دراسات وأبحاث

بعد هجوم سيدني: أستراليا تواجه فصلاً جديداً في ملف التطرف

الثلاثاء 16 ديسمبر 2025 - 03:16 م
نرمين عزت
لقطة من هجوم سيدني
لقطة من هجوم سيدني

يشهد المشهد الأمني في أستراليا خلال العقدين الأخيرين تصاعدًا ملحوظًا في أنماط التطرف، حيث تراجع خطر التنظيمات العابرة للحدود لصالح تصاعد التطرّف الداخلي، خاصةً التطرف اليميني المتشدد. 

هجوم سيدني

تُعد أستراليا من الدول التي واجهت مؤخرًا العديد من التطرف أبرزها التطرف الديني العنيف. 

وتعتبر السلطات الأسترالية أن التطرف الداخلي بات الخطر الأمني الأول بدلًا من التهديدات الخارجية.

ومنذ اندلاع حرب غزة في أكتوبر 2023، شهدت أستراليا سلسلة من الهجمات التي تحمل طابعاً معادياً للسامية، كان من بينها هجمات حرق متعمدة استهدفت دور عبادة يهودية. 

وفي أغسطس الماضي، أقدمت الحكومة الأسترالية على طرد السفير الإيراني عقب تقارير استخباراتية موثوق بها أفادت بأن إيران متورطة في تمويل وتدبير ما لا يقل عن هجومَيْ حرق على الأراضي الأسترالية، أحدهما استهدف منشأة تجارية يهودية والآخر كنيساً يهودياً، حسب الصحيفة.

وفي فبراير الماضي، أعلن مايك بورغس، مدير الاستخبارات الداخلية الأسترالي، أن مكافحة معاداة السامية باتت أولوية قصوى لجهازه، نظراً لما وصفه بـ"التهديدات المباشرة للأرواح … التي نشهدها داخل البلاد".

وفي عام 2017، سيطر مسلحون متأثرون بفكر تنظيم داعش الإرهابي على أجزاء من مدينة ماراوي في جنوب الفلبين وتمكنوا من الاحتفاظ بها لخمسة أشهر رغم عمليات برية وجوية ظل الجيش يشنها.

وأدى حصار ماراوي، الذي شكل أكبر معركة تشهدها البلاد منذ الحرب العالمية الثانية، إلى نزوح نحو 350 ألف شخص ومقتل أكثر من 1100 معظمهم من المسلحين.

هجوم سيدني

ومساء الأحد، لقي 15 شخصا حتفهم جراء الهجوم الذي وقع الأحد وكان أسوأ إطلاق نار جماعي تشهده أستراليا منذ ما يقرب من 30 عاما. ويجري التحقيق فيه باعتباره عملا إرهابيا كان يستهدف اليهود.

وأعلنت الشرطة الأسترالية، أن المسلّحَين اللذين قتلا 16 شخصاً أثناء احتفال بعيد يهودي في سيدني، هما رجل في الخمسين من عمره، ونجله البالغ 24 عاماً. وقال مفوض شرطة نيو ساوث ويلز، مال لانيون، للصحافيين، إن المهاجم البالغ «50 عاماً لقي حتفه. وذاك البالغ 24 عاماً في المستشفى حالياً».

وتواصل الشرطة الأسترالية التحقيق في أسباب سفر الأب والابن المتهمين بتنفيذ هجوم سيدني، إلى الفلبين الشهر الماضي، حسب ما كشفت صحيفة "الغارديان" البريطانية.

وقال مفوض شرطة ولاية نيو ساوث ويلز، مال لانيون، الثلاثاء، إن نافيد أكرم (24 عاما) ووالده ساجد أكرم (50 عاما) سافرا مؤخرا إلى الفلبين، مشيرا إلى أن التحقيقات تركز حاليا على الغرض من الرحلة، والأماكن التي زاراها، وما إذا كانت لها صلة بالهجوم.

وأضاف لانيون أن الشرطة عثرت على عبوات ناسفة بدائية الصنع (IEDs) وعلميْن لتنظيم داعش مصنوعيْن يدويا داخل سيارة مسجلة باسم الابن، وكانت متوقفة في موقع إطلاق النار الذي وقع يوم الأحد، والذي استهدف احتفالا يهوديا وأوقع عشرات القتلى والجرحى.
 

أنماط التطرّف في أستراليا

يُعرف التطرف في الأدبيات الأكاديمية بأنه تبني أفكار أو أيديولوجيات رافضة للنظام السياسي والاجتماعي القائم، وتبرير استخدام العنف أو الإكراه لتحقيق أهداف أيديولوجية”.

ويندرج التطرف في أستراليا ضمن ثلاثة أنماط رئيسية:

-التطرف اليميني المتشدد

سياسة اليمين المتطرف في أستراليا هي الحركات السياسية الأسترالية والأفراد المتحالفون مع اليمين المتطرف، ويشار إليها أيضًا باسم التطرف اليميني، وانتشرت هذه الظاهرة غالبًا منذ القرن العشرين حتى القرن الحادي والعشرين.

