دراسات وأبحاث

تركيا تُطالب «قسد» بخريطة طريق لتنفيذ اتفاق الاندماج في الجيش السوري

الأحد 21 ديسمبر 2025 - 12:05 ص
غاده عماد
الأمصار

صعّدت تركيا من لهجتها تجاه «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد)، مؤكدة أن أي حل مستقبلي في سوريا يمر حتمًا عبر تفكيك الهياكل العسكرية الموازية، وإنهاء ما تصفه بالوجود «الإرهابي»، والاندماج الكامل في الجيش السوري تحت سلطة مركزية واحدة، دون استثناءات أو صيغ خاصة.

موقف تركي ثابت وحازم

أكد وزير الدفاع التركي يشار غولر أن أنقرة لن تتراجع عن موقفها بشأن «قسد»، مشددًا على ضرورة تخليها عن خطابها الانفصالي واللامركزي، وانفصالها التام عن «وحدات حماية الشعب» الكردية، التي تعتبرها تركيا امتدادًا لحزب العمال الكردستاني المصنف إرهابيًا لديها. وأوضح أن بقاء أي تشكيلات مسلحة خارج إطار الدولة السورية يمثل تهديدًا مباشرًا لأمن واستقرار سوريا والمنطقة، وكذلك للأمن القومي التركي.

وأشار غولر إلى أن اتفاقية اندماج «قسد» في الجيش السوري، الموقعة في دمشق في 10 مارس الماضي بين الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد «قسد» مظلوم عبدي، يجب أن تتحول إلى خطوات عملية ملموسة، بدل الاكتفاء بالتصريحات السياسية غير الملزمة.

اتفاق لم يتحول إلى واقع

وخلال لقاء مع وسائل الإعلام التركية لمراجعة تطورات عام 2025، قال وزير الدفاع التركي إن الاتفاقية وُضعت في إطار مبدأ «دولة واحدة وجيش واحد»، لكنها لم تُترجم حتى الآن إلى واقع فعلي على الأرض. وأضاف أن أنقرة تنتظر رؤية إجراءات واضحة وجدول زمني محدد لتنفيذ الاندماج، معتبرًا أن غياب خريطة طريق واضحة يثير الشكوك حول نيات «قسد».

وشدد غولر على أن عملية الاندماج يجب أن تكون شاملة وملزمة، وأن القضاء على العناصر المصنفة إرهابية داخل صفوف «قسد» يُعد شرطًا أساسيًا لإنجاح أي تسوية سياسية أو عسكرية.

الاندماج أفرادًا لا وحدات

أوضح وزير الدفاع التركي أن أنقرة ترفض بشكل قاطع أي محاولة لدمج «قسد» كوحدة عسكرية مستقلة داخل الجيش السوري، معتبرًا أن الاندماج الحقيقي يجب أن يكون على أساس فردي. وقال إن الإصرار على الاحتفاظ ببنية تنظيمية مستقلة يتناقض مع مفهوم الاندماج، ويعيد إنتاج الأزمة بدل حلها.

وأضاف أن تركيا تراقب عن كثب ما تصفه بمحاولات «قسد» كسب الوقت أو فرض شروط جديدة، مؤكدًا أن هذا النهج غير مقبول ولن يؤدي إلى نتائج إيجابية.

الموقف الأميركي وتراجع الخلافات

وفي ما يتعلق بالموقف الأميركي، أشار غولر إلى أن الحوار مع واشنطن مستمر، وأن الرؤية الأميركية تجاه ملف «قسد» شهدت تغيرًا ملحوظًا خلال الفترة الأخيرة. وقال إن الجانب الأميركي أصبح أكثر إدراكًا للواقع الميداني وتعقيداته، وإن نقاط الخلاف بين أنقرة وواشنطن بدأت تتقلص.

وأكد أن تركيا أوضحت موقفها بشكل لا لبس فيه، وأن مسألة دمج «قسد» في الجيش السوري ليست قابلة للتفاوض أو التراجع.

الخيار العسكري لا يزال مطروحًا

وحول السيناريوهات المحتملة في حال عدم التزام «قسد» بتنفيذ الاتفاق، قال غولر إن بلاده تمتلك خططًا جاهزة للتعامل مع جميع التطورات. وأضاف أن تركيا أثبتت، منذ بدء عملياتها العسكرية في سوريا عام 2016، قدرتها على التحرك واتخاذ قراراتها بشكل مستقل، حتى في ظل وجود قوى دولية كبرى على الساحة السورية.

وأشار إلى أن أنقرة ستفعل ما تراه ضروريًا لحماية أمنها القومي، دون انتظار موافقة أي طرف، إذا اقتضت الظروف ذلك.

تحذيرات من نفاد الصبر

في السياق نفسه، كان وزير الخارجية التركي هاكان فيدان قد حذّر من نفاد صبر الأطراف المعنية بسبب تأخر تنفيذ اتفاق الاندماج. وأكد أن بلاده لا تفضل العودة إلى الخيار العسكري، لكنها في الوقت ذاته لن تقبل بالمماطلة أو التسويف.

ودعا فيدان إلى حل الأزمة عبر الحوار بين دمشق و«قسد»، مشيرًا إلى أن الوقت المتاح أمام هذا المسار السياسي بات محدودًا.

تنسيق وثيق مع دمشق

أكد وزير الدفاع التركي أن بلاده تعمل بتنسيق وثيق مع الحكومة السورية الجديدة، التي وصفها بأنها قطعت خطوات مهمة نحو استعادة الاستقرار والانفتاح على المجتمع الدولي. وأشار إلى أن مذكرة التفاهم الموقعة بين أنقرة ودمشق في أغسطس الماضي تشكل إطارًا للتعاون في مجالات التدريب العسكري، والاستشارات، وتعزيز قدرات الجيش السوري، خصوصًا في مكافحة الإرهاب.

وأضاف أن هذا التعاون يهدف إلى بناء جيش سوري موحد وقادر على بسط سيادة الدولة على كامل أراضيها.

العمليات التركية في الشمال السوري

تطرق غولر إلى العمليات العسكرية التركية السابقة في شمال سوريا، لافتًا إلى أن القوات التركية دمّرت مئات الكيلومترات من الأنفاق التي حفرتها الجماعات المسلحة، وأسهمت في إعادة الأمن والاستقرار إلى مناطق كانت تعاني من الفوضى وغياب الخدمات الأساسية.

وأشار إلى أن هذه العمليات جعلت مناطق عدة صالحة للعيش مجددًا، بعد أن كانت مسرحًا للنشاط المسلح.

انتقاد للنهج الإسرائيلي

في ختام حديثه، انتقد وزير الدفاع التركي النهج الإسرائيلي تجاه سوريا، معتبرًا أنه قائم على فهم أمني خاطئ، ويؤدي إلى تعميق حالة عدم الاستقرار في المنطقة. ودعا إسرائيل إلى معالجة مخاوفها الأمنية عبر التعاون مع الحكومة السورية الجديدة، واحترام مبدأ حسن الجوار، بدلًا من اللجوء إلى القوة العسكرية وزعزعة التوازنات الإقليمية.

وأكد أن استقرار سوريا يشكل عنصرًا أساسيًا لأمن المنطقة بأسرها، وأن أي محاولات لإفشال هذا المسار ستنعكس سلبًا على جميع الأطراف.