تواجه المبادرة الحكومية السودانية لوقف إطلاق النار اختبارًا صعبًا على الساحة الدولية، بعد أن اصطدمت برفض أمريكي واضح، إلى جانب اعتراضات قوية من مليشيا الدعم السريع، وذلك في ظل استمرار النزاع المسلح في السودان منذ عام 2023، وما خلّفه من خسائر بشرية ومادية جسيمة.
وأكد رئيس الوزراء السوداني كامل إدريس أن بلاده دفعت ثمنًا باهظًا جراء الحرب المستمرة، مشيرًا إلى أن السودان تعرض لما وصفه بـ«عدوان مباشر من مليشيا الدعم السريع وداعميها»، وهو ما فاقم الأوضاع الإنسانية وأدى إلى تدهور مؤسسات الدولة والبنية التحتية في عدد من الولايات.
وخلال كلمته أمام مجلس الأمن الدولي، طرح إدريس مبادرة شاملة تهدف إلى وقف كامل لإطلاق النار، تحت إشراف دولي تشارك فيه الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية. وتقوم المبادرة على مجموعة من الشروط الأساسية، أبرزها نزع سلاح المليشيات المتمردة، وانسحابها من المناطق التي سيطرت عليها منذ اندلاع الحرب، مع التأكيد على عدم القبول بأي تسوية لا تضمن سيادة الدولة السودانية.
وتضمنت المبادرة كذلك رؤية لإعادة ترتيب المشهد الأمني والعسكري، من خلال إعادة دمج المقاتلين غير المدانين في صفوف الجيش السوداني، مع التشديد الصريح على مبدأ «لا سلام دون مساءلة»، في إشارة إلى ضرورة محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات والجرائم التي ارتُكبت خلال النزاع.
أما فيما يخص عناصر مليشيا الدعم السريع، فقد نصت المبادرة على تجميعهم داخل معسكرات محددة، تخضع لإشراف أممي وأفريقي وعربي، إلى جانب تنفيذ عملية نزع سلاح كاملة تخضع لرقابة دولية صارمة، مع تقديم ضمانات بعدم إعادة تدوير أو تهريب الأسلحة مرة أخرى.

كما أولت المبادرة جانبًا مهمًا للأوضاع الإنسانية، حيث دعت إلى تسهيل عودة النازحين داخليًا إلى مناطقهم الأصلية، وضمان العودة الطوعية للاجئين، بالتوازي مع إطلاق عملية سياسية شاملة تقوم على حوار سوداني–سوداني خلال المرحلة الانتقالية، للاتفاق على أسس الحكم، وصولًا إلى إجراء انتخابات عامة تحت رقابة دولية.
ووصف رئيس الوزراء السوداني المبادرة بأنها «خيار مدروس لاستبدال الفوضى بالنظام، والعنف بالقانون، واليأس بالأمل»، معتبرًا أنها تمثل فرصة حقيقية لإنهاء النزاع ووضع السودان على مسار الاستقرار.
غير أن المبادرة لم تلقَ ترحيبًا أمريكيًا، إذ طالب مندوب الولايات المتحدة في مجلس الأمن بوقف إطلاق النار دون شروط، داعيًا إلى تنفيذ الخطة الدولية المطروحة سابقًا، ومؤكدًا أن إنهاء النزاع مسؤولية مشتركة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع. كما وجّه اتهامات للطرفين بارتكاب «فظائع كبيرة»، من بينها استهداف المدنيين على أساس إثني، واستخدام أسلحة محظورة.
من جانبها، رفضت مليشيا الدعم السريع المبادرة، حيث وصف مستشار قائدها، الباشا طبيق، المقترح الحكومي بأنه «إعادة تدوير لخطاب إقصائي»، معتبرًا أن الدعوة لانسحاب قوات الدعم السريع من المناطق التي تسيطر عليها «غير واقعية»، ولا تعكس طبيعة المشهد الميداني.
وتأتي هذه التطورات في وقت تشهد فيه بعض المناطق، لا سيما ولاية جنوب كردفان، تصعيدًا عسكريًا جديدًا، ما يطرح تساؤلات حول فرص نجاح أي مسعى سياسي في ظل استمرار المواجهات، وتباين المواقف الإقليمية والدولية بشأن آليات إنهاء الحرب في السودان.