دراسات وأبحاث

إسرائيل تستعد لمواجهة حزب الله.. بانتظار موافقة ترامب (تفاصيل)

الأربعاء 17 ديسمبر 2025 - 03:04 م
هايدي سيد
الأمصار

تستعد إسرائيل لمرحلة جديدة من المواجهة مع حزب الله اللبناني، غير أن أي تحرك عسكري محتمل لن يحدث دون موافقة الولايات المتحدة الأمريكية، وفق ما نقلته صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية اليوم الأربعاء. 

وتأتي هذه الاستعدادات وسط تصاعد التوترات على الحدود الجنوبية للبنان، ومحاولات إسرائيل الضغط على الحكومة اللبنانية لتنفيذ خطوات نزع سلاح حزب الله في مناطق النفوذ التقليدية جنوب نهر الليطاني.

وأوضحت الصحيفة أن الحكومة الإسرائيلية حددت نهاية ديسمبر/كانون الأول الجاري كموعد محتمَل لاستكمال إجراءات نزع السلاح، وهو الوقت نفسه الذي من المتوقع أن يلتقي فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب في فلوريدا يوم 29 ديسمبر. ويأتي الاجتماع في سياق التأكد من الدعم الأمريكي لأي عملية عسكرية محتملة ضد التنظيم الشيعي، بما يعكس دور واشنطن الحاسم في السياسات الإسرائيلية تجاه لبنان.

وفي هذا السياق، أشار التقرير إلى أن مؤشرات عملية إسرائيلية محتملة ظهرت بالفعل منذ الشهر الماضي، عقب اغتيال القائد العسكري البارز لحزب الله، هيثم علي طبطبائي. ورغم استهداف القيادي، اعتمد حزب الله سياسة ضبط النفس، ولم يرد حتى بإطلاق قذيفة هاون واحدة، وهو ما اعتبرته إسرائيل سياسة احتواء مألوفة في السنوات السابقة.

ومع ذلك، حذرت الصحيفة من أن هذا التوازن قد يتغير بشكل سريع إذا ما وقع تصعيد شامل، إذ يتوقع الجيش الإسرائيلي أن يرد حزب الله بقصف منسق يشمل مئات الصواريخ والقذائف المتفجرة والطائرات المسيرة على مدى أيام متتالية، ما قد يؤدي إلى مواجهة شاملة في جنوب لبنان.

وأوضحت الصحيفة أن المسؤولين الإسرائيليين يرون أن أي عملية عسكرية لن تتم قبل موافقة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مشيرين إلى أن هذه الموافقة ضرورية لضمان الدعم السياسي والدبلوماسي الدولي.

 ويُتوقع أن يوضح اللقاء المرتقب بين نتنياهو وترامب ملامح أي تحرك عسكري محتمل، بما في ذلك نطاق العمليات ومدتها، ومراحل الردع المتوقعة من قبل حزب الله.

من جهة أخرى، اعتبرت الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية أن حزب الله يفضل حالياً تحمّل الغارات الجوية شبه اليومية على جنوب لبنان بدل الدخول في مواجهة مفتوحة مع إسرائيل، كما يركز التنظيم على إدارة الصراعات الداخلية اللبنانية، بما في ذلك القضايا الاقتصادية والاجتماعية المتعلقة بالنازحين والمجتمعات المحلية. 

وأشار التقرير إلى أن حزب الله يعاني من تراجع شعبيته، إذ بدأت ولاءات أنصاره تتحول تدريجياً نحو حركة أمل اللبنانية، المنافسة للحزب، نتيجة ضعف الدعم الاجتماعي والسياسي الذي يقدمه حزب الله للسكان المحليين، خاصة من فقدوا مساكنهم خلال العمليات البرية الإسرائيلية السابقة.

وتشير المصادر الإسرائيلية إلى أن حزب الله مستمر في إعادة بناء قدراته العسكرية، معتمداً بشكل رئيسي على التصنيع المحلي وتحويل الصواريخ التقليدية إلى صواريخ موجهة بدقة، وهو ما يعكس استراتيجية طويلة المدى للحفاظ على الردع العسكري أمام إسرائيل.