بدأت هذه الحركات بشكل جدي بتأسيس الحرس الجديد في سيدني في عام 1931، ومن ثم فرعه حزب الوسط في عام 1933. كانت هذه الجماعات الفاشية البدائية مؤيدة للملكية ومعادية للشيوعية وسلطوية في منظورها. تبعت هذه الجماعات اليمينية المتطرفة المبكرة حركة أستراليا أولًا الفاشية بشكل صريح عام 1941. واستمرت الجماعات والأفراد اليمينيون المتطرفون في أستراليا بتبني مواقف عرقية أكثر صراحة خلال الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين، وتحولوا إلى حركات نازية وفاشية ومعادية للسامية، وهي منظمات تعارض هجرة غير البيض وغير المسيحيين، مثل الحزب الوطني الاشتراكي النازي الجديد في أستراليا (1967) وجماعة العمل الوطني المتعصبة للعرق الأبيض (أستراليا) (1982).

ومنذ عام 2001، شهدت أستراليا تشكيل العديد من مجموعات النازيين الجدد والفاشيين الجدد أو مجموعات اليمين المتطرف مثل الطاقم المخلص، وجبهة الوطنين المتحدة، والحزب الوطني المحافظ لفريزر أننغ، والمقاومة الأنتيبوديانية (الأسترالية والنيوزيلاندية)، وغيرها. وكانت بعض مجموعات اليمين المتطرف ترتبط بإرهاب اليمين المتطرف في أستراليا.

-التطرف الديني العنيف

التطرف الديني العنيف في أستراليا موجود ويتجلى في هجمات متفرقة، أبرزها هجوم سيدني الأخير (ديسمبر 2025) الذي استهدف حفلًا يهوديًا، وهجمات سابقة ذات دوافع دينية (مثل هجوم إرهابي ديني استهدف الشرطة)، مع وجود خلايا صغيرة وأفراد متأثرين بأيديولوجيات متطرفة (مثل اليمين المتطرف العنصري) قد ينفذون هجمات فردية، وتعمل الحكومة الأسترالية على مكافحة هذه الظاهرة عبر استراتيجيات لمواجهة التطرف العنيف، بحسب ما تظهره التقارير الأمنية الوطنية.

هجوم استهدف الشرطة (فبراير 2023): هجوم إرهابي ذو دوافع دينية متطرفة (مسيحية متطرفة)، قام به مالك عقار مجهز بمخابئ وأسلحة، ويُعد الأول من نوعه في أستراليا، مع وجود ارتباطات دولية محتملة، وفقًا لمحللين أمنيين.

-التطرف القومي الرافض للدولة

التطرف القومي الرافض للدولة في أستراليا يظهر عبر جماعات يمينية متطرفة، غالباً ذات ميول عنصرية وقومية بيضاء، ترفض المؤسسات وتتبنى نظريات مؤامرة مناهضة للمهاجرين والأجانب، وتركز على التجنيد ونشر الأيديولوجيات، لكنها قد تتطور لتنفيذ هجمات فردية، مع ملاحظة أن التيارات اليسارية المتطرفة (الماركسية والفوضوية) في أستراليا ترفض العنف الشامل بشكل عام، على عكس اليمين المتطرف الذي يتبنى العنف ضد "الخارجين".

ملامح التطرف القومي الرافض للدولة في أستراليا:

رفض المؤسسات: يدمج المتطرفون القوميون قضايا جديدة في نظريات مؤامرة معادية للمؤسسات الرسمية والحكومية.

اليمين المتطرف: تتسم هذه الجماعات بالعنصرية وتتبنى القومية البيضاء، وتعتبر أن العنف ضد الأجانب جزء من هويتها.

التركيز على التجنيد: تركز العديد من هذه الجماعات حالياً على نشر التطرف وجذب أعضاء جدد، بدلاً من التخطيط لهجمات كبيرة.

الخوف من الأجانب (الإسلاموفوبيا): تظهر هذه الظاهرة في مواقف مناهضة للمهاجرين واللاجئين، كما حدث مع قصة سفينة "تامبا" في 2001، حيث تم استغلال الخوف من الغرباء سياسياً.

تطور الأفكار إلى أفعال: يمكن أن تتحول الأفكار المتطرفة إلى نوايا لتنفيذ هجمات فردية في أي وقت.

ويمثّل التطرّف في أستراليا ظاهرة ديناميكية معقّدة، تتطلب توازنًا دقيقًا بين الأمن والحقوق المدنية. ويؤكد التحليل أن النجاح في المواجهة مرهون بالجمع بين الحلول الأمنية الصارمة والمقاربات الاجتماعية الوقائية، مع التركيز على الشباب والفضاء الرقمي.

ومن المرجح أن تشهد الأيام المقبلة نقاشاً واسعاً بشأن قوانين حيازة الأسلحة النارية، فحوادث القتل الجماعي نادرة للغاية في أستراليا، ويُعزى ذلك جزئياً إلى القوانين الصارمة المفروضة على حيازة السلاح، وهي قوانين تحظى بإشادة دولية.

وجدير بالذكر، أن إلى أن أستراليا سبق وفرضت حظراً واسعاً على الأسلحة الآلية ونصف الآلية منذ عام 1996، عقب مقتل 35 شخصاً في هجوم مسلح بمدينة بورت آرثر في ولاية تسمانيا، إذ قامت الحكومة في ذلك الوقت بشراء مئات الآلاف من الأسلحة من المواطنين