تكشف مخرجات لقاء رباعي الوساطة في «اتفاق غزة»، الذي عُقد في مدينة ميامي الأميركية، عن مشاورات مرشحة للاستمرار لأسابيع، في ظل تسريبات إسرائيلية تتحدث عن نزع سلاح منطقة «الخط الأصفر» داخل قطاع غزة، التي تمثل أكثر من 50 في المائة من مساحة القطاع، ولا توجد فيها حركة «حماس».

وتشير هذه التسريبات إلى تمهيد المنطقة لإعمار جزئي منفرد خارج إطار المرحلة الثانية من اتفاق غزة، وهو ما يراه خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» بمثابة ورقة ضغط إسرائيلية على الوسطاء وحركة «حماس»، لدفعها إلى القبول بنزع سلاحها في المناطق التي تسيطر عليها داخل القطاع.
ويرى محللون أن هذه التحركات الأحادية تهدد بتعطيل المرحلة الثانية من الاتفاق، وتنسجم مع تصورات إسرائيلية تهدف إلى تقسيم القطاع أو الإبقاء على وجود عسكري فيه، خلافاً لمقتضيات الانسحاب المنصوص عليها في خطة السلام، التي بدأ تنفيذ مرحلتها الأولى في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وفي هذا السياق، نقلت «القناة 12» الإسرائيلية عن مصدر أمني أن الجيش الإسرائيلي أوشك على الانتهاء من عمليات نزع السلاح وتطهير منطقة «الخط الأصفر» الممتدة على طول شرق قطاع غزة، والتي تشكل نحو 52 في المائة من مساحة القطاع. وأشار المصدر إلى أن ستة ألوية عسكرية عملت داخل المنطقة منذ توقيع اتفاق غزة، ودمرت عشرات الكيلومترات من البنية التحتية فوق الأرض وتحتها.
كما نشر الجيش الإسرائيلي، السبت، لقطات تُظهر تفجير وهدم أنفاق قال إنها تابعة لحركة «حماس» في منطقة خان يونس جنوب قطاع غزة، داخل نطاق «الخط الأصفر»، وفق ما أوردته صحيفة «تايمز أوف إسرائيل».
وتأتي هذه التطورات بعد أيام من نقل صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن مسؤول إسرائيلي أن تل أبيب وافقت مبدئياً، وبطلب من الولايات المتحدة، على تحمل تكاليف إزالة الأنقاض من قطاع غزة، والبدء بإخلاء منطقة في رفح جنوب القطاع تمهيداً لإعادة إعمارها، في خطوة اعتُبرت جزءاً من تحركات إسرائيلية منفردة على الأرض.

في المقابل، شدد وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، في تصريحات السبت، على ضرورة البدء العاجل في جهود إعادة إعمار غزة، مؤكداً رفض القاهرة لأي محاولات لفرض حلول أحادية أو تغيير الواقع الديمغرافي والجغرافي للأراضي الفلسطينية، أو تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه.
ويرى عضو «المجلس المصري للشؤون الخارجية» والأكاديمي المتخصص في الشؤون الإسرائيلية، أحمد فؤاد أنور، أن الحديث الإسرائيلي عن نزع سلاح «الخط الأصفر» يندرج في إطار تصريحات «مطاطية» تهدف إلى الضغط السياسي أكثر من كونها واقعاً ميدانياً، لافتاً إلى أن حركة «حماس» لا تتمركز في تلك المنطقة أساساً، وأن الهدف الحقيقي هو عرقلة المرحلة الثانية من الاتفاق.
بدوره، اعتبر المحلل السياسي الفلسطيني نزار نزال أن هذه التسريبات تمثل ضغطاً مباشراً على الوسطاء و«حماس» لتعجيل ملف نزع السلاح، وهو ملف معقد ويحتاج إلى وقت طويل، مشيراً إلى أن إسرائيل تسعى من خلاله إلى تأجيل الانتقال للمرحلة الثانية والترويج لانتصارات داخلية للرأي العام الإسرائيلي.
ويتزامن ذلك مع إعلان مخرجات اجتماع ميامي، حيث أكد ممثلو الوسطاء – مصر وقطر وتركيا والولايات المتحدة – في بيان نقله المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف، دعمهم لإنشاء هيئة حاكمة في غزة تحت سلطة موحدة، إلى جانب تفعيل مجلس السلام وإدارة انتقالية للمسارات المدنية والأمنية وإعادة الإعمار، مع استمرار المشاورات خلال الأسابيع المقبلة لدفع تنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاق.
ويرجح أنور أن العد التنازلي للمرحلة الثانية قد بدأ بالفعل، متوقعاً دخول إسرائيل إليها خلال يناير (كانون الثاني) المقبل، رغم العراقيل المتكررة، تحت ضغوط أميركية محتملة. فيما يرى نزال أن الخطوط العريضة للمرحلة الثانية باتت واضحة، وأن إسرائيل ستكون مضطرة للانخراط فيها، رغم محاولات التشويش عبر إعادة طرح ملف نزع السلاح أو استمرار الهجمات.