دراسات وأبحاث

واشنطن تدفع نحو قمة ثلاثية لترميم العلاقات المصرية الإسرائيلية

الجمعة 19 ديسمبر 2025 - 02:26 ص
هايدي سيد
 السيسي و نتنياهو
السيسي و نتنياهو

كشفت تقارير إعلامية إسرائيلية متطابقة عن تحركات تقودها الإدارة الأمريكية، برئاسة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لعقد قمة ثلاثية محتملة تجمعه مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في خطوة يُنظر إليها على أنها محاولة لإعادة ترميم العلاقات المتوترة بين القاهرة وتل أبيب منذ اندلاع الحرب على قطاع غزة.

ووفقًا لما أوردته وسائل إعلام إسرائيلية، فإن نهاية شهر ديسمبر/كانون الأول الجاري تُعد موعدًا مرجحًا لعقد هذا اللقاء، في حال وافق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على المشاركة، بالتزامن مع زيارة مرتقبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى الولايات المتحدة، حيث من المقرر أن يلتقي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في منتجع “مارالاغو” بولاية فلوريدا يوم 29 ديسمبر.

صفقة الغاز في قلب التحركات السياسية

في إسرائيل، يجري الربط بشكل واضح بين موافقة الحكومة الإسرائيلية، برئاسة بنيامين نتنياهو، على صفقة تصدير الغاز الطبيعي إلى مصر، بقيمة تُقدّر بنحو 35 مليار دولار، وبين تهيئة الأجواء السياسية لعقد القمة الثلاثية المرتقبة.

وقالت هيئة البث الإسرائيلية إن هذه الصفقة “تفتح الطريق أمام احتمال عقد لقاء بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، نهاية الشهر الجاري في فلوريدا”، معتبرة أن الملف الاقتصادي بات مدخلًا رئيسيًا لإعادة تحريك العلاقات السياسية المجمدة.

أما صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية، فرأت أن الإعلان عن صفقة الغاز “يمهد الطريق لقمة ثلاثية تجمع نتنياهو مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي”، مشيرة إلى أن القاهرة ربطت موافقة الرئيس المصري على المشاركة في القمة بإقرار الصفقة وتنفيذها.

وأضافت الصحيفة أن القمة المحتملة قد تُعقد في منتجع “مارالاغو” التابع للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في حال استكملت إسرائيل التزاماتها الاقتصادية والسياسية.

ضغوط أمريكية على تل أبيب

من جهتها، كشفت القناة الإخبارية 12 الإسرائيلية أن الإدارة الأمريكية مارست ضغوطًا مكثفة على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على مدار أسابيع، لدفعه إلى الموافقة على صفقة الغاز، في إطار جهود واشنطن لتحسين العلاقات بين إسرائيل ومصر، التي تدهورت بشكل كبير عقب الحرب على غزة.

وبحسب القناة، فإن البيت الأبيض أبلغ نتنياهو بشكل مباشر أن الولايات المتحدة ستسعى للمساعدة في ترتيب لقاء مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، شريطة موافقته على الصفقة واتخاذ خطوات إضافية من شأنها تهدئة التوتر مع القاهرة.

وأشارت القناة إلى أن نتنياهو والسيسي لم يجريا أي تواصل مباشر منذ اندلاع الحرب على غزة، وأن العلاقات بين البلدين تمر بأحد أكثر مراحلها توترًا منذ توقيع اتفاق السلام.

تحفظ مصري وشروط سياسية

ورغم ما تروج له وسائل الإعلام الإسرائيلية، فإن التقارير ذاتها تؤكد وجود تحفظ مصري واضح إزاء فكرة عقد اللقاء، في ظل ما تعتبره القاهرة غياب خطوات إسرائيلية كافية على الأرض، خصوصًا فيما يتعلق بالوضع الإنساني والأمني في قطاع غزة.

وذكرت القناة الإسرائيلية 12 أن الجانب المصري لا يُبدي حماسًا لعقد الاجتماع الثلاثي ما لم تلتزم إسرائيل بخطوات إضافية لتنفيذ اتفاقات التهدئة في غزة، وتقديم ضمانات سياسية وأمنية ملموسة.

