جيران العرب

اليابان تعيد توجيه سياستها النووية رغم تداعيات فوكوشيما

الثلاثاء 23 ديسمبر 2025 - 06:45 م
هايدي سيد
الأمصار

رغم التزام اليابان التاريخي بمبادئها النووية الثلاثة التي ترفض امتلاك أو إنتاج أو استضافة الأسلحة النووية، تتجه الحكومة اليابانية إلى إعادة تقييم سياستها في مجال الطاقة النووية المدنية، في خطوة تعكس تحولات عميقة فرضتها تحديات أمن الطاقة وارتفاع تكاليف الاستيراد في السنوات الأخيرة.

وتسعى الحكومة، بحسب خطتها الاستراتيجية الجديدة للطاقة، إلى رفع مساهمة الطاقة النووية في مزيج الكهرباء الوطني إلى نحو 20% بحلول عام 2040، وهو ما يكفي لتزويد أكثر من عشرة ملايين منزل ياباني بالطاقة. 

وتأتي هذه الخطوة في ظل سعي طوكيو إلى تقليل اعتمادها على الوقود الأحفوري المستورد، وضمان استقرار إمدادات الكهرباء في واحدة من أكبر الاقتصادات الصناعية في العالم.

ولا يمكن فصل هذا التوجه عن إرث كارثة فوكوشيما النووية عام 2011، حين ضرب زلزال عنيف وتسونامي مدمر الساحل الشمالي الشرقي لليابان، ما أدى إلى انهيار أنظمة التبريد في محطة فوكوشيما داييتشي وتسرب إشعاعات نووية واسعة النطاق. 

وعلى إثر ذلك، قررت السلطات اليابانية إغلاق جميع المفاعلات النووية البالغ عددها آنذاك 54 مفاعلًا، في إجراء احترازي غير مسبوق أعاد رسم ملامح السياسة النووية في البلاد.

ومن بين المنشآت التي خرجت من الخدمة آنذاك محطة كاشيوازاكي–كاريوا الواقعة في محافظة نيغاتا شمال غربي طوكيو، والتي تعد واحدة من أكبر محطات الطاقة النووية في العالم.

 وقد أنشئت المحطة في ثمانينيات القرن الماضي، وتضم سبعة مفاعلات بطاقة إجمالية تصل إلى 8.2 غيغاواط، وكانت تمثل ركيزة أساسية في منظومة الكهرباء اليابانية قبل إغلاقها الكامل بعد فوكوشيما.

وأدى توقف هذه المحطة وغيرها من المنشآت النووية إلى زيادة اعتماد اليابان على استيراد النفط والغاز والفحم، ما تسبب في ارتفاع ملحوظ في أسعار الكهرباء، ودفع البلاد لتصبح ثاني أكبر مستورد للوقود الأحفوري عالميًا بعد الصين، وهو ما شكّل عبئًا اقتصاديًا متزايدًا على الحكومة والمستهلكين.

وفي إطار خطتها الجديدة، أعلنت الحكومة اليابانية عزمها إعادة تشغيل مفاعل واحد من أصل سبعة في محطة كاشيوازاكي–كاريوا، بطاقة تشغيلية تبلغ 1.36 غيغاواط، كمرحلة أولى ضمن مسار تدريجي لإعادة تشغيل المحطة. وترى السلطات أن هذه الخطوة ستسهم في خفض أسعار الكهرباء، وتقليل فاتورة الاستيراد، فضلًا عن دعم الاقتصاد المحلي وتوفير فرص عمل في المناطق المحيطة.

غير أن القرار واجه رفضًا شعبيًا واسعًا، حيث نظم مئات من سكان محافظة نيغاتا تظاهرات احتجاجية أمام المحطة، معبرين عن مخاوفهم من مخاطر الإشعاع وسلامة الإجراءات الوقائية. ويؤكد المحتجون أن الذاكرة المؤلمة لكارثة فوكوشيما لا تزال حاضرة، وأن أي خطأ جديد قد تكون له تداعيات بيئية وإنسانية جسيمة يصعب احتواؤها.

وفي محاولة لاحتواء هذه المخاوف، تعهدت شركة تيبكو اليابانية المشغلة للمحطة باستثمار أكثر من 600 مليون دولار لدعم مدينة نيغاتا والمناطق المجاورة، بهدف تعزيز أنظمة السلامة، وتحسين الجاهزية للطوارئ، وبناء الثقة مع السكان المحليين قبل المضي قدمًا في خطة إعادة التشغيل.

وبين هواجس الماضي وضغوط الحاضر، تجد اليابان نفسها أمام معادلة معقدة، تحاول من خلالها الموازنة بين دروس فوكوشيما القاسية ومتطلبات أمن الطاقة والاستدامة الاقتصادية، في مسار نووي لا يزال يثير جدلًا واسعًا داخل المجتمع الياباني.