أطلق السفير الأمريكي لدى إسرائيل، مايك هاكبي، تصريحات لافتة اليوم الاثنين، ربط فيها بشكل مباشر بين استمرار واستقرار حكم الرئيس السوري الجديد، أحمد الشرع، وبين توجه دمشق نحو إبرام اتفاق سلام مع إسرائيل، في موقف يعكس ملامح السياسة الجديدة للإدارة الأمريكية بقيادة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تجاه الملف السوري.
وجاءت تصريحات السفير الأمريكي، التي نقلتها وكالات أنباء دولية، لتؤكد أن واشنطن تنظر إلى مسار العلاقات السورية–الإسرائيلية بوصفه عاملًا حاسمًا في تحديد مستوى الاعتراف الدولي والدعم السياسي للنظام السوري الجديد، معتبرة أن الانخراط في مسار تفاهمات إقليمية، على غرار "اتفاقيات أبراهام"، قد يشكل بوابة أساسية لتحقيق الاستقرار السياسي في سوريا خلال المرحلة المقبلة.
ويرى مراقبون أن تصريحات هاكبي تمثل رسالة سياسية مزدوجة، الأولى موجهة إلى الإدارة السورية الجديدة، مفادها أن الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل تتابعان عن كثب توجهات دمشق الخارجية بعد التغيرات السياسية الجذرية التي شهدتها البلاد عقب سقوط النظام السابق.
أما الرسالة الثانية، فتتعلق باستخدام ورقة "البقاء والاستقرار السياسي" كأداة ضغط لدفع سوريا نحو إعادة تموضع إقليمي، يشمل تقليص علاقاتها مع قوى إقليمية تصنفها واشنطن وتل أبيب كخصوم، وفي مقدمتها إيران.
وتأتي هذه التصريحات في وقت بالغ الحساسية بالنسبة لسوريا، التي تسعى قيادتها الجديدة إلى ترسيخ شرعيتها الدولية، وتأمين رفع شامل للعقوبات الاقتصادية، وجذب استثمارات أجنبية ضخمة لإعادة إعمار ما دمرته سنوات الحرب. وعلى الرغم من إلغاء قانون قيصر، لا تزال دمشق بحاجة إلى دعم سياسي واقتصادي غربي، وهو ما يجعل الموقف الأمريكي عنصرًا مؤثرًا في حسابات الإدارة السورية الحالية.
وفي المقابل، يواجه الرئيس السوري أحمد الشرع معادلة داخلية شديدة التعقيد، إذ لا يمكن تجاهل الإرث التاريخي للصراع مع إسرائيل، وملف الجولان المحتل، الذي يمثل قضية وطنية حساسة لدى قطاعات واسعة من الشارع السوري.
ويخشى مراقبون من أن أي خطوة متسرعة نحو اتفاق سلام قد تُفسَّر داخليًا على أنها تنازل جيوسياسي يمس الثوابت الوطنية، ما قد يؤثر على الحاضنة الشعبية للإدارة الجديدة.

وبحسب محللين، فإن تصريح السفير الأمريكي يضع دمشق أمام معادلة صعبة قوامها "الاستقرار والازدهار الاقتصادي مقابل تنازلات سياسية كبرى"، في وقت تحاول فيه الحكومة السورية الجديدة تبني نهج براغماتي متوازن، يقوم على إعادة ترتيب العلاقات الإقليمية دون الانخراط الفوري في مسارات تطبيع مثيرة للجدل.
وحتى الآن، تلتزم الحكومة السورية الجديدة بسياسة الانفتاح التدريجي على الدول العربية، لا سيما دول الخليج وتركيا، مع التركيز على إعادة بناء الاقتصاد الوطني وترميم مؤسسات الدولة، دون إعلان مواقف حاسمة بشأن ملف السلام مع إسرائيل.
ويرى مراقبون أن تصريحات هاكبي قد تُفسَّر داخل سوريا على أنها شكل من أشكال الضغط السياسي، ما قد يدفع دمشق إلى مزيد من التريث والحذر في التعامل مع هذا الملف الشائك.
وتعكس هذه التصريحات، في مجملها، بداية مرحلة جديدة من "الاشتباك الدبلوماسي الناعم" حول مستقبل سوريا وهويتها السياسية والإقليمية، حيث تسعى الولايات المتحدة الأمريكية إلى توجيه بوصلة السياسة السورية الجديدة، فيما تحاول دمشق الحفاظ على هامش استقلالية يوازن بين متطلبات الداخل وضغوط الخارج.