وسط تباينات حادة بين العواصم الأوروبية، تُواجه «أوروبا» صعوبات واضحة في التوافق على «آلية تمويل أوكرانيا»، ما يطرح تساؤلات حول مستقبل الدعم العسكري والاقتصادي لكييف.
وفي التفاصيل، أفادت صحيفة «بوليتيكو» نقلا عن دبلوماسيين، بأن المسؤولين الأوروبيين يُشككون في قدرة دول الاتحاد على التوصل إلى حل وسط وإيجاد مصادر لتمويل أوكرانيا.
قالت الصحيفة: «أعرب دبلوماسيون من مختلف الأطراف، يوم الأربعاء، عن شكوكهم المتكررة بشأن إمكانية التوصل إلى حل وسط».
وشبه دبلوماسي رفيع في الاتحاد الأوروبي الوضع الحالي للتكتل بالأزمة المالية لعامي 2012-2013 وخطة الإنقاذ المالي لليونان في 2015.
وكان أعلن رئيس وزراء المجر، «فيكتور أوربان»، يوم 17 ديسمبر، بأن المفوضية الأوروبية قد سحبت مسألة مصادرة الأصول الروسية من جدول أعمال قمة الاتحاد الأوروبي. وبدلاً من ذلك، يقترح الاتحاد الأوروبي الحصول على قرض مشترك لصالح كييف، بحسب قوله.
كانت «المفوضية الأوروبية» قد سعت سابقًا للحصول على موافقة دول الاتحاد على استخدام الأصول السيادية الروسية لصالح كييف. ويتم مناقشة مبلغ يتراوح بين (185 و210 مليارات يورو) في صورة قرض، سيتعين على أوكرانيا سداده بشكل مشروط بعد انتهاء الصراع
من جهتها، ذكرت «وزارة الخارجية الروسية»، أن أفكار الاتحاد الأوروبي بشأن دفع روسيا تعويضات للجانب الأوكراني هي أفكار «مُنفصلة عن الواقع»، وأن بروكسل تُمارس سرقة أصول روسيا منذ وقت طويل، مُؤكّدة أيضًا أن موسكو ستُقدم على رد في حال مصادرة الأصول الروسية.
بين نيران الحرب وصعوبة الحياة اليومية، يجد «الشعب الأوكراني» نفسه مُضطرًا لإعادة ترتيب أولوياته، حيث يرفض إجراء الانتخابات الرئاسية في ظل الصراع المُستمر مع «روسيا» منذ ما يقرب من (4 سنوات)، مُعبّرًا عن دعم واسع للرئيس «فولوديمير زيلينسكي»، في موقف يعكس وحدته الوطنية وإدراكه أن بقاء الدولة واستقرارها الآن أهم من أي جدل انتخابي.
أظهر مُعظم الناخبين الأوكرانيين رفضًا قاطعًا لأي انتخابات رئاسية «مُبكرة»، في ظل الحرب المُستمرة مع «روسيا»، وسط جهود أمريكية مُكثفة لاحتواء الأزمة.
ويبدو أن موقف الأوكرانيين يعكس إدراكهم العميق بأن الأمن والاستقرار الوطني يجب أن يسبقا أي «استحقاقات انتخابية»، حيث يربط الناخبون بين استمرار القيادة الحالية وقدرتها على مواجهة التحديات العسكرية والسياسية وبين بقاء الدولة مُتماسكة. ومع استمرار الضغوط الدولية، تُبرز أهمية التوازن بين الديمقراطية والمصلحة الوطنية، في وقت يرى فيه كثيرون أن تأجيل الانتخابات حتى نهاية الحرب قد يكون الخيار «الأكثر حكمة».
ولم تشهد «أوكرانيا» أي انتخابات رئاسية وبرلمانية منذ عام 2019، حيث يحظر الدستور إجراء التصويت في ظلّ «الأحكام العرفية»، التي تم إعلانها عند اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، وبسبب ذلك ما زال «زيلينسكي» رئيسًا لأوكرانيا رغم انتهاء مُدته.
كشف استطلاع للرأي أجراه معهد كييف الدولي لعلم الاجتماع، في الفترة ما بين 23 نوفمبر و13 ديسمبر، بحسب صحيفة «كييف إندبندنت» الأوكرانية، أن أقل من عُشر الأوكرانيين يُؤيدون إجراء انتخابات فورية، حتى في غياب وقف إطلاق النار مع روسيا.
وأعرب نحو (25%) من المشاركين في الاستطلاع، والمُقيمين داخل الأراضي الأوكرانية، عن تأييدهم لإجراء الانتخابات في حال وجود وقف لإطلاق النار مدعوم بضمانات أمنية، بينما قال (57%) إن إجراء التصويت لن يكون مُمكنًا إلا بعد التوصل إلى اتفاق سلام نهائي.
تبين أن حجم الدعم لإجراء انتخابات فورية، حتى دون وقف إطلاق النار، ظل ثابتًا إلى حد كبير طوال العام الحالي، ولم يتغير إلا قليلًا من (10%) في مارس و(11%) في سبتمبر إلى (9%) في ديسمبر، بينما انخفضت نسبة المؤيدين الذين يقولون إن إنهاء الحرب بشكل كامل «شرط أساسي» لإجراء الانتخابات.
وفي مارس، كان (9%) فقط من الأوكرانيين يُؤيدون إجراء انتخابات بعد وقف إطلاق النار، بينما قال (78%) إنه يجب التوصل إلى اتفاق سلام نهائي أولًا.
كان الرئيس الأمريكي، «دونالد ترامب» قد أثار، في وقت سابق من شهر ديسمبر، قضية إجراء الانتخابات الأوكرانية، وتساءل في اجتماع مع الصحفيين: «إنها ديمقراطية.. لقد مر وقت طويل.. كم من الوقت سيمر قبل أن تجري أوكرانيا انتخابات؟».
وفي تحوّل مُتوقع، بحسب الصحيفة، قال «زيلينسكي»، إن أوكرانيا يُمكن أن تكون مُستعدة لإجراء انتخابات حتى أثناء الحرب، شريطة أن «تضمن الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون الأمن»، وأكّد أنه ناقش القضية مع المشرعين وطلب من البرلمان اقتراح تدابير لإجراء الانتخابات خلال فترة الحرب.
يأتي ذلك في الوقت الذي أكد فيه القادة الأوروبيون، في بيان مشترك بعد اجتماعهم في محادثات سلام في برلين، أمس الإثنين، أن القرارات بشأن احتمال تقديم تنازلات بشأن الأرض لا يُمكن أن يتخذها سوى «شعب أوكرانيا»، وبعد ضمانات أمنية قوية.
وأفاد البيان، بأن من الضمانات الأمنية التي تم الاتفاق عليها وجود قوة بقيادة أوروبية تُسهم فيها الدول الراغبة في ذلك، وتُساعد في تأمين سماء أوكرانيا، وتعزيز الأمن في البحار، بما في ذلك من خلال العمل داخل أوكرانيا، كما اتفق الأمريكيون والأوروبيون على تقديم ضمانات أمنية مشتركة لأوكرانيا.
وفي خضم «حرب دامية» مُستمرة منذ سنوات، يُثبت «الشعب الأوكراني» أن الأولوية القصوى تكمن في الحفاظ على أمن الدولة واستقرارها، مُؤكّدًا دعمه الكامل للرئيس «زيلينسكي»، الذي أصبح رمزًا للوحدة الوطنية والصمود في وجه العدوان، في موقف يعكس إدراك المواطنين أن الديمقراطية الحقيقية لا يُمكن أن تزدهر إلا في ظلّ وطن قوي ومُستقر.