وفيما يتعلق بالأبعاد الاجتماعية، تواجه قيادة الحزب صعوبات متزايدة في استئجار شقق أو مراكز قيادة في مناطق بيروت خارج الضاحية الجنوبية، حيث رفض السكان المحليون طلبات بعض العناصر لإيواء عائلاتهم أو إنشاء مقرات، بل وتم طرد بعضهم في حالات محددة، ما يعكس تراجع قدرة الحزب على التمدد الاجتماعي والسياسي خارج مناطق نفوذه التقليدية. 

وقال مسؤول إسرائيلي: "هذه أمور لم نشهدها من قبل، فالمجتمع المحلي أصبح مدركاً أنه لن يحصل على أي تعويض في حال دُمرت المباني خلال الغارات الإسرائيلية".

وعلى الصعيد السياسي، تتزامن هذه التحديات مع استعداد لبنان لإجراء الانتخابات البرلمانية في مايو/أيار المقبل، حيث يركز الأمين العام لحزب الله، نعيم قاسم، على استعادة الوحدة الداخلية للحزب وتعزيز شرعيته السياسية، بدلاً من الانخراط في حرب جديدة مع إسرائيل. وأكدت المصادر الإسرائيلية أن قاسم يفتقر إلى الكاريزما التي كان يتمتع بها حسن نصر الله، ما أدى إلى انخفاض التفويض الشعبي للحزب، وتحويل مزيد من الدعم الشعبي نحو حركة أمل.

وأشارت الصحيفة إلى أن حركات مثل حزب الله وحركة أمل لا تقتصر على النشاط العسكري، بل تقدم أيضاً خدمات اجتماعية وتعليمية مهمة، ما يجعل أي مواجهة عسكرية معها مسألة معقدة سياسياً واجتماعياً، ويزيد من حساسية أي تصعيد على الأرض.

وفي الوقت ذاته، حذر مسؤولون إسرائيليون من أن أي حديث عن نزع سلاح حزب الله قد يدفع التنظيم نحو تصعيد عدواني، مؤكّدين أن الحزب لا يتطوع للتخلي عن ترسانته، بينما يحافظ الجيش اللبناني على موقف محايد، وهو ما يعقد أي محاولات إسرائيلية للضغط على الحكومة اللبنانية لتنفيذ خطوات ملموسة نحو نزع السلاح.

وتتزامن هذه التحديات مع صعوبات متزايدة تواجه حزب الله في تنويع وجوده في بيروت، بما يشمل توزيع قياداته أو إنشاء مراكز عمليات، وهو ما يعكس هشاشة أكبر أمام أي مواجهة محتملة مع إسرائيل. وأكدت المصادر أن التنظيم يعمل على إعادة بناء صفوفه في المناطق التي يمكنه السيطرة عليها، مع تعزيز قدراته العسكرية من خلال التصنيع المحلي للأسلحة والصواريخ.

وفي ضوء هذه المعطيات، يشير التقرير إلى أن المشهد الحالي يعكس مزيجاً معقداً من الحسابات العسكرية والسياسية في لبنان وإسرائيل، حيث تتداخل الضغوط الأمريكية مع التحديات الداخلية لحزب الله، في وقت يسعى فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للحصول على دعم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قبل أي خطوة عسكرية، في حين يواصل حزب الله تعزيز قدراته العسكرية والاجتماعية والسياسية، مع الحفاظ على توازن دقيق في مواجهة الغارات الإسرائيلية والسياسات المحلية اللبنانية.

وتختتم الصحيفة بالإشارة إلى أن أي مواجهة جديدة ستكون اختباراً حقيقياً لقدرة إسرائيل على تحقيق الردع العسكري دون الانجرار إلى صراع واسع، وقدرة حزب الله على إدارة الضغوط الداخلية والخارجية، مع انعكاسات محتملة على استقرار لبنان والمنطقة بأسرها.