وفي السياق ذاته، قالت صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية إن صفقة الغاز “كانت تنازلًا ضروريًا” من جانب إسرائيل لفتح الباب أمام عقد قمة ثلاثية مع مصر والولايات المتحدة، لكنها أكدت أن القاهرة طرحت مطالب إضافية.

وأوضحت الصحيفة أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي طالب بانسحاب القوات الإسرائيلية من ممر فيلادلفيا على الحدود بين قطاع غزة ومصر، وكذلك من ممر نتساريم شمال قطاع غزة، باعتبار ذلك جزءًا أساسيًا من أي مسار سياسي أو أمني جديد.

رؤية أمريكية للسلام الاقتصادي

في المقابل، عبّر مسؤولون أمريكيون عن تفاؤلهم بإمكانية أن تسهم صفقة الغاز في خلق نوع من “الترابط الاقتصادي” بين مصر وإسرائيل، بما يعزز فرص السلام ويقلل احتمالات التصعيد العسكري.

وقال مسؤول أمريكي، عقب مصادقة الحكومة الإسرائيلية على الاتفاق، إن “بيع الغاز لمصر يمثل فرصة هائلة لإسرائيل، لأنه يخلق مصالح متبادلة، ويقرب بين البلدين، ويسهم في إرساء سلام أعمق، ويمنع اندلاع حرب جديدة”.

وتسعى الإدارة الأمريكية، بحسب تقارير إسرائيلية وأمريكية، إلى توظيف الحوافز الاقتصادية في مجالات الطاقة والتكنولوجيا كأداة دبلوماسية لإعادة دمج إسرائيل في محيطها الإقليمي، بعد العزلة التي واجهتها بسبب الحرب على غزة.

صمت رسمي من القاهرة

وحتى الساعة 11:45 بتوقيت غرينتش، لم يصدر أي تعليق رسمي من الرئاسة المصرية أو وزارة الخارجية المصرية بشأن ما أوردته وسائل الإعلام الإسرائيلية حول القمة المرتقبة أو صفقة الغاز.

ويُنظر إلى هذا الصمت على أنه يعكس نهج القاهرة الحذر في التعامل مع التسريبات الإعلامية، وحرصها على عدم الدخول في التزامات سياسية معلنة قبل استيفاء شروطها المرتبطة بالأمن القومي المصري وتطورات الأوضاع في غزة.

ملف غزة حاضر بقوة

وتؤكد مصادر مطلعة أن ملف غزة لا يزال العامل الحاسم في تحديد مسار العلاقات المصرية الإسرائيلية خلال المرحلة المقبلة، إذ تضع القاهرة، بحسب مصادر أمريكية، أولوية قصوى لوقف إطلاق النار بشكل مستدام، وضمان تدفق المساعدات الإنسانية، وبدء عملية إعادة إعمار القطاع دون تهجير سكانه.

كما تشدد مصر على ضرورة الانتقال إلى مرحلة سياسية جديدة في غزة، تشمل انسحاب القوات الإسرائيلية، وتسليم إدارة القطاع لجهة مدنية، وهو ما تعتبره شرطًا أساسيًا لأي تقارب سياسي أو قمة رفيعة المستوى.

قمة ممكنة بشروط

وبينما تواصل واشنطن جهودها لتقريب وجهات النظر بين القاهرة وتل أبيب، تبقى القمة الثلاثية المحتملة مرهونة بتطورات الأيام المقبلة، ومدى استعداد إسرائيل للاستجابة للمطالب المصرية، سواء على الصعيد الأمني أو الإنساني أو السياسي.

وفي ظل هذا المشهد المعقد، تبدو صفقة الغاز، رغم أهميتها الاقتصادية، مجرد خطوة أولى في مسار طويل لإعادة بناء الثقة بين مصر وإسرائيل، في منطقة لا تزال تشهد واحدة من أكثر فتراتها اضطرابًا خلال السنوات الأخيرة.