في السودان، تتجاوز الحرب الحالية كونها مجرد صراع مسلح بين الجيش وقوات الدعم السريع، لتصبح معركة محورية تتحكم فيها شبكات النفوذ السياسي والاقتصادي والديني، حيث لم يعد القرار بشأن السلم والحرب بيد الدولة أو حتى الجيش نفسه.
فخلف الخطاب المتشدد للفريق أول عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة السوداني، تتكشف منظومة معقدة من المصالح الإخوانية والأمنية والاقتصاد الحربي، ترى في استمرار النزاع ضمانة للبقاء، وفي السلام تهديدًا وجوديًا لمراكز نفوذ راكمت الثروة والسلطة على أنقاض الدولة المنهكة.

وأكد عروة الصادق، القيادي في حزب الأمة القومي وعضو تحالف «صمود» السوداني، أن البرهان لم يعد صاحب القرار الوحيد في ملفي الحرب والسلام، وأن تحركاته داخل الجيش تتأثر بشكل مباشر بالشبكات الحاكمة الفعلية، والتي تشمل ضباطًا موالين للإخوان وجهازًا أمنيًا مسيطراً على مفاصل التمويل والتوجيه العسكري.
وأضاف الصادق أن رفض البرهان للسلام يعكس ضغطًا داخليًا من هذه الشبكات، التي تستفيد من استمرار الحرب اقتصادياً وسياسياً، بما يشمل تهريب الذهب، وجبايات غير قانونية، وقنوات إمداد تتحرك في ظل الفوضى، إضافة إلى مصالح تجارية تُتاح فقط في غياب الدولة.
إبراهيم جابر
يشغل إبراهيم جابر، مهندس بحري برتبة فريق، منصب مساعد قائد الجيش وعضو مجلس السيادة السوداني، ويتولى الإشراف على الشؤون الاقتصادية للجيش والحكومة. لعب دوراً رئيسياً في تأسيس مجلس السيادة عام 2019، وترأس اللجنة الاقتصادية، وهو أحد الشخصيات المحورية في ما يُعرف بـ «اقتصاد الحرب» السوداني.
ياسر العطا، عضو مجلس السيادة السوداني، ومساعد قائد الجيش عبدالفتاح البرهان، يمثل اليد العسكرية الصلبة داخل الجيش، وقد رفض مرارًا إنهاء الحرب مع قوات الدعم السريع، مؤكدًا أن أي تفاوض يعد تأجيلًا للمعركة ويخلق أزمات سياسية وعسكرية. عين ملحقاً عسكريًا بالسفارة السودانية في جيبوتي، ويعد من قادة الجيش الذين شاركوا في عزل الرئيس السابق عمر البشير عام 2019، وتولى مناصب قيادية في المجلس العسكري الانتقالي. العطا متهم سابقًا في التحقيقات بتهمة العمالة والتجسس، كما وجهت له اتهامات بأخطاء عسكرية أودت بحياة جنود، فضلاً عن دعمه مشاركة الإسلاميين ضمن الجيش.
تم تعيينه نائبًا للبرهان في مايو/أيار 2023، وهو تدرج في الرتب العسكرية حتى وصل إلى رتبة الفريق أول في فبراير/شباط 2020، وتولى عدة مناصب قيادية وعسكرية وأكاديمية.
أصبح عضوًا في مجلس السيادة السوداني عام 2021، ويعد حلقة وصل بين البرهان والمكوّنات السياسية والعسكرية داخل الجيش.
الفريق عمر زين العابدين كان آمر تنظيم الإخوان في الحركة الإسلامية، ويشكل حلقة وصل بين الإخوان والجيش السوداني. أما الفريق ميرغني إدريس، فهو مستشار البرهان الأول، وقد انتقل بكامل إمكاناته من عهد البشير إلى صف البرهان، ويشرف على مكتب رئيس مجلس السيادة بثلاثة ضباط مقربين، منهم مدثر صهر علي كرتي، وعمرو مرافقه الخاص، وعلاء الدين الذي يشرف على مهام مختلفة.
وزير المالية السوداني وقيادي حركة العدل والمساواة، وهي جماعة مسلحة دارفورية لها صلات تاريخية بحسن الترابي، ساهمت في الحرب الحالية عبر آلاف المقاتلين، مسببة دماراً واسعاً ومقتل ونزوح آلاف المدنيين. تعاون مع الحكومة الإيرانية لتعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية، وأدرجته وزارة الخزانة الأمريكية ضمن العقوبات عام 2025 لدوره في الحرب السودانية.
أحمد هارون
وزير الداخلية السوداني الأسبق، المعروف بلقب «الثعلب»، متهم بارتكاب جرائم حرب في دارفور بين 2003 و2004، ومطلوب لدى المحكمة الجنائية الدولية. انتماؤه للتيار الإسلاموي جعله داعماً للجيش بقيادة البرهان ضد قوات الدعم السريع، وهو من الشخصيات التي تعكس تداخل السياسة والدين داخل الجيش السوداني.
كتيبة البراء بن مالك
هي الذراع العسكرية لتنظيم الإخوان في السودان، وأدرجتها وزارة الخزانة الأمريكية ضمن العقوبات لدورها في حرب السودان. أنشأت في التسعينيات خلال حكم البشير، وعادت إلى الساحة مع اندلاع الحرب لتدعم الجيش، تحت قيادة المصباح أبوزيد طلحة. الهدف الرئيسي للكتيبة يتمثل في منع أي تسوية سلمية قد تعيد قوى الثورة السودانية إلى السلطة، وتمتلك علاقات مع كتائب جهادية دولية، وتعمل على نقل مركز الثقل الإرهابي إلى السودان.
كشف تقرير صادر عن موقع "أفريكا إنتلجنس" في سبتمبر/أيلول 2025 عن النفوذ الكبير لعائلة البرهان في قطاع الذهب السوداني، المورد الاستراتيجي الذي يشكل نصف صادرات البلاد.
المحامي حسن البرهان، شقيق قائد الجيش، يدير مصالح البرهان في التعدين، ما يعكس حجم السيطرة المالية للعائلة، في حين تعمل الحكومة الصورية في بورتسودان كغطاء للنهب المنظم.
وأشار الخبير الاقتصادي السوداني، الذي فضل حجب اسمه، إلى شراكات مع منظومة الصناعات الدفاعية، تشمل أكثر من 300 شركة تعمل في قطاعات حيوية مثل التعدين، البناء، المياه، المواد الغذائية، تصنيع الأدوية، المصارف، الاتصالات والطيران، بعائدات سنوية تزيد عن ملياري دولار، ما يجعلها واحدة من أقوى المنظومات شبه السيادية في السودان.
الحرب في السودان ليست مجرد مواجهة عسكرية بين الجيش وقوات الدعم السريع، بل صراع متعدد المستويات يسيطر عليه تنظيم الإخوان وشبكات مالية وعسكرية واسعة، تتجاوز الدولة نفسها. الشخصيات البارزة داخل الجيش والحكومة والتنظيمات المسلحة تتحكم بخيوط الحرب، بينما يسعى البرهان للسيطرة على القرار، لكنه محاصر بتأثير هذه الشبكات التي ترى في استمرار النزاع ضمانة لمصالحها. من اقتصاد الذهب والتعدين إلى الصناعة الدفاعية والتنظيمات المسلحة، يشير المشهد إلى أن السلام في السودان يظل رهينة لمصالح معقدة تتجاوز السلطة الرسمية، وتعيد ترتيب أولويات الحرب بما يخدم النفوذ السياسي والمالي لهذه الشبكات.