إلى تجريم الاستعمار الفرنسي للجزائر ووصفه على أنه "جريمة دولة"، مع مطالبة فرنسا بتقديم اعتذار رسمي للشعب الجزائري وتحمل المسؤولية عن المآسي التي خلفتها الحقبة الاستعمارية.
ويأتي هذا التصويت في ظل استمرار الأزمة الدبلوماسية بين الجزائر وباريس، والتي تفاقمت بعد اعتراف فرنسا في صيف 2024 بخطة حكم ذاتي للصحراء الغربية تحت السيادة المغربية.
ويشير النص القانوني، الذي من المتوقع أن يصادق عليه البرلمان دون أي طارئ، إلى أن الدولة الفرنسية مطالبة بتحمل المسؤولية القانونية عن ماضيها الاستعماري وما خلفه من آثار مادية ومعنوية، بما يشمل التعويض عن الخسائر، وتنظيف مواقع التجارب النووية والتجارب الكيماوية في الصحراء الجزائرية، واستعادة الأموال المنهوبة من الخزينة الوطنية والممتلكات المنقولة، بما في ذلك الأرشيف الوطني.
وخلال عرض مشروع القانون أمام النواب، وصف رئيس المجلس الشعبي الوطني الجزائري إبراهيم بوغالي هذا المشروع بأنه "فعل سيادي بامتياز"، مؤكدًا أن الهدف منه إيصال رسالة واضحة إلى الداخل والخارج بأن الذاكرة الوطنية الجزائرية غير قابلة للمحو أو المساومة. وأضاف بوغالي أن القانون يحمل بعدًا رمزيًا وسياسيًا مهمًا يعكس رغبة الجزائر في مواجهة تاريخها الاستعماري وفرض مطالبتها بحقوقها المشروعة.
وفي رد فعل فرنسي، اكتفى المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية باسكال كونفافرو بعدم التعليق على "النقاشات السياسية التي تجري في دول أجنبية"، فيما يرى الباحث في تاريخ الحقبة الاستعمارية بجامعة إكستر البريطانية، حسني قيطوني، أن القانون "ليس له أي أثر دولي ملزم"، لكنه يضيف أن له قيمة سياسية ورمزية كبيرة في العلاقة مع فرنسا، ويمثل لحظة قطيعة مع الماضي الاستعماري.
ويأتي مشروع القانون بعد سنوات من الجدل حول الاعتراف بالجرائم الاستعمارية، بما في ذلك تدمير البنية الاجتماعية والاقتصادية للجزائر، وترحيل السكان، والقمع العنيف للانتفاضات، إضافة إلى حرب التحرير الجزائرية (1954-1962) التي أسفرت، وفق الرواية الجزائرية، عن 1.5 مليون قتيل، بينما يقدر المؤرخون الفرنسيون العدد بحوالي 500 ألف بينهم 400 ألف جزائري.
وينص مشروع القانون أيضًا على عقوبات بالسجن ومنع الحقوق المدنية لكل من "يروج" للاستعمار الفرنسي أو ينفي أنه جريمة، ما يجعل القانون ذا بعد تثقيفي ورمزي إلى جانب طابعه القضائي. ويعد هذا التصويت فرصة للبرلمان الجزائري لتثبيت موقف الدولة والشعب تجاه التاريخ الاستعماري الفرنسي، وإرسال رسالة واضحة بأن الجزائر لن تتنازل عن حقوقها المشروعة في الاعتراف والعدالة.