دراسات وأبحاث

الجولان المحتلة.. قضية سيادية تواجه مؤشرات ضغوط سياسية وإقليمية

الأربعاء 24 ديسمبر 2025 - 01:10 م
عمرو أحمد
هضبة الجولان
هضبة الجولان

أثار منشور رسمي لوزارة الخارجية السورية موجة واسعة من الجدل، بعد نشرها خريطة للدولة السورية عبر حسابها على منصة «إكس» خلت من هضبة الجولان المحتلة، وذلك ضمن منشور احتفالي برفع «قانون قيصر». 

خريطة بلا الجولان تثير جدلًا واسعًا حول الخطاب الرسمي السوري ومستقبل السيادة

وسرعان ما لفت مستخدمون ومتابعون إلى أن الخريطة المنشورة تختلف عن الخريطة المعتمدة على الموقع الرسمي للأمم المتحدة، والتي تُظهر الجولان جزءًا لا يتجزأ من الأراضي السورية وفقًا لقرارات الشرعية الدولية.

الخطوة أثارت تساؤلات سياسية وقانونية حول دلالات نشر الخريطة، وما إذا كانت تمثل خطأً تقنيًا أم مؤشرًا على تحول في الخطاب الرسمي السوري، خاصة أن الجولان تُعد من أبرز قضايا السيادة الوطنية السورية منذ احتلالها عام 1967، وتحظى بإجماع دولي على وضعها كأرض محتلة.

وفي هذا السياق، قال الدكتور أحمد الشحات، أستاذ العلوم السياسية واستشاري الأمن الإقليمي والدولي، إن ما حدث يُعد «سقطة تاريخية» بكل المقاييس، معتبرًا أن تغييب الجولان عن خريطة رسمية صادرة عن وزارة الخارجية يحمل دلالات خطيرة.

 وأوضح أن هناك تقاطعات دولية وإقليمية وضغوطًا تمارس على الإدارة السورية الحالية، قد تكون في إطار مقايضات سياسية أو اقتصادية، من بينها رفع العقوبات، إلا أن ذلك لا يبرر المساس بقضية الأرض والسيادة.

وأضاف الشحات أن ترسيخ هذا النوع من الخطاب، حتى وإن جاء في صورة خريطة، قد يُستغل من جانب إسرائيل لتكريس أمر واقع جديد، والبناء عليه سياسيًا ودوليًا، مشيرًا إلى أن إسرائيل تجيد توظيف مثل هذه الإشارات الرمزية في مسار طويل من تثبيت الاحتلال. 

وأكد أن الجولان معترف بها دوليًا كأرض سورية محتلة، سواء في الأمم المتحدة أو مجلس الأمن، وأن أي إشارة رسمية مخالفة لذلك تمثل خطرًا على الموقف القانوني السوري.

وحول ما إذا كان يمكن تفسير الأمر كخطأ غير مقصود، شدد الشحات على أن صدور الخريطة عن وزارة الخارجية تحديدًا يضعف فرضية الخطأ العابر، موضحًا أن المؤسسات السيادية والدبلوماسية يفترض أن تكون الأكثر التزامًا بالدقة، خاصة في القضايا المرتبطة بالحدود والأراضي. 

وأشار إلى أن التنازل عن الأرض لا يمكن أن يكون «رمزيًا»، لأن السيادة مفهوم قانوني وسياسي متكامل، وأي مساس به ينعكس مباشرة على الاعتراف الدولي بالدولة.

كما لفت إلى أن هذه الخطوة تعطي مؤشرات على وجود ضغوط دولية وشروط سياسية تُفرض على سوريا في هذه المرحلة، بما يوحي بأن القرار الوطني لا يُدار بشكل مستقل بالكامل، وأن هناك أطرافًا خارجية تسعى لربط مستقبل النظام السياسي بملفات سيادية حساسة، وهو ما لا يتوافق – بحسب رأيه – مع إرادة الشعب السوري.

وأكد الشحات أن أي استفتاء شعبي، داخل سوريا أو خارجها، سيقابل برفض واسع لمثل هذا التوجه، معتبرًا أن القضية لا تمس فقط الداخل السوري، بل تتجاوز ذلك إلى البعد العربي، حيث يُعد الجولان قضية عربية بامتياز. 

وحذر من أن هذه «السقطة»، إذا لم يتم تداركها أو توضيحها رسميًا، قد تفتح الباب أمام تداعيات خطيرة تمس مستقبل سوريا ووحدتها وموقفها القانوني في المحافل الدولية.

ويبقى الجدل قائمًا في انتظار توضيح رسمي من وزارة الخارجية السورية، يحدد ما إذا كان ما جرى خطأً فنيًا في النشر أم يعكس تحولًا أعمق في الخطاب السياسي، وسط حساسية شديدة تحيط بقضية الجولان باعتبارها أحد الثوابت الوطنية السورية.